على شفرة السكين وفى أجواء مشحونة بالتوتر يمتزج فيها الأمل بالقلق تستمر مشاورات السلام اليمنية التى انطلقت الخميس فى الكويت تحت رعاية الأممالمتحدة وبحضور وفدى الحكومة الشرعية وتحالف الحوثى وصالح . ورغم الرسائل السلبية التى نتجت عن تأخر وصول وفد الإنقلابيين لمدة ثلاثة أيام بحجج وذرائع واهية ، ومع أن وقف إطلاق النار الذى يفترض أن يطبق منذ أسبوع لم يتم التقيد به بعد أن قامت مليشيات الحوثى وصالح بارتكاب213 خرقاً بمختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة فى كل من محافظات تعز والجوف ومأرب والبيضاء وحجة وشبوة بحسب تقرير وفد الحكومة الشرعية، إلا أن تجاوز الطرفين لحساسية وتعقيدات الجلسة الأولى أعطى مناخا مواتيا لإمكانية تحقيق تفاهمات ولو بالحد الأدنى وصولا إلى نقاط مشتركة يمكن أن تفضى لاحقا إلى طريق السلام المنشود . ويرى مراقبون يمنيون أن مفاوضات الكويت تتوفر لها أرضية كبيرة من الدعم الدولى والإقليمى لجهود الأممالمتحدة لم تتوفر لإجتماعات جنيف الأولى والثانية وهو ما ظهر فى تصريحات وزراء خارجية أمريكا والصين وبريطانيا وفرنسا فضلا عن وجود 18 سفيرا من رعاة المبادرة الخليجية فى الكويت لتذليل أى صعوبات قد تنشأ أثناء التفاوض ، فى الوقت الذى يبدو المشهد اليمنى الداخلى دافعا كبيرا للضغط على الحوثيين وأنصار على صالح بعد حالة الصراع بينهما التى طفت على السطح بوضوح ، وأيضا سوء الأحوال الإقتصادية وتردى العملة ونقص السيولة لتمويل مشاريع القتال فى الفترة القادمة ، فضلا عن حالة الإنهاك التى تسيطر على مقاتلى الحوثى وصالح فى مختلف الجبهات وعدم قدرتهم على حسم أى معارك لصالحهم . ويربط المحللون بين قوة الدفع الدولية والإقليمية لدعم مسيرة السلام فى اليمن وبين الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى المنطقة والتى ركز فيها صراحة على ضرورة حل الأزمة السياسية فى اليمن على أساس قرار مجلس الأمن الدولى 2216 ، وفقا لترتيب وقف الحرب بأسرع وقت ممكن ، ثم تشكيل حكومة انتقالية موسّعة تشمل كافة الأطراف المتنازعة، وتسليم كافة الأسلحة والمعدات الثقيلة الموجودة فى حوزة كافة الأطراف اليمنية المتنازعة للحكومة الموسّعة الانتقالية ، وتطبيع الأوضاع السياسية والأمنية ، ومكافحة الجماعات الارهابية وبضمنها داعش والقاعدة التى تمددّت فى جنوب اليمن أثناء الحرب ، وتشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين. وأكد أوباما فى لقاءاته مع القادة الخليجيين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى اليمن على أساس دستور جديد ومتوافق عليه ، مع مراعاة مطالب السكان فى جنوب اليمن ، مع التأكيد على مسئولية المجتمع الدولى ودول المنطقة بما فيها ايران فى إعادة إعمار ما خلفته الحرب من دمار وضحايا فى اليمن . وتحاول واشنطن ضمن إعادة ترتيب أولويات المنطقة فى حرب داعش والقاعدة فى العراق وسوريا وليبيا أن توقف إستنزاف الطاقات والقدرات الخليجية المنهمكة فى مواجهات اليمن ضمن التحالف العربى . الوفد الحوثى وحليفه صالح سعى من البداية إلى توصيل رسائل إلى الخارج والداخل سواء فى تأخير وصوله أو رغبته فى إعادة ترتيب النقاط الخمس التى حددها المبعوث الأممى إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ وتكييفها وفقا لرغباتهم ، وهو ما تم رفضه من الأممالمتحدة . وفيما أشاد المبعوث الدولى إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ بإلتزام طرفى المشاورات بأجواء إيجابية حذر من مغبة الفشل مطالبا بتقديم تنازلات من مختلف الأطراف اليمنية من أجل التوصل لاتفاق شامل لحل الأزمة . وأكد المبعوث الدولى فى ختام اليوم الثانى للمشاورات أن المرحلة الحالية دقيقة ، داعياً المشاركين السياسيين إلى تحكيم ضمائرهم ومعالجة الثغرات بروح بناءة وتحويل الخلاف إلى اختلاف يغنى التركيبة السياسية بما يضمن تماسك النسيج الاجتماعى والسلم الأهلى . وقف النار وتبدو أولوية الأممالمتحدة فى مفاوضات الكويت تثبيت وقف إطلاق النار على كل الجبهات وفتح المدن المحاصرة لإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة ، قبيل الخوض فى إجراءات لبناء الثقة والروح الإيجابية بين المتحاورين تمهيدا للدخول فى محادثات سياسية ، لكن مصادر الطرفين المتصارعين تشكك فى إمكانية أن يحصل ذلك بسهولة ويسر قريبا ، حيث بدت أولويات الحوثى وصالح فى وقف الغارات الجوية من طيران دول التحالف وتشكيل حكومة إنتقالية ، بينما يربط الوفد الحكومى ذلك الإجراء بإقدام الحوثيين على خطوات إيجابية لوقف إطلاق الصواريخ وفك حصار تعز وإطلاق السجناء السياسيين وتسليم أسلحة الدولة. وتنص النقاط الخمس التى إقترحتها الأممالمتحدة كمحددات لمشاورات الكويت على «الاتفاق على إجراءات أمنية انتقالية، وانسحاب المجموعات المسلحة، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة، وإعادة مؤسسات الدولة، واستئناف حوار سياسى جامع وإنشاء لجنة خاصة للسجناء والمعتقلين». ويعتبر أحمد الحبيشى الناطق بإسم حزب المؤتمر الشعبى العام الذى يتزعمه على صالح أن قبول النقاط الخمس ، سيكون بمثابة إعلان استسلام سياسى وعسكرى ، وخيانة لدماء أكثر من عشرة آلاف شهيد وخمسة وثلاثين الف جريح من النساء والرجال والشيوخ والأطفال ، وتفريط بتضحيات الشعب والجيش واللجان الشعبية ، معتبرا أن النقاط الخمس لا تحقق سلاما وأمنا واستقرارا وإعمارا ، بقدر ما تدفع البلاد للإنزلاق الى الفوضى والحرب الأهلية وانتشار الارهاب والمزيد من الخراب والدمار، بينما يرى المحامى والمحلل السياسى فيصل المجيدى أن رفض جماعة الحوثى للأجندة التى سبق أن أعلنوا موافقتهم عليها يدل على أنهم يحاولون التأثير على جدول الأعمال وأنهم غير جاهزين للسلام، وإنما حضورهم بغرض التخفف من الضغوط الدولية فقط . وقال المجيدى وهو عضو بالفريق المرافق لوفد الشرعية فى الكويت: فى حال استمر وفد الانقلابيين فى التعنت، فالعلاج لن يكون إلا بالحسم العسكرى ، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن عملية سياسية سلمية، ما لم يتم تسوية الملعب السياسى وإستعادة الدولة للسلاح . أربعة خيارات، ووفقا لعدة سيناريوهات لمصير مشاورات الكويت توقع مركز « أبعاد « للدراسات ومقره صنعاء أن تخفق الأطراف اليمنية فى التوصل إلى سلام عاجل . وقال المركز فى تقرير حديث إن سيناريو عودة الحرب هو أقوى أربعة سيناريوهات محتملة ، وأن المشاورات فى الكويت حققت للانقلابيين فرصة إعادة ترتيب أوراقهم على الأرض ، فيما حققت للشرعية وحلفائها تخفيف الضغط الدولي. وأضاف المركز أن المؤشرات الأولية تدلل على جولة حرب يراها الإنقلابيون ورقة أخيرة لتعزيز أى تفاوض مستقبلى من خلال استعادة السيطرة على بعض المناطق التى فقدوها، فيما تراها الشرعية اليمنية مهمة لإحداث حسم عسكرى قد يؤدى إلى سحب مزيد من الأرض من تحت أقدام الانقلابيين وأهمها محيط العاصمة صنعاء وبعض مناطق صعدة والساحل التهامى ما يجعل مشهد ما بعد الحرب هو مشهد سياسى تفاوضى يؤدى الى استسلام كامل من قبل الحوثيين للشرعية وللقرارات الدولية. وبينما يتوقع اليمنيون جولة شاقة من المفاوضات تتخللها مراوغات وتكتيكات ربما تعيق قطار التهدئة وحقن الدماء فى أى لحظة ، دشن نشطاء يمنيون حملة على مواقع التواصل الإجتماعى بعنوان « لا تعودوا إلا بالسلام لليمن « اعتمدت على صور الأطفال، والمناشدات، ونقل الواقع المعيشى ومعاناة سكان البلاد. وطالبت الناشطة اليمنية هند الإريانى التى أطلقت الحملة كافة الناشطين والإعلاميين ببذل الجهود للضغط على الوفود اليمنية فى الكويت للعودة إلى اليمن بالسلام.