في لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي مع مجموعة من المثقفين الاثنين الماضي، تجدد إيماني باهتمامه العميق أن يستمع ويلتقي كل فكر ورؤية ومقترحات وحلول تشارك في مواجهة التحديات والمشكلات والمخاطر التي تتهدد هذا الوطن داخليا وخارجيا، وتخفف عن ملايين المصريين الميراث الكارثي لعشرات السنوات الماضية والتي لم تترك مؤسسة واحدة في الدولة بلا تجريف وتخريب.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وانسانيا. حمل لقاء الرئيس هدفا جامعا للحوار وهو دعوة إلي مشاركة جميع القوي الفاعلة والمؤثرة التي تمتليء بها مصر في ألا تلحق بالانهيارات التي سقط فيها للأسف كثير من دول الأمة، كيف تبقي الدولة المصرية صلبة وقوية ومستعصية علي مخططات الشرق الأوسط والاستعمار الجديد والتآمر والغدر والاتجار بالدم والإرهاب، والعمل بالوكالة لهذه المخططات، وتثبيت وقوة الدولة المصرية بدعم خطط التنمية والنمو والبناء ابتداء بالإنسان وعمرانه الثقافي والحضاري والاجتماعي والاقتصادي، وعلاج التدمير الذي تعرضت له حياته وجميع مؤسساته، لذلك كانت الحلول المقترحة وآليات المشاركة والتنفيذ علي أرض الواقع في مقدمة المهمات التي طالب الرئيس المجتمعين وسائر قوي المجتمع بالمشاركة فيها، والتي بدأ المجتمعون أول لقاء من أجل رسم خريطة طريق لتحقيقها بالأمس السبت. هذه الخريطة لدعم وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية سأضع عليها أولويات لم يتح لي تقديمها لاستفاضة بعض الحضور في الحديث مما لم يتح أمام الجميع الادلاء بما لديهم أثناء اللقاء بالرئيس.. وعلي رأس الأولويات ما شغلني دائما من الوسائل والإجراءات العملية والفعلية لمد الجسور بين تطلعات وطموحات بالغة الأهمية لدولة 30/6، وبين تحويلها الي وقائع حياة يحسها ويعيشها المصريون ويبدأون بها خطوات فعلية لجني ثمار ما خرجوا من أجله في 25 يناير 2011، ثم في 30/6/2013. وفي مقدمتها ما يتكرر تأكيده من تخفيف لأعباء الحياة. وآثار التدمير والتجريف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والإنساني علي الجموع الأكثر ألما وإفقارا وحرمانا وجعل أولويات العدالة الاجتماعية وقائع حياة، والإجراءات التي يجب أن تتخذها الدولة لحماية هذه الملايين من معاناة آثار الحصار والضربات الاقتصادية وفوضي الأسواق وارتفاع الأسعار، وألا نظل وسط هذه التحديات والأخطار السياسية والاقتصادية والاستعمارية نستورد نحو 70% من غذائنا بكل ما يحمله الاعتماد علي الاستيراد من مهددات وإهانة لكرامة شعب لديه أهم المقومات الطبيعية والبشرية والعلمية للاقتراب من حدود الاعتماد علي الذات، كما كتبت وأثبت ووثقت في حملات صحفية بالمصادفة وبين اوراق كثيرة وفي مقال بعنوان المصريون بين العبقرية والخبرة عبقرية ما يملكون وجنون ما تتعرض له هذه الثروات والإمكانات من تبديد وتدمير نشر المقال 14/6/2001. وتضمن المقال تحذيرا للعالم د. فاروق الباز عن الأهمية العظمي للغذاء في المستقبل والتي يراها ستفوق أهمية البترول والمعادن المختلفة، لأن تعداد السكان في العالم في زيادة رهيبة ومستمرة والغذاء سوف يؤثر في استراتيجيات الدول في المستقبل والدول العظمي تطور الآن زراعتها لأنها تدرك تماما أن المعونة الغذائية للدول الأخري والعجز الغذائي والاحتياج للاستيراد سوف يكون لها المقام الأول في التحكم في هذه الدول سياسيا فالدول العظمي سوف تتحكم في المستقبل في الدول العاجزة غذائيا من خلال كمية الغذاء التي تحتاج اليها ويجب أن نحمي بلدنا من سيطرة أي دول أخري بأن نكتفي غذائيا ونؤمن المستقبل لأن هذا سيكون له دور عظيم جدا في وضع مصر سياسيا في العالم. وليس محال الاستفاضة عما تفعله الولاياتالمتحدةالامريكية من اهتمام بمساحات الأراضي المزروعة قمحا والأبحاث المستفيضة لزيادة هذا الإنتاج سنويا ولايتوقف هذا العار القومي عار استيراد 70% من غذائنا علي القمح بل يمتد إلي جميع محاصيلنا الاستراتيجية! كيف نستطيع إسقاط هذا العار القومي ولا نفعل.. ومالم يكن مسموحا به قبل ثورة المصريين خضوعا للهيمنة الأمريكية أثق أنه لن يكون مقبولا في دولة 30/6 ماهو الهدف الاستراتيجي لوزارة الزراعة إن لم يكن هذا الهدف الذي يجب أن يتحول الي هدف قومي للمجتمع كله. في نفس الإطار. لابد من إجراءات عاجلة لاستثمار ما لدينا من بحوث علمية، ودراسات يمتلئ بها مركز البحوث الزراعية، وجامعاتنا، ومراكز أبحاثنا وما تعرضت له من إهمال مع سبق الإصرار علي حرمان مصر من ثمار عقول أنبغ أبنائها في جميع مجالات الحياة، برغم ما تفيض به الدراسات والأبحاث من مقومات وعناصر لقوة الدولة، وأطواق نجاة مؤكدة من أخطر المشكلات التي يعانيها المصريون واقتصادهم وصحتهم، وإنهاء أزمات بطالة أبنائهم، بالإضافة إلي القوانين التي يجب أن يصدرها مجلس النواب للتصدي للفساد والفسدة، وإيقاف مهازل وكوارث انتشاره وتهديده للأمن القومي والحيوي والصحي المصري، ونموذج واحد ما نشر حول محاولات التحايل وتمرير صفقات قمح مصابة بأمراض مسببة للسرطان والإجهاض، والضغوط التي يمارسها القطاع الخاص المستورد، وقد نشر «الأهرام» الزراعي حول واحدة منها في 22 و23 و24 مارس معلومات بالغة الخطورة!! هناك أيضا المقترحات والإجراءات التي يجب أن تكون من الأولويات في الاهتمام في ألا تكون مكافحة الإرهاب علي حساب حقوق الإنسان، واحترام الحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير، والإجراءات العملية التي تؤكد أنها من الثمار التي لا تمس لثورة 25 يناير، والمراجعات الضرورية مع المؤسسات القانونية والأمنية للممارسات التي تناقض أهداف ثورة 25 يناير، وبالطبع أخذ الشباب مساحة واسعة من اللقاء، والإفراج عن الطالب محمود محمد معروف في القضية 715 لسنة 2014 والمحبوس احتياطيا مع زميل له منذ عامين، كان ثمرة لما عرضه الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد من وقائع مؤسفة لطالب رفع شعار «وطن بلا تعذيب»، وامتد التناول لجموع الشباب والمعالجات القانونية التي تؤمنهم ممارسات تعسفية ضد حقوق أصيلة لهم في بلدهم خلافا واتفاقا في إطار القانون. حرص الرئيس علي أن يستمع أكثر مما تكلم، وأن يؤكد الدعوة لتكون الآمال والطموحات لأطياف مصر المختلفة من المثقفين والسياسيين والعلماء والخبراء والمبدعين وسائر ما تضمه مصر من قوي فاعلة ومؤثرة، وكل ما لديهم لبلدهم ويحلمون به لها، أن تتحول إلي مشروعات وإجراءات عملية علي الأرض يعيشها الناس، ويجنون ثمارها، ويخففون بها أوجاع واقعهم بموروثات أمراضه وآلامه، والجديد في عناصر الخطر المحيطة والمتربصة بالأمة كلها، وتواصل هدمها، وتمزيق أوصالها، وتدمير شعوبها، لذلك يجب أن يظل الهدف الأكبر الذي يجتمع عليه المصريون هو قوة بلدهم، وتثبيت أركان دولتهم، مع تأكيد مصادر القوة والقدرة المصرية. وفي رد علي إشارات لتجاوزات وفوضي الإعلام أكد الرئيس أنه تطلع دائما لأن تقوم مؤسسات الدولة بإصلاح ذاتي من الداخل، وبأيدي وفكر أبنائها، وحتي لا تدفع محاولات الإصلاح من الخارج لمحاولة أبناء كل مؤسسة للتخندق حول أنفسهم، وضرورة الاحتكام إلي القوانين التي تترجم إليها مواد الدستور، الذي يظل الحديث عن تعديله نوعا من العبث، وحاجة مصر إلي إعلام بناء يستدعي الطاقات الإيجابية، ويصحح بموضوعية، ويتفق ويختلف، ويجمع ولا يشتت ولا يستقطب ولا يفجر صراعات لم تعد مصر تحتمل المزيد منها، علي أن يكون هناك إدراك أن حصاد الماضي لا يستطيع أن يتغير في هذا المدي الزمني المحدود، ووسط الظروف التي تعرض لها المصريون منذ قاموا بثورتهم في 25 يناير، ونادوا علي الحرية والعدالة الاجتماعية، والعيش والكرامة الإنسانية، ثم اختطاف جماعة الإخوان لها، واضطرار المصريين للخروج مرة ثانية لاستردادها، وما أصاب النسيج المصري، والقيم المصرية الأصيلة من تراجع وانهيارات في جميع حقوقهم، والعودة دائما في جميع محاور اللقاء إلي أهمية وضرورة استدعاء واستنهاض قوي وقوة جميع أطياف المجتمع لتتكاتف وتتشارك وراء حلول واقعية وعملية علي الأرض عاجلة وآجلة. الألم علي الوطن يستدعي المزيد منه ما شاهده من تجارب ناجحة للدول والشعوب التي قام بزياتها يحاول نقل الممكن منها إلي بلاده، وتوفير وسائل ومقومات رد حقوق طال افتقاد الملايين لها، وفي مقدمتها حقوق الأمان والاطمئنان، خاصة أن مؤسسات الدولة طالها ما طال النسيج المصري من تراجعات وانهيارات، بل واختراقات لكثير منها، وعدم السماح لمن أسقطتهم الثورة من قوي الماضي بالعودة لتدمير الحاضر والمستقبل. القراءة العميقة والتعلم علي مجمل التجارب التي مرت بمصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا واجتماعيا تبدو ملمحا أساسيا في حديث الرئيس، وأن تتوجه بوصلة العمل في جميع مجالاته واتجاهاته نحو هدف مبدئي وجوهري أن تستقوي مصر بإرادة وصلابة ومشاركة مكونات وأطياف الكتلة المصرية، والسعي المتواصل لرد حقوقها، وتحقيق آمالها وطموحاتها، وتخفيف آلامها، وأن تنجو من الانهيارات التي تجتاح الأمة العربية والمنطقة كلها. لم تكن دعوة الرئيس لمجموعة من المثقفين وحدها، ولكن لقوي مجتمع بأكمله ولرسم خريطة عمل لمشاركة مجتمعية تحدد خطوات وإجراءات المواجهة لأهم وأخطر المشكلات التي يعانيها المواطن.. وما يجعلها تختلف عن تاريخ حوارات لم تثمر أو تغني، وهو ما لا يمكن أن تحتمله اللحظات المصرية، ومعارك الوجود التي نواجهها، وهو أيضا ما يناقض كل ما عرف عن الرئيس من جدية والتزام وإصرار علي ما يسعي ويتطلع إلي تحقيقه لبلاده، مستعينا بالقدرات والطاقات الإيجابية لشعبها إذاتوافرت له مقومات الحياة الكريمة، والحقوق الأصيلة، والوعي، والاحترام. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد