كتب - العزب الطيب الطاهر: يشكل قرار قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمتهم التشاورية التي احتض-نتها الرياض مساء الثلاثاء الماضي بتشكيل هيئة متخصصة لتدرس بتأن وبصورة شاملة مقترح العاهل السعودي خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الخاص بالتحول من التعاون الي' الاتحاد' ثم عرض نتائج هذه الهيئة التي ستمثل فيها الدول الست علي قمة استثنائية للقادة تكريسا للمنهجية التي تحكم ذهنية وتفكير وقرارات هؤلاء القادة منذ انبثاق منظومة مجلس التعاون قبل31 عاما بمدينة أبو ظبي التي تقوم علي عدم التسرع والحركة المحسوبة لكل الاحتمالات توخيا للاطمئنان وانحيازا لمبدأ السلامة. ويمكن القول إن تأجيل البت في الاقتراح بشكل نهائي وانتظار دراسته من كل الجوانب والأبعاد يستهدف بالدرجة الأولي توفير الفرصة لإنضمام كل دول منظومة مجلس التعاون الست إلي الاتحاد المأمول دون أن يقتصر علي دولتين فقط وهما السعودية والبحرين- حسبما كان سائدا قبل أيام من انعقاد القمة التشاورية وفقا لما أكده الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي نفسه بيد أن الأمر في حقيقته كان في حاجة الي مقاربات واقعية تدفع به إلي الظهور إلي النور بعيدا عن مسببات آنية قد تفضي في نهاية المطاف الي إجهاضه مبكرا خاصة في ضوء تباينات برزت داخل بعض الدول تجاه الفكرة من أساسها فضلا عن اعتراضات إقليمية وبالذات من قبل إيران التي تنظر الي الاتحاد الخليجي المرتقب بحسبانه موجها اليها بالدرجة الأولي ولاشك أن الدول الخليجية الست تمتلك مقومات ليس بناء اتحاد ناجح وإنما وحدة اندماجية كاملة وفاعلة غير أن المؤثرات الإقليمية والدولية تشكل حائط صد صلب يحول دون الولوج الي هذا الحلم الكبير لشعب المنطقة العربي الأصيل فضلا عما يسود هذه الدول من قدر من التناقضات في المواقف والتوجهات بالرغم مما يبدو علي السطح من اكتمال أدوات التوافق قد يكون وراءها محاولة التفرد بالدور أو النفوذ وإن شهدت الأشهر الأخيرة نوعا من احتواء هذه التناقضات خاصة فيما يتعلق بتبني مواقف موحدة وحاسمة من أزمات ليبيا واليمن وسوريا مما جعلها تشكل قاطرة الموقف العربي تجاه هذه الأزمات وفي هذا السياق يستبعد البعض أن يري هذا الاتحاد النور علي المدي القريب أو البعيد... ويرون أن دول الخليج لديها من الخلافات فيما بينها ما يجعل تحقق هذا الحلم لا يبدو سهلا, كما أن أيا منها لا تريد التنازل عن مكتسباتها للآخر. فضلا عن وجود حالة من انعدام الثقة فيما بينها علي الرغم من تناغمها في القضايا الخارجية مما قد يعرقل هذا المشروع الجديد وعلي الرغم من وجود اهتمام شعبي كبير بفكرة الاتحاد ورغبة غالبية الخليجيين في إنضاجها وتطبيقها في أرض الواقع إلا أن ثمة من يرفضهذا الاتحاد سواء كان فيدراليا أو كونفدراليا, فالمعارضة البحرينية تحذر من أي اتحاد مع الدول الخليجية وتهدد! وفي الكويت هناك وجهات نظر كثيرة متحفظة علي هذا الاتحاد وعلي رأس المتحفظين رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون وآخرون يرون في تباين النظم السياسية سببا كافيا لعدم الاتحاد. ويري مراقبون سياسيون أن موضوع الوحدة انتقل من مرحلة الحوار في المجالس إلي دائرة صنع القرار السياسي. لكن الانصهار في الاتحاد في ظل فيديرالية يراها البعض أنها أمر مبالغ فيه, فهذا الهدف لا يزال حسب رأيهم بعيد المنال بينما يرسم البعض الآخر صيغة أخري للتصور الجديد للاتحاد الخليجي تجسدت في الاندماج تحت مفهوم الكونفيدرالية. جدير بالذكر أن الاتحاد الكونفدرالي يتحقق بموجب معاهدة بين دول ذات سيادة كاملة تتفق علي تنظيم علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع بعضها البعض. وتحتفظ كل دولة بموجب هذا الاتفاق بسيادتها واستقلال نظامها السياسي مع التأكيد جنسية مواطنيها, ويحق لها الانسحاب من الاتحاد اذا طرأ نزاع مع احدي الدول. لكن ماذا لو حصل خلاف بسيط علي مسائل حدودية وسيادية؟ من سيلعب دور التحكيم فيها؟ وهل سيسعي كل الأعضاء الي الانتصار لرأي وتغليبه علي الآخر؟ في هذا الصدد يمكن تذكر مسألة اختيار مقر البنك المركزي الخليجي الذي أثار حساسية بين الامارات والسعودية. ويلفت مراقبون الي أن صيغة الاندماج الجديدة في الاتحاد الخليجي ستطرح مدي تفاعل الشعوب الخليجية ودرجة المشاركة الشعبية في سن هذا التعاقد الجديد. فبعض علماء السياسة يرون أن مشروع الاتحاد يحتاج الي استفتاء الشعوب عليه وهذا إحدي الطرق الدستورية. فهل سيؤخذ ذلك بعين الاعتبار؟