احتفل مجمع اللغة العربية بالطلاب الفائزين فى مسابقة التحدث باللغة العربية الفصحى ، والتى نظمتها وزارة التربية والتعليم ، فى محاولة جاءت بعد تخريب عمدى للغة ساهم فيها نظام التعليم ، الذى يحث بإصرار على الاتجاه لدراسة اللغة الأجنبية ، والحرص عليها بكل الصور منذ مرحلة الحضانة وقبل العربية ، بل إن عنوان أى مدرسة حديثة هو الحرص على (عوجة اللسان ) كما لو أن اللغات الأجنبية هى بوابة الجنة، حتى مدرس اللغة العربية أصبح : (مستر العربى ) فينادى عليه بالإنجليزية ، حتى تكون له قيمة ، فأصبحنا بلا هوية فالعربية لا يطالها فى القدر قيمة وفخرا هى لغة القرآن الكريم وهى هويتنا وحياتنا ، نجح الاستعمار على مدى سنين طويلة أن يهدمها ويهدمنا معا ليقضى على القيم والدين ، فانهدمت القيم بالفعل وفعل على يدينا مالم يستطع أن يفعله بنا قرونا ، حتى إنه فى( عز) أيام الاحتلال لم يستطع أن ينال من هذه اللغة التى ظهر لها عباقرة وفطاحل من العلماء ، بينما نحن الآن نعانى مدعى اللغة العربية ، وهى لا تزيد على (ثقافة الشيبسى) الذى يضر الصحة ونحرص عليه لأبنائنا ، بل إن الذى لا يتخيله إنسان أن معظم من ترتبط دراساتهم الأكاديمية بلغتنا الفريدة ، هم مثل العميان ( يكسرون ) الكلمات بطريقة مخجلة، وتدل أيضا على فراغهم العلمى والأكاديمى ، وأقربها من قيادة كبيرة فى مجلس النواب الذى ألقى كلمة هى "فضيحة" فى اللغة القومية، برغم أن تخصصه العلمى لا يسمح بخطأ لغوى واحد، لأنه يغير المعنى ، ولأن لغتنا الجميلة تعتمد على الحس والتفاعل بل والعاطفة الرقيقة ، وحسن التعبير الغنى بجماله دون لغات العالم ، وهى لغة حضارة غيرت وجه الدنيا فى مرحلة سبقت عصر النهضة ،فإذا حضرت مؤتمرا أو محاضرة لأساتذة جامعيين تجد كل أنواع المهانة للغة الجميلة ، و"تكسير" بل تدمير لها ، فلا تملك إلا أن تصاب بالقرف بل والقئ أحيانا ، وتتعجب كيف حصل هؤلاء على الماجستير والدكتوراه ، بل كيف تفوقوا فى الثانوية العامة أساسا ، واللغة العربية عليها الدرجات الأعلى ، وأخطاؤهم من مستوى المبادئ التى يدرسها الطفل فى الابتدائى . والعجيب الغريب أن وزارة التربية والتعليم تقرر دراسة اللغات الأجنبية مع أول سنة دراسية فى حياة الطفل ، وهى من باب أكل العيش للمدرسين للدروس الخصوصية ، أوبمنطق الانبهار بالأجنبى ، ولا أدرى هل تعلم هذه الوزارة الغائبة أن دراسة الطفل مبكرا لغة غير لغته ، تهدم لديه الولاء لوطنه وثقافته ودينه أيضا دون أن ندرى ، لأن طبيعة اللغة الأجنبية تغير مفاهيمه وتهدم لديه قيم بلده وشعبه ، ويسهل عليه أن يتنكر لوطنه عندما يكبر ، ثم فى أحسن الفروض لا يجنى نفعا مما درس ، وأهلكت صحته صغيرا فى هذه الدراسة ، وأذكر صديقا وهو أستاذ جامعى من الصعيد (الجوانى) ألحق ولديه بمدارس أجنبية لا تدرس العربية انبهارا بالعقلية الأجنبية ، وبعد الانتهاء من دراستهم لا يستطيعان قراءة الصحف أو أى كتابة بالعربية سوى التحدث بكلام الشارع فلا تتعرف لديهما على قيم أو دين أو انتماء أو وطنية ، كما رأيت كيف أن كبار علماء الدين فى بلدنا يفخرون بانتماء أولادهم وأحفادهم لمدارس دولية للغات الأجنبية ، وتساءلت على طريقة (مستر العربى ) هل وصل بنا الحال أن نفخر بجذور وقومية الانجليز والفرنسيين من خلال الانتساب للغتهم ، وتركنا تاريخنا العظيم وقيمنا الأفصل والتى أرست قيمة الإنسان الحضارية والإنسانية والروحية التى لا يعرفها ويتميز بها سوانا على مر التاريخ . الذى لفت نظرى فى حوار إذاعى مع الطالب الحاصل على الترتيب الأول فى الحديث باللغة العربية الفصحى ويدعى مصطفى حجاج أنه فى المرحلة الإعدادية بقرية تتبع القناطر ، وأنه حفظ القرآن الكريم صغيرا (بالكتاب) ، وحواره مع المذيعة هو معجزة لغوية مذهلة مع سن لم يجاوز الثانية عشرة ، وحديثه متعة وسلس دون تكلف، له جرس خاص يهز القلب والمشاعر ، لأن لغتنا مرتبطة بالروحانيات والحس والجمال الذى لا ندركه...إننا نحتاج الآن تصحيح هذه الخطيئة التى لن يغفرها لنا التاريج والأجداد والأمجاد..حتى تعود هويتنا ..