لم أصدق عينى وأنا أقرأ ما نشر عن اقتراح معروض على مجلس النواب لدراسته، وهو إلغاء مادة الدين فى المدارس، وإحلال مادة الأخلاق والقيم محلها.. وهو أمر يثير الدهشة والحيرة أكثر مما يثير الغضب لعدة أسباب موضوعية: أولها أن المصدر الرئيسى للأخلاق الفاضلة عبر التاريخ فى معظم دول العالم هو الدين سواء كان دينا سماويا أو دينا أرضيا، فكيف نلغى المصدر والمنبع، ونأتى بأحد روافده بديلا عنه؟، والأمر الثانى أن بعض الأخلاقيات التى شاعت بين كثير من شعوب العالم هى فى حقيقتها أقرب للأعراف المستمدة من عادات وتقاليد الشعوب مما يجعل تقييمها تقييما نسبيا يخضع لثقافات تلك الشعوب خاصة فى الدول العلمانية التى تؤمن بفصل الدين عن الحياة، بما يجعل هذه الأخلاقيات أو العادات والسلوكيات متعارضة مع القيم الأخلاقية الفاضلة التى ترتقى بالإنسان، والتى حضت عليها الأديان خاصة السماوية منها.. فالدين مادة ضرورية فى تكوين الطالب وعلاقته بعقيدته، أما الأخلاق فهى مادة عامة لا تخضع لثوابت العقيدة، ولكنها اجتهادات بشرية أقرب للنظريات الفلسفية منها للعقيدة الدينية. ولنا فى بعض أخلاقيات الغرب المنحرفة عن الفطرة السوية مثال حى على هذه الحقيقة.. تلك الأخلاقيات التى ترسخت فى وجدان شعوبه على أنها خلق وسلوك إنسانى سوى لا تثريب عليه انطلاقا من مبدأ الحرية الشخصية المطلقة مثل الزنا الذى فقدت تلك الشعوب الإدراك والشعور بمدى جرمه وإثمه. والمدهش أنه فى الوقت الذى ينتشر فيه الإرهاب والتطرف الدينى فى عالمنا العربى ومصر نتيجة الفكر المغلوط والجهل بجوهر الدين وقيمه الإنسانية القائمة على الرحمة والتسامح مما يتطلب مزيدا من الجرعة الدينية الصحيحة والنقية والرشيدة لأبنائنا فى المدارس حتى لا يقعوا فى براثن الأفكار الدينية المتشددة والمتعصبة خارج المدرسة، إذا بالبعض يدعو فى تجاهل مدهش ومريب لهذه الحقيقة إلى إلغاء النبع الدينى الصافى الذى ينبغى أن ينهل منه تلاميذنا فى المؤسسة الرسمية (المدرسة) لبناء العقل وتهذيب الوجدان. إن الأخلاق لا تبنى فى أمة بمجرد الحديث عنها فى كتاب يدرس، ولكنها تنمو بشكل مطرد وبناء فى ظل مناخ أخلاقى سوى يعم المجتمع، وتشيد وترتقى تبعا للسلوكيات الحسنة والفاضلة للمعلمين والأساتذة فى المدارس والجامعات، ومتأثرة باراء النخبة المثقفة عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمسئولين فى الدولة من خلال آرائهم وتصرفاتهم، والفنون الراقية الهادفة من سينما ومسرح ودراما. والمدهش أيضا فى هذا الاقتراح، هو تجاهل حقيقة فى غاية الأهمية، وهى أهمية تصحيح القرآن الكريم بمفرداته الأدبية البليغة للسان المصرى فى نطقه للغة العربية، وحسن الإلمام بقواعد النحو والصرف، فاللغة فى أى مجتمع هى وعاء ثقافته، وشعب لا يتقن لغته بل ويشعر بالدونية تجاهها هو شعب لا يحترم ثقافته وتراثه الحضارى بما يهدده بالخروج من منظومة الحضارة الإنسانية. إنها دعوة شاذة ترفضها الأغلبية الساحقة من المصريين مسلمين ومسيحيين.. ومن حقنا نحن المصريين بعد ثورتين أن تكون الكلمة الأخيرة والفاصلة فى قضايانا المصيرية لنا نحن، وليس لأقلية أو بضعة أفراد منفصلين عن واقعنا الثقافى والدينى والاجتماعي. محمد سعيد عز