نمت لكثير من الشعوب الافريقية خلال العشرين سنة الأخيرة أنياب كشرت عنها للمتسلطين من حكامها وأجبرتهم على اجراء اصلاحات ديمقراطية بدرجة أوأخرى منهية حقبة طويلة من الاذعان والصمت على اغتصاب ارادتها بتزوير نتائج الانتخابات أوالاستيلاء على السلطة بالقوة. فليست شعوب مصر ودول الربيع العربى الأخرى هى وحدها التى ثارت على الطغاة واستردت ارادتها المغتصبة باختيار حكامها بحرية وانما سبقتها دول افريقية عديدة فى الأخذ بمبدأ التعددية الحزبية وتداول السلطة فى انتخابات ديمقراطية أوعلى الأقل بالتصدى لمحاولات بعض الحكام توريثها لأبنائهم أوالبقاء فى الحكم مدى الحياة، وارتفع عدد الرؤساء المنتخبين من ثلاثة فقط عام 1973 الى 35 عام 2001.كما أعلنت مؤسسة «مو ابراهيم»صاحبة أكبر جائزة سنوية للحكم الرشيد أن ثلثى دول افريقيا جنوب الصحراء شهدت تحسنا فى الحكم فيما يتعلق بسيادة القانون وحقوق الانسان والأمن حسب احصائيات 2006. أحدث مواجهة شعبية لتصرفات الحكام الأفارقة الخاطئة والكارثية أحيانا حدثت فى ملاوى منذ أيام عندما تصدت المحكمة العليا لقرار الرئيسة جويس باندا بإلغاء نتائج انتخابات الرئاسة بدعوى أن أخطاء فظيعة شابت عملية الاقتراع والفرز بعدما أظهر فرز ثلث الأصوات تقدم منافسها الرئيسى بيتر موثاريكا عليها بشكل ملحوظ، ورغم اعلانها أنها لن ترشح نفسها فى أى انتخابات أخرى فإن المحكمة ألغت قرارها قائلة انه ليس من حقها دستوريا الغاء النتيجة مؤيدة بذلك قرار رئيس اللجنة الانتخابية مواصلة فرز الأصوات يدويا بعد تعطل الفرز الاليكتروني.وفى مارس من العام الماضى صوت الشعب فى زيمبابوى لمشروع دستور جديد يقلص صلاحيات الرئيس ويقيد حكمه بفترتين فقط ويحرمه من حق الاعتراض على قرارات البرلمان ويلغى حصانته بعد خروجه من السلطة رغم أنف الديكتاتور روبرت موجابى الذى حاول أيضا قبل اثنى عشر عاما انتزاع تأييدهم لمشروع دستور يعطيه سلطات مطلقة، وبرأت المحكمة العليا عام 2004 زعيم المعارضة مورجان شفانجراى من تهمة التآمرلاغتياله،وقبلها بعام حكمت بعدم قانونية مصادرته مزارع المواطنين البيض دون تعويض أو نص دستوري. وفى غانا فاز جون مهاما فى انتخابات العام الماضى بصعوبة فى جولة الاعادة بنسبة 50٫7% على القيادى المعارض أكوفو الذى قبل بالهزيمة بروح رياضية بحصوله على 47٫74%.وكان هو نفسه قد نال فى انتخابات 2008 أعلى نسبة أصوات فى الجولة الأولى لكنه خسر فى الاعادة بفارق 1% فقط لمنافسه جون أتا ميلز،أما فى السنغال فقد خرج الرئيس عبدالله واد مهزوما أمام مرشح المعارضة ماكى سال فى جولة الاعادة قبل عامين معترفا بفوز منافسه، وسبق أن تصدت الجماهير لمشروع قانون تقدم به للبرلمان عام 2011 لتعديل الدستور ليفوز من يحصل على 25% فقط من الأصوات بدلا من نسبة أكثر من 50% المتعارف عليها عالميا وأجبروه على سحبه متهمين اياه بمحاولة تمهيد الطريق لابنه لخلافته بعد أن منعوه من تعديل الدستور ليسمح له بالترشح فترة ثالثة. وفى غينيا كوناكرى فاز مرشح المعارضة ألفا كوندى على خصمه رئيس الوزراء السابق سيلو ديالو فى جولة الاعادة قبل ثلاث سنوات بنسبة 52٫52% مقابل 47٫48%، واعترف ديالو بهزيمته رغم أنه كان قد حصل على 43٫69% فى الجولة الأولى مقابل 18٫25% فقط لكوندى وطلب من أنصاره عدم الاحتجاج، أما توجو فقد شهدت فى 2007 مهزلة تصدت لها الجماهير بشجاعة عندما سارع حملة المباخر بتعيين فاورى نجل الديكتاتور المتوفى جناسينجبى أياديما خلفا له وأجبرته بعد أيام على اجراء انتخابات رئاسية، صحيح أنه فاز فيها ب69٫9% وصدقت على النتيجة المحكمة الدستورية الا أن الشعب نجح فى منع توريث الحكم الذى كان قد مهد له والده بتعديل الدستور عام 2002 لخفض سن المرشح للرئاسة الى 35 سنة. وفى موزمبيق ورغم أن الدستور يسمح له بالترشح لفترة ثالثة ترك الرئيس يواكيم شيسانو الحكم بانتهاء مدته عام 2005. وتقديرا لانجازاته خاصة انهاء الحرب الأهلية وترسيخ مبدأ الديمقراطية الحزبية وتحقيق نمو اقتصادى مشهود منحته مؤسسة «مو ابراهيم» جائزة الحكم الرشيد، ومثله فعل فيستوس موجاى رئيس بوتسوانا عام 2008 بتخليه عن الحكم طواعية بعد أن حقق الاستقرار والرخاء لشعبه الخارج من حرب أهلية مدمرة وأنقذه من الهلاك بفيروس الايدز حاشدا أصدقاءه وخصومه فى جبهة واحدة فاستحق أيضا الجائزة نفسها. وفى 2006 أبهرنا العقيد على ولد فال قائد الحرس الجمهورى فى موريتانيا بعد أن أسقط نظام حكم الديكتاتور معاويه ولد الطايع بالاتفاق مع أعضاء مجلسه العسكرى والحكومة الانتقالية على ألا يترشح أى منهم فى أول انتخابات رئاسية أوبرلمانية أوبلدية حتى لا يتهمهم أحد بتزويرالنتائج لمصلحتهم وسلم السلطة للرئيس المنتخب فى موعدها المحدد، ولما لم يفز فى الانتخابات التى تلتها انسحب من الحياة السياسية وذهب الى الريف ليرعى ابله ويواصل قراءة كتب التاريخ، وقبله بعشرين عاما فعلها الفريق عبدالرحمن سوار الذهب عندما رفض توسلات الأحزاب للبقاء فى الحكم عاما ثانيا حتى تستعد للانتخابات وأصرعلى تسليم السلطة لحكومة منتخبة فى الموعد المحدد منذ سقوط جعفر نميرى فى انتفاضة 1986. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى