يحل يوم المياه العالمى فى 22 مارس من كل عام ليؤكد المعانى الكبيرة عن أهمية المياه للحياة وسبحان القائل «وجعلنا من الماء كل شىء حى» صدق الله العظيم. وإن كنا قد تعودنا على أن يحتفل العالم بهذه المناسبة كل عام فقد إتفقت الدول العربية ممثلة فى مجلس وزراء المياه العرب الذى اجتمع لأول مرة فى الجزائر العاصمة فى شهر يونيو 2009 على أن يكون يوم 3 مارس هو يوماً خاصاً للمياه العربية ... ولا شك أن هذا القرار يؤكد الأهمية الخاصة والمتزايدة للمياه فى المنطقة العربية التى تتسم بندرة شديدة فى المياه، الأمر الذى يضع المنطقة العربية أمام تحديات كثيرة مقارنة بسكان باقى بقاع العالم. فبينما يشكل سكان البلاد العربية 5% من مجموع سكان العالم لا تزيد مواردهم المائية عن 1% من المياه العذبة المتاحة فى العالم كله ويأتى أكثر من 60% من هذه المياه من بلاد مجاورة قد تتعدد كما فى حالة نهر النيل الذى تشترك فيه احدى عشرة دولة فى الوقت الذى يمثل النهر مصدراً لأكثر من 98% من موارد المياه العذبة لمصر . ولا تقف التحديات عند هذا الحد، ففى الوقت الذى يتزايد فيه الطلب على المياه من أجل التنمية يزداد عدد السكان باضطراد وهو الأمر الذى جعل كل البلاد العربية تقريباً تقع تحت خط الفقر المائى الذى يقدر عالمياً بحوالى ألف متر مكعب للفرد فى السنة، حيث يقل متوسط نصيب الفرد حالياً فى البلاد العربية عن هذا الحد بينما كان يقدر بحوالى 3500 متر مكعب فى السنة فى حقبة الستينيات من القرن الماضى، وإن كان هذا المتوسط يخفى خلفه حقيقة قاسية وهى أن بعض الدول العربية ينخفض فيها نصيب الفرد الى أقل من 200 متر مكعب فى السنة. وللأسف فإنه بالرغم من هذه الندرة الشديدة فإن الحكمة تغيب عن الطرق والأساليب المتبعة فى استخدامات المياه سواء للأغراض المنزلية أو للزراعة أو الصناعة أو حتى للتنزه ويتراوح ذلك بين الإسراف فى الاستخدام والتلوث وإلقاء المخلفات فى المجارى المائية، ولذلك فنحن أحوج الشعوب لأن نتعامل مع مياهنا العربية بمزيد من الحكمة والحرص والعناية على كل مستويات وطوائف المجتمع وأفراده دون أستثناء فلكل نصيب فى المسئولية وله دور يلعبه بدءاً من إصلاح السياسات والمؤسسات التى تدبر المياه وتقدم خدماتها، ومروراً بتطوير وتحسين البنية التحتية لمشروعات المياه وتعزيزاً لجهود التوعية والتربية والتعليم للتعريف بقيمة المياه وضرورة المحافظة عليها وترشيد استخدامها، وصولاً الى تعظيم ثقافة ندرة المياه والتعامل مع المياه بقدر ما تمثله من قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة ترتفع الى مستوى قيمة الحياة نفسها وهو دور مهم يقع على وسائل الإعلام وقادة الفكر ورجال الدين الذين يشكلون فكر المجتمع ووجدانه. إن المستقبل قد يأتى لنا بمزيد من التحديات فى صورة تغير للمناخ، يترتب عليه تناقص موارد المياه العربية نتيجة تناقص معدل الأمطار التى تسقط فى المنطقة العربية بحوالى 20% بحلول نهاية القرن الحالى فى نفس الوقت الذى ترتفع فيه درجة الحرارة ويزداد الفاقد عن طريق البخر. ولعله ليس من المصادفة أن يأتى إنشاء المجلس العربى للمياه عام 2004 حيث انه كان تعبيراً عن رغبة وإجماع كل الأطراف المهتمة بالمياه حكومية وغير حكومية على ضرورة التلاحم والتعاون فى مواجهة التحديات السابق ذكرها. وقد سعى المجلس منذ إنشائه ليكون المنبر لكل الأصوات الخيرة والجادة وساحة لكل جهد طيب ومحمود لبلوغ أهداف الحكم الرشيد فى إدارة وإستخدام الموارد المائية والعربية وبناء القدرات القيادية المطلوبة لرسم السياسات وإدارة الموارد والتفاوض مع دول الجوار والاستعانة بأحدث الأساليب التكنولوجية وتبادل الخبرات والمعرفة دعماً للجهود التى تبذلها الحكومات والمنظمات العربية والإقليمية والدولية فى المنطقة. دور المجلس العربى للمياه فى إطار احتفال العالم باليوم العالمى للمياه، عقد المجلس العربى للمياه جمعيته العمومية الرابعة بالقاهرة، وجدير بالذكر أنه يتم التعاون والتنسيق مع جامعة الدول العربية فى تبنى رؤية عربية لقضايا المياه فى المحافل الدولية والإقليمية، ذلك من اجل تحقيق فهم أعمق وإدارة أفضل وايجاد حلول فعالة لقضايا المياه ونشر المعرفة وصولاً للإدارة المتكاملة للموارد المائية. وللوصول الى هذه الأهداف يسعى المجلس الى تحقيق التواصل والترابط مع البرامج والمبادرات العالمية والإقليمية من خلال إبرام اتفاقيات التعاون الثنائية لتبادل المعارف والخبرات والمهارات فى شتى المجالات المتعلقة بمنظومة المياه والغذاء والطاقة وترابطها مع التغيرات المناخية وأثرها على الحالة الاجتماعية والاقتصادية. وقد كان أحدث هذه الاتفاقيات هى التى تم توقيعها فى نوفمبر 2015 من خلال مبادرة جامعة الدول العربية المتعلقة بمخاطر المناخ وترابطها مع قضايا الأمن الغذائى وندرة المياه والهشاشة الاجتماعية لبناء القدرات فى المنطقة العربية ومع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية، منها على سبيل المثال لا الحصر برنامج الأممالمتحدة الإنمائى (UNDP)، وبرنامج الغذاء العالمى (WFP)، ومكتب الأممالمتحدة للحد من المخاطر (UNISDR) وغيرها. وتحت هذه المظلة وعلى هامش الاجتماع الرابع للجمعية العمومية للمجلس العربى للمياه، تم إطلاق وحدة (فريق فنى متميز) واستضافة «غرفة المعلومات الجغرافية العربية» المعروف اختصارها بإسم AGIR» (Arab Geographic Information Room) لجمع الدراسات والمعلومات المائية وتحليلها وتلك الخاصة بالمخاطر الطبيعية والخرائط الرقمية الخاصة بها والتحديد الممنهج للفجوات المعرفية بالوطن العربى بهدف دعم عملية اتخاذ القرار تحت إشراف المجلس الوزارى العربى للمياه واتاحة هذه المعلومات لجميع الدول العربية.» كما تم توقيع ثلاث اتفاقيات تعاون فى طريق التنمية المستدامة، أولى هذه الاتفاقيات بين المجلس العربى للمياه وبرنامج الغذاء العالمى (WFP) والثانية مع المعهد الدولى للسياسات الغذائية (IFPRI) والثالثة مع معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية لدول حوض النيل - جامعة الفيوم، وكلها تهدف الى إرساء وتعزيز التعاون بين الشركاء لتبادل المعارف والخبرات والمهارات فى مجال البيئة والزراعة وإدارة المياه، وإعادة استخدام المياه العادمة والموارد الطبيعية والإدارة المتكاملة للموارد المائية وإتاحتها للأفراد والمنظمات العاملة فى قطاعات المياه على الصعيد الوطنى والإقليمى ونقل الخبرات والتجارب للمنطقة العربية. بالإضافة الى هذا قام المجلس العربى للمياه بالتعاون مع منظمة اليونسكو ومنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) مكتب القاهرة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية بإطلاق برنامج استراتيجى للمياه العربية غير التقليدية Arab Non-Conventional Water Resources، يهدف الى وضع آلية إقليمية تساعد الدول العربية فى تطوير خططها من أجل استخدام الموارد المائية غير التقليدية والتى تشمل مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى والمياه شبه المالحة ومياه البحر المحلاة. وقد بدأ المجلس العربى فى وضع ملخص عن السياسات التى من شأنها أن تعكس الأبعاد المختلفة لاستخدام المياه غير التقليدية كى توضع تحت تصرف متخذى القرار ومجلس وزراء المياه العرب. وفى سياق دورة الانعقاد الرابعة للجمعية العمومية للمجلس العربى للمياه أيضاً تم تنظيم ورشة عمل موسعة لعرض ومناقشة مسودة الدليل الإرشادى للمياه شبه المالحة Brackish Water واستخداماتها فى الإنتاج الزراعى على المستوى الإقليمى، وهو أحد برامج التعاون بين المجلس ومنظمة الفاو، حيث أوصت الورشة بضرورة وضع الدليل فى صورته النهائية وتحويله الى مجموعة من الأطر الإرشادية التفصيلية مع صياغة أدلة إرشادية بلغة مبسطة تصل الى الجميع خصوصاً المزارعين وذلك لتعظيم الاستفادة منه. ومن الإنجازات المهمة أيضاً أنه تم الإعلان عن استضافة جامعة سيناء لمقر الأكاديمية العربية للمياه وكذلك قيام دولة المغرب الشقيقة بإستضافة مقر مركز الملك محمد السادس الدولى للدراسات والبحوث المائية فى الوطن العربي. ومن أهم ملامح الأنشطة التى تمت فى إطار اليوم العالمى للمياه هو إصدار التقرير الثانى من سلسلة تقارير الوضع المائى فى العالم العربى والذى تم بالتعاون بين المجلس العربى للمياه ومركز البيئة والتنمية للإقليم العربى وأوروبا (سيدارى) لتقييم قطاع المياه من خلال عدة مؤشرات مما يسهم فى إعداد المشاريع الاستثمارية المهمة والسياسات الجديدة اللازمة لتطوير قطاع المياه. وتعد سلسلة تقارير حالة المياه فى المنطقة العربية آداة استراتيجية يمكن لأعضاء مجلس وزراء المياه العرب استخدامها داخل البلدان لطلب الدعم لمواجهة تحديات المياه. فصناع القرار فى حاجة إلى الحقائق العلمية حتى يتمكنوا من إحداث التقدم نحو مجتمع قوى ومثمر، مع تحسين الظروف الاقتصادية والظروف الصحية وتحقيق الاستدامة. وإلى حد كبير، فإن العلاقة بين المياه والقضايا الاستراتيجية المرتبطة بها، مثل وفرة المياه والاستهلاك وسهولة الحصول على المياه والاقتصاد وغيرها، كلها أمور يتم تناولها فى هذا التقرير لدعم المزيد من التطورات فى قطاع المياه. إن المجلس العربى للمياه ليفخر بأنه خلال مسيرته رغم قصرها قد أحرز تقدما كبيرا على هذا الدرب وذلك بفضل جميع الحكومات العربية والمنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال، والشكر واجب للجميع على ما قدموه من دعم وتشجيع وفى المقدمة حكومة جمهورية مصر العربية التى تستضيف مقر المجلس على أرض مصر الكنانة وتقدم له كل العون من خلال وزارة الموارد المائية والرى. وفى النهاية يجب التوجه الى كل فرد من أفراد الأمة العربية بالتهنئة باليوم العربى للمياه وأيضاً اليوم العالمى للمياه والذى يتخذ له هذا العام شعار «الماء وفرص العمل» والذى له مغزى مهم ورسالة واضحة علينا أن نتدبرها ونتبناها ونعمل من أجلها ألا وهى أن المياه الجيدة تسهم فى ايجاد فرص عمل أفضل وبالتالى ترقى الى مجتمعات أفضل تستطيع الصمود أمام التحديات الحالية والمتوقعة. لمزيد من مقالات د. محمود أبو زيد