فجأة وبغير مقدمات قررت حماس إيهام الرأى العام المصرى والعربى، بفك الارتباط مع التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ودشنت حملة لتنظيف شوراع غزة وجدرانها من ملصقات الإخوان وصور الرئيس المعزول محمد مرسى، وعدسات حماس تصور وتعلق وتبث كلمات للقيادة العليا فى حماس تنفى ايه صلة للحركة بجماعة الإخوان او تنظيمهم الدولى، فى جرأة على الكذب والافتراء وفقدان الذاكرة، فحتى اللحظة التى يتحدث فيها المعلق تنقل الكاميرا شباب حماس وهو يطمس صورة محمد مرسى من على الجدار. لسنا كما يعتقدوا بغير ذاكرة، نذكر تماما ماذا فعلوا فى مصر، وماذا صدروا لها من الأنفاق، وماذا حاكوا لها فى الظلام، وماذا فعلوا بقضيتهم التى خرجوا الى الوجود من اجلها، وماذا حاق بأهل غزة من جراء حكم حماس؟! ونسوا او تناسوا ميثاقهم الذى يرتبط عضويا وفكريا بتنظيم الإخوان والذى يشتمل على بنود الولاء للجماعة أولا ومن بعده بنود إزاحة الاحتلال. ميثاق حماس تضمنت المادة الثانية من الباب الأول لميثاق حماس “أن حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة، في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة”. كما يتضمن ميثاق حماس التعاون مع جميع الحركات الأصولية، سواء كانت القاعدة او داعش او الجهاد، حيث تضمنت المادة الثالثة والعشرون من الباب الرابع “تنظر حركة المقاومة الإسلامية إلى الحركات الإسلامية الأخرى نظرة احترام وتقدير، فهي إن اختلفت معها في جانب أو تصور، اتفقت معها في جوانب وتصورات، وتنظر إلى تلك الحركات إنْ توافرت النوايا السليمة والإخلاص لله بأنها تندرج في باب الاجتهاد، ولكل مجتهد نصيب”. وإذا كان هذا هو الميثاق فإن إزالة اللافتات الإخوانية من على الجدران هو فعل ينطوى على الكثير من قاعدة التقية التى تمليها الضرورة وتستبيح بموجبها جميع جماعات الإسلام السياسى الكذب، وهذا ايضا ينطبق على الأفراد الذين تم ضبطهم فى سيناء وتنصلت منهم حماس وفى حوادث الإرهاب التى وقعت فى سيناء، فإن لم تقترف حماس اية حماقة تجاه الجنود المصريين، فهي على الأقل تعلم بوجود تنسيق أو تسهيل وعلاقات لجماعات أو أفراد ذوي ارتباط قاعدي أو داعشي، في غزة مع جماعة بيت المقدس في سيناء، وإن لم تكن لحماس أى علاقة أو معرفة بمثل ذلك الإمداد أو الاتصال، فإنها على الأقل لم تحاربه ولم تتصد له، كما لم تقم الحركة بإعلان الحرب على الإرهاب في غزة، والمقصود بالطبع جماعات وأفراد تتواصل مع بيت المقدس وتقدم له يدالعون، كما لم تبادر بتسليم اى من المطلوبين امام القضاء المصرى. الباب الموارب مع طهران ومثلما لم تحسم حماس موقفها من الإخوان فهى ايضا تمارس نفس الدور مع إيران فلم تستطع حركة حماس أن تحسم ترددها تجاه المحاور الإقليمية، فرغم أن حماس بقيادتها السياسية قد تحولت لمحور تركياقطر الاخوان قبل نحو أربع سنوات، إلا أن كتائب القسام، الجناح العسكري المسيطر الآن فعليا على قطاع غزة، بقي على اتصال مباشر بإيران، التي ما زالت تمده بالخبرات العسكرية وبغيرها، وقد فقد خالد مشعل سلطته على القسام، منذ ان غادر دمشق وجلس في الدوحة، كما فقد إسماعيل هنية قوته بعد تدمير الأنفاق، من قبل الجيش المصري، والقسام ما زال وسيبقى يرى في إيران الداعم الرئيسي وربما الوحيد، وعبثا تحاول حماس التوفيق بين المتناقضات، والإبقاء على كل الأبواب مفتوحة ومواربة في نفس الوقت، في انتظار لحظة أخرى، وفى خضم هذا الصراع السياسى الذى تخوضه حماس وتصر على إبقائه فى هذه الحالة، يبرز الهدف الفلسطينى والمواطن الفلسطينى سواء فى غزة او الضفة، والذى يعانى ويلات الاحتلال والحصار ويريد أن يرى حماس وقد حسمت أمورها وترددها الظاهر منذ وقت بين المحاور الإقليمية المختلفة، وان تنضم فعليا، وليس بشكل موارب لمحور الاعتدال السني العربي، الذي رفع شعار محاربة الإرهاب، لأن المواطن الفلسطينى يدرك بفطرته الوطنية ان عمقه الإستراتيجى يكمن فى محيطه العربى، ولا يصدق كل الدعاوى العدائية التى تصدرها طهران عن عدائها لإسرائيل، حيث بدأت التحالفات تتراجع شيئاً فشيئا، فالدور التركي اليوم تراجع بعد أن عقد الإسلاميون عليه كثيرا من الآمال، وربطوا به خياراتهم السياسية، كما أن التراجع الذي شهدته السياسة الخارجية التركية أخيرا، وعدم قدرتها على تغيير مجريات الأحداث في الشأن السوري، يعود في جزء كبير منه إلى تردد واضح في سياساتها، وارتباط عضوي بالموقف الأمريكي والتحالفات الغربية، وبالتالي الأن وليس كأي وقت حماس أمام اتخاذ قرار مصيري، ربما كان الأصعب في تاريخها، فلن يسمح الآخرون لها كالإقليم السياسي ودول المحيط أن تناور، وبالتالي ستكون أمام خيار صعب وتكون ملزمة بالإجابة علي سؤال واحد بطريقة مباشرة بأي محور تتمسك وبأي آلية تذهب وضمن أي معطيات تتقدم؟، وكيف ستدير المتناقضات فى الداخل الحمساوى خصوصا ان الكتائب المسلحة “عزالدين القسام” ترى المصلحة الوطنية عند طهران ورغما عن قيادتها العليا تلعب بالسياسة.