بدخولها طرابلس بعد طول معارضة وعرقلة من الحكومة الشرعية وبرلمانها بالشرق والحكومة غير المعترف بها مع برلمانها بالغرب، تنتقل حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السَّراج من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر لمواجهة تمدد تنظيمي داعش والقاعدة وحلفائهما من الجماعات المتشددة وكذلك المليشيات المسلحة التي ستواصل مقاومتها لها انتظاراً لانتزاع ما تحافظ به علي الامتيازات السياسية والمادية لها ولقبائلها.لهذا يجب ألا نتوقع أن تنتهي قريباً مأساة ليبيا التي راح ضحيتها أكثر من 5000 إنسان قتلي وأضعافهم مصابين ومئات الآلاف من المشردين ونحو 1٫6 مليون في حاجة لمساعدات انسانية منذ سقوط نظام القذافي عام 2011. ورغم أنها لم تنته بعد من الجهاد الأصغر حيث مازالت تحتاج لنيل ثقة البرلمان وتحييد الأقلية الرافضة في شرق البلاد وغربها وأن تتخلي حكومة عبدالله الثَّني في طبرق عن السلطة وتسلِّمها لها مثلما فعلت حكومة خليفة الغويل في طرابلس وإلي إحكام سيطرتها علي جميع أنحاء البلاد والحصول علي دعم عسكري ومالي من الخارج إلا أن نجاح حكومة السراج في دخول طرابلس بحراً بعد إغلاق المطار في وجهها يُعدُّ إنجازاً يُحيي الأمل في إمكانية استعادة وتوحيد مؤسسات الدولة وإنهاء حالة الفوضي وتعدد المليشيات المسلحة التي عاثت في الليبيين قتلاً واعتقالاً وخطفا وتعذيبا. ويزيد الأمل وقوف 65 كتيبة مسلحة و500 شرطي ومليشيات قوية أخري معها في مواجهة المليشيات المعارضة وإجبارها علي الخروج من العاصمة بعد مواجهات مسلحة قصيرة.كما نالت دعم وولاء مؤسسات البنك المركزي والبترول والاستثمار والمواني والعديد من مجالس بلديات المدن والأحزاب السياسية الموالية لبرلمان وحكومة طرابلس بالإضافة إلي رفع مجلس الأمن حظر استيراد السلاح عنها وحصولها علي تأييد خارجي واسع النطاق.وفوق ذلك إقرار المجلس الأعلي للدولة المكون من أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته تعديل الإعلان الدستوري ليتوافق مع اتفاق الصخيرات لحل الأزمة بعد أن أعلن 100 نائب من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 198 في بيان عبر التليفزيون تأييدهم لها لتعذر اكتمال النصاب القانوني لانعقاد البرلمان وهو ما اعتبرته بمثابة نيل الثقة بالأغلبية بما يسمح لها بممارسة صلاحياتها. في جهادها الأكبر يتعين علي حكومة الوفاق إنعاش الاقتصاد المتدهور والعمل بهمة لتحسين مستوي المعيشة المتدني وإعادة بناء مرافق الدولة المنهارة ،خاصةً في مجالات الأمن والصحة والتعليم والكهرباء ومياه الشرب،والسعي لتوحيد أكبر عدد من المليشيات المسلحة تحت لوائها بعد نزع أسلحتها وإيجاد وظائف لأفرادها في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية لأنه لو بقيت علي حالها وأيدت الحكومة اليوم فقد تنقلب عليها غدا إذا بدر منها أي تصرف في غير مصلحتها، وهذا يحتاج بدوره إلي مساعدة فعالة من الدول الغربية والمانحة بتقديم التمويل اللازم للتوظيف وربما أيضا التعويض عن الأسلحة المنزوعة،ومن يبقي علي عناده منها فلتساعد الحكومة عسكريا للقضاء عليها.فقد اشترطت تلك المليشيات لتأييد الحكومة أن توضح موقفها ممن وصفتهم بالثوار وما إذا كانت مكافحتها للإرهاب بالتعاون مع المجتمع الدولي ستشمل مجالس ثوار بنغازي ودرنه المتحالفين مع داعش ومن قوانين تطبيق الشريعة الإسلامية التي أقرها برلمان طرابلس غير الشرعي ومن اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الذي يريدون إقالته، بينما يصر البرلمان الشرعي علي عدم المساس بالمؤسسة العسكرية كشرط للتعاون مع حكومة الوفاق. ولا تقل خطورة تنظيمي داعش والقاعدة وحلفائهما عن خطر المليشيات المسلحة حيث تضاعف عدد أفراد داعش إلي ما يقرب من 6500 فرد طبقا لدراسة نشرها معهد دراسات الحرب في واشنطن أكدت أيضا أن داعش يسيطر الآن علي مساحة قدرها 200 كم2 في محيط مدينة سرت الساحلية كجزء مما وصفها التنظيم الإرهابي بأرض الخلافة.كما خفّض داعش رواتب أفراده في سوريا والعراق، بينما ضاعفها لهم في ليبيا لاجتذاب المزيد من الأتباع.وفي يناير الماضي كشفت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن أن داعش والقاعدة والإخوان في ليبيا يدرسون فكرة الاندماج في مجلس شوري موحد لمواجهة ما ينتظرهم بعد تولِّي حكومة الوفاق مهامها.وقال قائد عسكري أمريكي كبير في الشهر نفسه إن هناك حاجة لتحرك عسكري حاسم لوقف انتشار داعش في ليبيا محذرا من محاولاته لتحويلها إلي مركز لتنسيق أنشطته عبر إفريقيا. لقد قال الرئيس الأمريكي أوباما إن الولاياتالمتحدة لن تتوقف عند حدود سوريا والعراق وسوف تلاحق داعش في ليبيا، وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس أصدر توجيهاته إلي مستشاريه الأمنيين للعمل علي التصدي لتوسع التنظيم هناك.كما أعلنت دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا أنها سترسل قوات إلي ليبيا لمساندة حكومتها الجديدة في مواجهة التنظيمات المتطرفة،ونشرت وسائل إعلام تقارير عن وصول قوات بالفعل إلي قواعد في الشرق والغرب الليبيين كدليل علي جديتها.لكن علينا أن ننتظر لنري ما إذا كانت ستتحرك فعلاً لمواجهة سرطان التطرف و الإرهاب اللذين ينتشران بسرعة في الجسد الليبي أم ستبقي مترددة خوفا من التورط في مستنقع قد لا تخرج منه إلاَّ بتضحيات جسيمة. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى