زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز القاهرة الرسمية والتى تعد الاولى بعد توليه مقاليد الحكم فى المملكة العربية السعودية تعد رسالة للعالم بان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لم ولن تتغير ومن (الثوابت).. كما انها تأتى فى توقيت حاكم وبالغ الاهمية ووسط اهتمام غير مسبوق على المستوى الرسمى والشعبى داخل مصر نظرا لماتمثله هذه العلاقات من قوة ومتانة منذ عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله 23 سبتمبر 1932 اى منذ مايقرب من 84 عاما. بداية.. لابد من التفرقة بين الرؤى الاستراتيجية التى لاخلاف عليها وبين اى تباين فى المواقف السياسية.. فمن وقت وقوع الثورات العربية والموقف السعودى مساند لمصر لم يتغير ولم يتبدل خاصة ايام الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. فى ثورة 30 يونيو كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله هو المساند والداعم لمصر خارجيا وداخليا واوفد وزير خارجيته الامير الراحل سعود الفيصل الرجل القوى الى فرنسا ليعلن مساندته لموقف مصر قيادة شعبا وضرورة احترام خيارات الشعب المصرى ليغير موقف الاتحاد الاوروبى تماما تجاه مصر الى موقف ايجابى مساند وداعم ومؤيد. كان الأمير سعود الفيصل فارس الدبلوماسية السعودية على مدى 40 عاما من أبرز وأول المدافعين عن الإرادة المصرية فى ثورة 30 يونيو وهو ما ظهر خلال مؤتمر صحفى له خلال زيارته فرنسا بعد ثورة 30 يونيو حيث قال: «من أعلن وقف مساعداته لمصر أو يلوح بوقفها، فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر»، مشيرا إلى أن هذه المواقف التى تتخذها الدول الغربية ضد مصر إذا استمرت لن ننساها ولن ينساها العالم العربى والإسلامي. ايضا البرقية التى بعثها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لتهنئة الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة فوزه رسمياً برئاسة مصر،. وتأكيد العاهل السعودى أن المساس بمصر يعد مساساً بالإسلام والعروبة، وهو فى ذات الوقت مساس بالمملكة العربية السعودية، وهو مبدأ لا نقبل المساومة عليه، أو النقاش حوله تحت أى ظرف كان. ولاننسى زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله الى مصر وهو عائد من رحلة علاجه الشهيرة لتهنئة الرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة توليه الحكم فى مصر حيث جرى اللقاء داخل الطائرة الملكية فى مطار القاهرة فى 20 يونيو 2014 وهو اللقاء الذى اتسم بالمحبة والمودة بين الزعيمين الكبيرين والتأكيد على اهتمام السعودية بمصر واحترام اختيار شعب مصر لقيادته فقمة الطائرة كانت تمثل دفعة قوية لمصر فى طريق استعادة مكانتها. ايضا لاننسى توصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله لابنائه الامراء جميعا وقوله لهم اوصيكم بمصر ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية وهم يعملون تباعا ودائما على تنفيذ وصية والدهم بالاهتمام بمصر وشعب مصر ووضع رؤية ومكانة الشقيقة الكبرى للسعودية ولجميع الدول العربية فى الاعتبار. اذن العلاقات الاستراتيجية القوية بين البلدين لم تتغير وهذه هى الثوابت المبنية على قناعة وضرورة حتمية تتمثل فى احتياج البلدين لبعضهما البعض فى جميع النواحى التى يلعب فيها الجغرافيا والتاريخ والدين دورا كبيرا وايضا وجود جالية كبيرة من العاملين المصريين واسرهم داخل السعودية تتجاوز اعدادها مليونى مصرى وايضا وجود مواطنين واسر سعودية هنا بالاضافة الى المستثمرين حيث تعد السعودية اكبر دولة مستثمرة فى مصر. هذه الرؤية الاستراتيجية لاتعنى تطابق وجهات النظر فى الرؤى والتحركات فى بعض الازمات وعلى رأسها الازمة السورية التى كانت هى الحاكمة فى المتغير وليس فى العلاقات الاستراتيجية . وفى فترة من الفترات كانت المواقف تتسم بالتباين فى السياسة لأن السعودية كانت مصرة على اسقاط الرئيس السورى بشار الاسد. هذه الازمة كانت قد احدثت فجوة بسيطة سياسيا بين مصر والسعودية فى فترة سابقة لكن لم تتاثر بها باقى المجالات الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية لتعود حاليا الى طبيعتها من خلال هذه الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز. وبالطبع لابد للزعيمين الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك سلمان بن عبدالعزيز خلال القمة المرتقبة ان يتحدثا فى جميع الموضوعات والقضايا بالفكر الاستراتيجى لتنسيق ومراجعة المواقف تجاه الازمة السورية والوضع فى اليمن والوضع فى ليبيا وتبادل المعلومات وتأكيد استمرار التعاون العسكرى والاقتصادى وليؤكدا للعالم وللمعارضين التقارب المصرى السعودى والذين يريدون ان يعمقوا الفجوة ان العلاقات استراتيجية لافكاك منها ورسالة للعالم كله بقوة ومتانة هذه العلاقات الازلية . ومن المقرر ان تشهد الزيارة اطلاق عدد من المشروعات والتى تشمل تلبية احتياجات مصر من مشتقات البترول لمدة خمس سنوات واستثمارات سعودية بقيمة 3 مليارات دولار واتفاقا بمبلغ 1٫5 مليون دولار لتنمية سيناء فى المجالات الزراعية والخدمات وانشاء مدارس وتجمعات سكنية وتدشين جامعة باسم الملك سلمان بن عبدالعزيز وذلك تتويجا لنتائج اجتماعات مجلس التنسيق السعودى المصري. ومن غير المستبعد ان يعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز الذى يحمل فى قلبه مشاعر قوية تجاه مصر ويحظى بكل اعزاز وتقدير من قيادة وشعب مصر لجلالته وللشعب السعودى الشقيق عن مبادرات اخرى مهمة للوقوف تجاه مصر الشقيقة الكبرى. وتردد ان مساع قد يقوم بها الملك سلمان بن عبدالعزيز قبيل بدء اجتماعات القمة الاسلامية باسطنبول خلال ايام وزبارته لتركيا عقب اختتام زيارته للقاهرة. فى محاولة للتقارب بين مصر وتركيا باعتبار ان العلاقات السعودية التركية قوية واستراتيجية ولكن هذه المساعى تصطدم بعوائق كبيرة سببها تدخل الرئيس التركى غير المسئول فى الشأن المصرى وهذا يتطلب من أردوغان الكثير.. والاعتذار لشعب مصر عن كل ما قام به من افعال اضرت كثيرا بالعلاقات بين البلدين.. فهل تجد هذه المبادرة صدى فى ظل هذه الاخطاء الكبيرة من النظام التركى المتعنت؟! هذا ماستسفر عنه الايام القليلة المقبلة..