قررت أن أتناول زجاجة مياه غازية فى محاولة لتقليل الشعور بالعطش وجفاف الحلق بعد الموجة الحارة التى إكتسحت البلاد فى الآونة الأخيرة. وحتى أكون منصفا فإن الشمس والرطوبة لايمكن تحميلهما وحدهما بالمسئولية عن الحرارة فقد طغت حرارة سباق الإنتخابات الرئاسية المصرية على الأحداث بشكل كاسح. وبالإمكان ملاحظة جفاف الحلوق على المرشحين وهم يصرخون مطالبين بالمزيد من المؤيدين والأصوات كما يمكننا أن نلاحظ بجلاء جفاف حلوق بعض المؤيدين ممن ربطوا مصالحهم الشخصية بل ومستقبلهم الشخصى بفوز مرشحهم المفضل فى الإنتخابات الرئاسية. ولأنى من مصر صاحبة حضارة السبعة الاف سنة فقد تفهمت الأمر. فالفوز بالسلطة عند المصرى يعنى الفوز بالحياة والهزيمة تكاد تكون الموت، أى أن الأمر مسألة حياة أو موت!! وهو الأمر الذى يخلق فارق كبير بين شكل المرشح المصرى ومؤيديه من جانب والمرشح فى الولاياتالمتحدة أو أوروبا أو بعض الدول الآسيوية المتقدمة من جانب أخر. فعندهم الهزيمة لاتعنى النهاية بل هى بداية للتصحيح ونقطة الإنطلاق للأفضل إنطلاقا من إعتقاد بأن الله لم يخلقنا فى هذا الكون لأن نكون جميعا رؤساء جمهورية أو ملوك كما أنه لم يطلبنا أو يكلفنا بذلك. وفى دولة مثل الولاياتالمتحدة عندما يصاب أحدهم بالإكتئاب أو يتخوف من الفشل أو يفشل بالفعل، ينصحه الأصدقاء بقراءة "قائمة لينكولن" بدلا من الإستسلام للهواجس والأحزان. و"قائمة لينكولن" هى قائمة بالنجاحات والفشل فى مسيرة حياة الرئيس الأمريكى إبراهام لينكولن (1809-1865) الذى يصنف كأحد أبرز 3 رؤساء حكموا البلاد وعبروا بها أقسى لحظات تاريخها مثل أزمات الحرب الأهلية والأزمة الدستورية والقيمية حيث نجح فى الحفاظ على إتحاد الولاياتالمتحدة وأنهى تجارة العبيد وحقق التحديث المالى والإقتصادى. ولد لينكولن لأسرة فقيرة وعانى من تكرار الفشل فى حياته العملية ولكنه كان يعود للمحاولة بعد كل فشل الى أن يحقق ما يريد. وتشير القائمة الى: عام 1832 فقد لنكولن عمله وفشل فى الترشح لإنتخابات الولاية. عام 1833فشل فى أعماله الخاصة. 1835 توفيت زوجته. 1836 أصيب بإنهيار عصبى. 1838 فشل فى الإنتخابات لرئاسة مجلس نواب الولاية ولكن أعيد إنتخابه كعضو بمجلس النواب. 1843 فشل فى الترشح للكونجرس. 1846 نجح فى الترشح للكونجرس. 1848 فشل فى إعادة الترشح. 1849 رفضوا تعيينه كوزير للأراضى. 1854 فشل فى الترشح لمجلس الشيوخ. 1856 فشل فى الترشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية. 1858 فشل فى الترشح لعضوية مجلس الشيوخ. ولكن أخيرا وفى عام 1860 تم ترشيحه رئيسا للجمهورية وفاز. قرأت القائمة وتمنيت أن يقرأها كل مرشح قبل أى إنتخابات حتى يتأكد من أن الأمر ليس مسألة حياة أو موت كما يحلو للبعض ان يصور الإنتخابات فى بلادنا، وأن يتأكد الجميع من أن سنة الحياة تقتضى أن يكون بعد كل نهار ليل وبعد كل ليل نهار وأن شمس النجاح لاتسطع الا بعد ظلام الإخفاقات. طرقت تلك الكلمات أبواب عقلى وأنا اتناول آخر رشفة من زجاجة المياه الغازية المثلجة، ونظرت الى الأفق فى صمت. المزيد من مقالات طارق الشيخ