فيما يشبه الثلاثاء العظيم الذى تُجرى فيه الانتخابات التمهيدية بعدة ولايات أمريكية معاً شهدت ست دول إفريقية انتخابات رئاسية وبرلمانية واستفتاءً على دستور معدَّل فى يوم واحد انتهى بعضها بما يشير إلى أن رُقعة الديمقراطية تتسع فى إفريقيا بينما اتسم بعضها الآخر بإصرار بعض الحكام على تجاهل إرادة شعوبهم وعلى تزوير النتائج بكل وسيلة متاحة للبقاء فى السلطة لأطول فترة ممكنة. قبل استعراض نتائج تلك الانتخابات ومدلولاتها نعرض لظاهرتين حميدتين فى اتجاه انتهاء حكم الفرد والتسليم بمبدأ التداول السلمى للسلطة وتقليص سلطات الحكام لحساب السلطة التشريعية:الأولى فى أنجولا، حيث أعلن الرئيس إدواردو دوسانتوس أنه سيتخلى عن منصبه بانتهاء فترته الحالية عام 2018 بعد 40 عاماً فى الحكم رغم تشكيك البعض مرجحين أن يتراجع بذريعة أن الشعب يريده.والثانية هى تعديل الدستور السنغالى باقتراح من الرئيس ماكى صال لتقليص مدة الرئاسة من سبع إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ومنح زعيم المعارضة وضعاً ومزايا رسمية والسماح للمستقلين بالترشح للرئاسة. والظاهرتان غير معتادتين فى القارة السمراء، حيث يسعى كثير من الحكام لتمديد بقائهم بالسلطة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما فيها إلغاء القيود التى ينص عليها الدستور واستخدام أجهزة الدولة وإمكاناتها لضمان فوزهم ومنع فوز مرشحى المعارضة. من النتائج المشرِّفة فى انتخابات الأحد الكبير إقرار ليونيل زينسو رئيس وزراء بنين،و هى دولة صغيرة فى غرب إفريقيا،بهزيمته أمام رجل الأعمال باتريس تالون فى جولة الإعادة والمبادرة بتهنئته حتى قبل إعلان النتيجة رسمياً دون أن يستخدم إمكانات الدولة أوأجهزتها لضمان فوزه.وفى النيجر اضطر الرئيس محمد إيسوفو أن يدخل جولة الإعادة أمام أبرز مرشحى المعارضة هاما أمادو لأنه حصل على 48% فقط من أصوات الجولة الأولى وكان باستطاعته أن يتلاعب بالنتائج ليرفعها إلى أكثر من 50% ويستريح.لكنه فى الإعادة نال 92٫5% مقابل 7٫5% لأمادو الذى نافسه وهو فى المستشفى بفرنسا وذلك بعد أن دعت المعارضة أنصارها لمقاطعة الانتخابات بدعوى حدوث تزوير فى الجولة الأولى التى حصل أمادو فيها على 17%. وفى جزر الرأس الأخضر فاز حزب الحركة من أجل الديمقراطية المعارض بالأغلبية(53٫7%) هازماً حزب الاستقلال الحاكم الذى لم يحاول تسخير إمكانيات الدولة أو يزوِّر النتائج ليبقى بالسلطة ليعود بذلك الحزب الفائز للحكم بعد 15 سنة من خروجه.ربما لم يشذ عن القاعدة سوى الكونغو برازافيل التى عدَّل رئيسها دنيس ساسو نجيسو الدستور ليرشح نفسه رغم قضائه فى السلطة 32 عاماً حيث ضيَّق الخناق على المعارضة وأجبر شركات الإتصالات على قطع الرسائل النصية والإنترنت والاتصالات الهاتفية لكى لا تُبلغ عن أى تزوير وفاز بنسبة 60% فاحتجت المعارضة واشتبك أنصارها مع الشرطة ووُضعت قوات الجيش فى حالة تأهب خارج العاصمة تحسباً لما سيحدث. وفى زنجبار قاطعت الجبهة المدنية المتحدة المعارضة انتخابات الرئاسة احتجاجاً على إلغاء لجنة الانتخابات نتائج اقتراع أكتوبر الماضى الذى زعمت أن مرشحها كان الفائز فيه فنال الرئيس محمد على 90% من الأصوات. وقبل أسابيع فاز فى جولة الإعادة بإفريقيا الوسطى فوستين تواديرا بنسبة 63% على أنسيت دولوجويلى الذى اعترف بهزيمته وضرب المثل فى احترام إرادة الناخبين والحرص على سلام بلده بقوله: (من أجل السلام والاستقرار أحترم النتائج التى أعلنتها لجنة الانتخابات). وفى ناميبيا سلِّم هيفيكدبونى بوهامبا السلطة فى نهاية مدته الثانية قبل عدة أشهر بعد أن رسَّخ مبدأ الديمقراطية ونهض بمستوى معيشة شعبه وحسَّن مستوى التعليم.وفى نيجيريا فاز محمد بخارى مرشح المعارضة العام الماضى على الرئيس جودلاك جوناثان الذى هنًأه وقال مهدّئاً أنصاره:«طموحات الإنسان لا تستحق إراقة دم نيجيرى واحد».وقبلها فى 2012 اعترف رئيس السنغال عبدالله واد بالهزيمة أمام مرشح المعارضة ماكى صال.كما سمح رئيس زامبيا روبياه باندا بفوز مرشح المعارضة مايكل ساتا عليه عام 2008 وقال مقولته الشهيرة:«لقد قال الشعب كلمته ويتعين أن نُصغى إليها وليس أمامنا سوى التسليم بالهزيمة».وخلال العام نفسه فاز المعارض جون أتا ميلز على مرشح الحكومة فى غانا بفارق ضئيل. ومما دعا للإعجاب أيضاً تنحى يواكيم شيسانو رئيس موزمبيق عن الحكم فى عام 2005 رغم سماح الدستور له بفترة ثالثة وهو فى قمة نجاحه بإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق المصالحة بين فئات الشعب وترسيخ الحكم الديمقراطى وإنعاش الاقتصاد والحد من الفقر. ومثلَه فعل فيستوس موجاى رئيس بتسوانا وبيدرو فيرونا بيريس رئيس جزر الرأس الأخضر،بعد أن حقق الأول الرخاء والاستقرار لشعبه،وقاد الثانى حرب الاستقلال ورفع مستوى المعيشة ودشن نظام التعددية الحزبية.وكان نيلسون مانديلا قد ضرب مثلاً يُحتذى باكتفائه برئاسة جنوب إفريقيا فترة واحدة وترك الحكم طواعيةً عام 1998،وقبله رضى ماثيو كيريكو أبوالديمقراطية فى غرب إفريقيا بأن يخسر انتخابات 1991 أمام منافسه المعارض ثمناً لانتهاجه مبدأ التعددية الحزبية،وفعل مثلَه عبده ضيوف فى السنغال وجاكايا كيكويتى فى تنزانيا.ومع ذلك مازال القادة الكارهون للديمقراطية والمتشبثون بمقاعدهم هم الأغلبية. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى