بعثرت عاصفة "أوراق بنما" الأوراق المرصوصة على مائدة السياسة والمال فى العالم خلال ساعات قليلة، حيث أصبح عدد من رؤساء الحكومات والسياسيين والمشاهير مهددين بسيف "الإطاحة" من عروشهم. وتفاوتت ردود الفعل على التسريب المليونى لوثائق المؤسسة القانونية البنمية "موساك فونسيكا" بين ترحيب فرنسى واضح بمنطق "مصائب قوم عند قوم فوائد" فى مواجهة تربح بريطانيا من شركات "الأوفشور" وتنديد روسى بمنطق "المؤامرة" ضد موسكو وتحقيقات واسعة فى العديد من الدول ومطالبات أيضاً بالإقالة، فيما ظهر "شبح" إنهاء حياة ميسى الرياضية يؤرق مشجعى برشلونة. وفى محاولة لإظهار التماسك، خرج رامون فونسيكا، رئيس "موساك فونسيكا" البنمية لينفى ارتكاب أى مخالفة، لكنه أقر بحدوث اختراق ناجح لكنه "محدود" لقاعدة بيانات المؤسسة. ووصف مدير المؤسسة الاختراق والتسريب بأنه "حملة دولية ضد الخصوصية"، وقال إن المؤسسة التى تتخصص فى تأسيس شركات المعاملات الخارجية "أوفشور" أسست أكثر من 240 ألف شركة، وأضاف أن "السواد الأعظم" منها استخدم "فى أغراض مشروعة". وأكد فونسيكا أن مؤسسته سقطت ضحية "لحملة دولية على الخصوصية" و"هجوم يستهدف بنما بسبب أن بعض الدول لا تروق لها قدرتها التنافسية العالية على جذب الشركات"، مشيراً إلى أن "هناك حربا بين الدول المنفتحة مثل بنما والبلدن التى تفرض ضرائب أكثر فأكثر على شركاتها ومواطنيها". وأعلنت حكومة بنما - التى تحولت إلى حديث العالم بين ليلة وضحاها - أنها "ستتعاون بشكل وثيق" مع القضاء إذا ما تم فتح تحقيق قضائى استنادا إلى الوثائق المسربة. وفى باريس، رحب الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند بالتسريبات، قائلاً إن تسريبات "وثائق بنما" المتعلقة بحالات تهرب ضريبى محتملة هى أنباء طيبة يمكن أن تعزز عائدات الضرائب. وأضاف "أؤكد لكم إنه مع ظهور المعلومات ستنطلق التحقيقات وتُفتح قضايا وتُجرى محاكمات. التسريبات أنباء طيبة لأنها ستزيد عائدات الضرائب المحصلة ممن يمارسون الاحتيال"، وشكر أولاند الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعا أن تجنى خزينة الدولة منها "موارد ضريبية". من جانبها، طلبت بريطانيا نسخة من الوثائق المسربة لتفحص البيانات والتعامل مع أى تهرب ضريبى محتمل، حيث كشفت التسريبات عن احتمال مواجهة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون موقفاً محرجاً بسبب ورود اسم والده الراحل فى الوثائق المسربة إلى جانب عدد من أعضاء مجلس اللوردات عن حزب المحافظين الذى ينتمى له ومشرعين سابقين ومانحين للحزب. ورفضت المتحدثة باسم كاميرون التعليق معتبرة أن هذه "مسألة خاصة". فى المقابل، تبنت موسكو موقفاً عنيفاً ضد التسريبات، حيث ندد الكرملين بالتسريبات، معتبراً أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هو المستهدف الرئيسى بها. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف إن "بوتين،وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة، كلها الهدف الرئيسى وخاصة من أجل زعزعة الوضع"، مضيفاً أن "لا شيء جديداً أو ملموساً" حول الرئيس الروسى فى التسريبات. وقالت إيرينا ياروفايا مديرة لجنة مكافحة الفساد فى مجلس النواب الروسى "عدد هذه الهجمات المعلوماتية ضد رئيس روسيا وسذاجة مواضيعها المفبركة تمثل الإبرة التى تحقن السم عدة مرات، أملا أن تنجح جرعة واحدة على الأقل". وفى أستراليا ونيوزيلاندا، بدأت السلطات التحقيق فى الشبهات المتعلقة بالأشخاص الذين وردت أسماؤهم فى التسريبات للتحقق من حالات التهرب الضريبي. وذكرت هيئة الضرائب الأسترالية أنها تتحرى أكثر من 800 عميل ثرى لموساك فونسيكا. وأضافت الهيئة فى بيان "ربطنا الآن بين أكثر من 120 منهم وبين مقدم خدمات شريك موجود فى هونج كونج"، ولم تذكر هيئة الضرائب الأسترالية اسم الشركة الموجودة فى هونج كونج. وقال مايكل كرانستون، نائب مفوض هيئة الضرائب الأسترالية، إن هيئته تعمل مع الشرطة الاتحادية الأسترالية ومفوضية مكافحة الجريمة فى أستراليا وجهاز مكافحة غسل الأموال للتحقق من البيانات الواردة فى الوثائق. وأضاف أن بعض الحالات قد تحال إلى قوة مهام الجرائم المالية الخطيرة. وفى ريكيافيك، دعت رئيسة الحكومة الآيسلندية السابقة يوهانا سيجوردادوتير، رئيس الوزراء الحالى سيجموندور ديفيد جونلاوسون إلى الاستقالة فوراً بعد ورود اسمه فى التسريبات. وقالت سيجوردادوتير : "يجب ألا يكون للناس رئيس للوزراء يخجلون به... أثبت رئيس الوزراء شكوكه بالعملة والاقتصاد الآيسلنديين من خلال إيداع أمواله فى ملاذ ضريبي. ويبدو أن رئيس الوزراء لا يفهم ماذا تعنى الأخلاق". ويتبين من الوثائق أن رئيس الوزراء أسس مع زوجته شركة فى جزر" فيرجين" البريطانية ليخفى فيها ملايين الدولارات. وفى زيوريخ، فتحت لجنة القيم التابعة للاتحاد الدولى لكرة القدم "الفيفا" تحقيقاً أوليا مع أحد أعضائها. وقالت اللجنة المسئولة عن اقتلاع الفساد فى "الفيفا"إنه يجرى التحقيق مع خوان بيدرو داميانى بسبب وجود علاقة عمل محتملة بينه وبين يوجينيو فيجيريدو من أوروجواى وهو واحد من المسئولين الكرويين الذين تم اعتقالهم فى زوريخ العام الماضي. وأضافت أن هانز يواكيم ايكرت رئيس الغرفة القضائية بات على علم مؤخراً بالعلاقة التى تربط بين داميانى وفيجيريدو الرئيس السابق لاتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم. وجاء بيان اللجنة بعد تقارير إعلامية أفادت بأنه تم الكشف عن احتمال وجود صلات بين الاثنين من خلال وثائق احتوت عليها تسريبات ضخمة للبيانات من ملفات مؤسسة "موساك فونسيكا" القانونية التى يقع مقرها فى بنما والتى باتت تعرف باسم (وثائق بنما) المسربة. ولم تنته العاصفة على عالم كرة القدم عند أبواب الفيفا بل وصلت للملاعب، حيث أعلن مقربون من وكيل اللاعب ليونيل ميسى أن اللاعب الأرجنتينى سيقاضى عدداً من وسائل الإعلام الإسبانية ، التى أكدت أنه أعد خطة فى 2013 للتهرب من دفع الضرائب وذلك عبر دولة بنما. وقالت صحيفة "موندو ديبورتيفو" إن "عائلة ميسى تقوم بتحضير بيان ستقوم بنشره وستقوم باتخاذ كافة إجراءات التقاضى بعد قيام صحيفتى الكونفيديسيال ولا سيكستا بنشر بعض المعلومات التى ستنفى صحتها من خلال البيان". والمعروف أن ميسى يواجه مسلسلا طويلاً من الأزمات مع الضرائب بدأت حلقاته قبل ثلاث سنوات.