السؤال الدائر الآن فى العديد من الأوساط الفكرية والثقافية، ويرتبط بما بدا أنه يطفو على سطح الأحداث منذ فبراير الماضى. ماذا يحدث فى المبنى رقم 11 بشارع حسن صبرى بضاحية الزمالك الهادئة نوعا ما؟! لا أحد يستطيع أن يوقف العجلة المتسارعة من تداعى الكيان، مشاحنات.. انقسامات.. بيانات. ثلاث جبهات إن لم يكن أكثر، ترى كل واحدة فيهما أنها تملك الحجة ولديها الحق فى توجهاتها، ليس هذا فحسب, بل بدأت كل جبهة تتخذ الإجراءات التى تراها مناسبة لإدارتها للموقف كما تري, حتى وصلت الأمور إلى طريق مسدود داخل مجلس الإدارة، نجم عنه توالى استقالات عدد ليس بالقليل وصل فى تقديرات إلى 20 استقالة من بينها استقالة نائب رئيس الاتحاد الدكتور جمال التلاوى وأمين الصندوق الكاتب الأمير أباظة. على الجانب الآخر مضى الشاعر الدكتور علاء عبدالهادى فى طريقه، موضحاً فى بيانه أنه سيتم تصعيد آخرين وفق ما تنص عليه اللائحة من حق رئيس مجلس إدارة الاتحاد, فى حالة استقالة الأعضاء غير المسببة, أن يولى من الأعضاء الحاصلين على ثانى أعلى نسبة تصويت فى انتخابات المجلس ليحلوا مكان المستقيلين، وأن تلك الاستقالات لن توقف رؤيته ومن معه والتقدم وفق رؤيتهم وخطتهم من أجل مستقبل جديد يأمله لاتحاد كتاب مصر. جبهة عبدالهادى ومن معه ترى أن الجبهات الأخرى تسعى إلى جر الاتحاد إلى صراعات جانبية، وتذكى الانقسام والعصبيات الإقليمية, وأنها تمثل تياراً سياسيا ينتمى لفصائل الإسلام السياسي، وتزيد عليه بوصف ما يحدث بأنه محاولة لأخونة الاتحاد، من جانبهم يقول المستقيلون ومن يناصرهم أن فشلاً كبيرا ينتاب طريقة إدارة علاء عبدالهادى للاتحاد، بل يقومون بالدعوة لسحب الثقة منه لتحرير الاتحاد من سطوته واستئثاره باتخاذ القرارات. كما ترى الجبهة الثالثة التى يمثلها عدد من الكتاب على رأسهم الكاتب محمد السيد عيد أن هناك خللا كبيرا فى إدارة الأزمة وأن العدد الأكبر من أعضاء مجلس الإدارة محسوبين على جماعة الإخوان وأن رئيس الإتحاد لايتخذ مواقفا حاسمة للتخلص من تيار الاسلام السياسى داخل مجلس الإدارة، وأن ذلك سيؤدى إلى كوارث قادمة ستحل بطريقة العمل فى اتحاد الكتاب. لكن هل حقا هذه الملابسات هى الصورة الكاملة لما يجرى من وقائع وأحداث ساخنة و طافحة على السطح داخل أروقة الاتحاد ؟! أم هناك فى الواقع خلفيات تحيط باتجاهات كل جبهة على حدة، وتراكمات من الملفات و القضايا حدثت خلال سنوات, منذ قرار إنشاء الاتحاد برعاية الكاتب يوسف السباعى فى عام 1975، أوصلت المشهد إلى حالته تلك؟ الخفى يقول الكاتب والأديب إبراهيم عبدالمجيد وهو أحد أقدم الأعضاء فى الاتحاد منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى وقد تولى عضوية مجلس الإدارة فى إحدى الدورات منذ سنوات : قلت مراراً أن الوضع فى الاتحاد سيظل دائراً فى فلك تصاعد المشكلات وتطور الصراعات، ليس بسبب الأشخاص أو تباين المواقف، أو طريقة الإدارة، فالمشكلة الرئيسية هى فى المبادئ الحاكمة لعمل الاتحاد ولائحته المنظمة لإدارته، وهذا العيب الخطير يعود منذ تم عمل اتحاد كتاب مصر كنقابة عمالية وليس كنقابة مهنية، وهنا كانت القضية وستظل، فرئيس الاتحاد وقتها أراد قانونا يسمح له بالانفراد فى إدارة المجلس والاتحاد دون مراجعة ودون محدد زمني، وهو ما تسمح به مظلة النقابات العمالية، وظل هذا الخلل ثغرة تعيق التطوير، وتجمد النمو، حتى وصلنا إلى المشهد الحالى المتأزم، وهو ما جعلنى منذ وقت طويل أبتعد عن الالتحام القريب مع الاتحاد وقضاياه لشعورى بأنه «مافيش فايدة» يتفق مع إبراهيم عبدالمجيد كذلك الدكتور صلاح السروى الناقد والكاتب وعضو الاتحاد وهو أيضا تحمل عضوية مجلس الإدارة سابقاً، مضيفاً انحيازه لتوجهات الدكتور علاء عبدالهادى : «اتجاه عبد الهادى ينخرط فى الدفاع عن حقوق الكتاب، محاولا إصلاح بنية الكيان وتطوير اللائحة، بينما يمثل الاتجاه المعارض له اتجاها محافظا، وعلى حد قوله «جهوى» يعتمد على عصبيات الأقاليم فى الصعيد والإسكندرية وغيرهما، وهو اصطفاف يجر الاتحاد لمنطقة رجعية ليس لها أساس موضوعى». يمثل عبدالمجيد والسروى كذلك اتجاها آخر يرى أن إدارة الاتحاد تتجاوز فكرة العمل على رعاية حقوق الكتاب المادية فى اكتساب مزايا المعاشات والبدلات والسلع والخدمات لتحوله لكيان أشبه بجمعية تعاونية، وأن دوره الحقيقى الفاعل كقامة فكرية وتنويرية، أصابها العطب عبر سنوات، فباتت قائمة العضوية تضم أسماء لا علاقة لها بالكتابة الحقيقية، ولايعرف عنها أحد شيئا، ولا كيف تمت عملية قبولهم وماهى المعايير التى سمحت بانضمامهم، بل ومن المسئول عن ضم أسماء لاعلاقة لها بالكتاب واتحادهم، وأنه آن الأوان للدخول إلى عش الدبابير هذا وتنقية قوائم العضوية نفسها، وتغيير اللائحة برمتها، ومن غير ذلك ستظل الثغرات موجودة، وسيبقى المتطفلون والمستفيدون فى المشهد. بيان وبيان البركان يغلى منذ شهور، لكنه كان يجب أن ينفس عن غضبه، فكانت البيانات الصادرة عن كلتى الجبهتين، بيان من مجموعة المستقيلين، وقع عليه 10 أعضاء منهم الدكتور حامد أبو أحمد، وأحمد عنتر مصطفي، وجمال أحمد عبدالحليم، ومحمد يس الفيل و عزة رشاد والأمير أباظة وأسامة أبوطالب وحسين القباحي، يشير فى مقدمته إلى تعنت رئيس الاتحاد قائلين : « ونحن الموقعين على هذا البيان نعلن أننا بعيدون كل البعد عما يشاع عن مجلس الإدارة، وأننا حاولنا بجهد مخلص تصحيح المسار على مدى الشهور الماضية دون أدنى استجابة من رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، وحرصا منا على ألا يتعرض هذا الكيان لما تعرضت له كيانات نقابية أخري، واجهنا عددا من المشكلات حاولنا حلها مع السيد رئيس الاتحاد بكل الطرق والوسائل، ولم نر منه إلا العناد والمكابرة، والاستئثار بالرأي، وفشلا فى الإدارة وتخبطا فى القرارات وممارسات لا تعبر إلا عن نحو غريب من الشخصانية والهوى، وقد حاولنا مراراً العبور بالاتحاد إلى المكانة التى تليق به، ولما انتهت بنا السبل إلى أفق مسدود، وخرجت الأمور عن نطاق لانحب أن نتورط فيه أكثر من هذا، وبعيدا عن أى مصالح شخصية اجتمع رأينا على مصارحة الجمعية العمومية بهذا البيان بوصفها السلطة الأولى فى هذا الاتحاد». وعدد الموقعين على البيان فى 4 نقاط بتفاصيلها، أسباب معارضتهم لرئيس الاتحاد: بث بذور الفرقة بين الأعضاء، وإهانته لمنصب رئيس الاتحاد، وضعه اتحاد كتاب مصر فى موضع لا يليق به خلال انعقاد المؤتمر العام الأخير فى الإمارات، تجاوزه للقانون واللوائح- مشيرين إلى تعديل وتغيير فى محاضر مجلس الإدارة- وتجاهله الدائم لطلب الأعضاء بموافاة المجلس بمحاضر معتمدة شهريا، وتجاهله الدائم كذلك لكل مايقدم من مذكرات وطلبات تفسير وإحاطة فى كل ما ينسب إليه بعدما اختلف أكثر من مرة مع عدد من أعضاء المجلس حول بعض التصرفات والقرارات، ثم تعطيله إجراء انتخابات الفروع على مدى ما يقارب السنة، ومحاولاته الدائمة لجر الاتحاد لدوائر سياسية قد تؤثر على دور الاتحاد بوصفه مظلة نقابية وثقافية. وطالبوا فى بيانهم بسحب الثقة من رئيس الاتحاد، واتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد الجمعية طبقاً للقانون فى مارس القادم. وفى مقابل هذا البيان جاء بيان رئيس الاتحاد الدكتور علاء عبد الهادى - موجها إياه للجمعية العمومية - قائلا فيه : فضلنا فى خلال الفترة السابقة الامتناع عن أن نخوض فى أى صراعات(...) من أجل هذا تفهمنا أسباب الاستقالة الجماعية التى تقدم بها سبعة من أعضاء مجلس الإدارة خشوا على الاتحاد من «أخونته»، وكنا نأمل أن يضعوا أيديهم معنا ومع من يقاومون أى محاولة لاستيلاء فصيل عقائدى، أو أيديولوجى على هذا المكان. وعلق على الصراع الحالى بقوله: هذا ما يحدث دائما حين تشهد نقابة ما مخاضًا جديدًا كان من تجلياته القيام بإصلاح لائحى وتشريعى على نحو جذرى يحفظ حقوق أعضائه، فضلاً عن البدء بتنظيم بنية الاتحاد، ومحاربة فساد الجهاز الإدارى والوظيفى فيه، والتأمين على مقاره، وحماية مقدراته ومقتنياته،وتقديم ثلاثة مشاريع صحية جديدة, واستدعاء خبير اكتوارى يجرى الاتفاق معه الآن لدراسة زيادة معاشات الأعضاء.. إلى غير ذلك، بل إن الحراك الأخير قد ساعد على نشر ثقافة قانونية ولائحية جديدة وغير مسبوقة بين أعضائه حول حقوق عضو الاتحاد وواجباته. مختتما بيانه بالقول : وسنظل محافظين على حقوق الأعضاء النقابية والثقافية، ومستحقاتهم فى العلاج والرعاية الطبية والاجتماعية، محاولين الوصول بالاتحاد إلى مكانٍ يليق به، ومكانةٍ يستحقها نصبو إليها جميعًا، وإلى لقاء قريب فى جمعية عمومية نعقدها بعد استكمال النصاب القانونى للمجلس، واستيفاء المتطلبات القانونية لانعقادها. والله ولى التوفيق.. والغريب أن البيانين كلاهما يبدو جميلا ألفاظه واضحة ورؤاه قد تبدو لكل جانب مقنعة، لكن الحقيقة فعلا غير ذلك، فهما لم يصرحان بالوقائع الحقيقية التى أدت إلى ذلك المصير، ولم يمنعا استمرار المعارك القائمة الأن! بداية فتح الجرح تريد الأهرام من فتح هذا الملف المشتعل الآن فى اتحاد كتاب مصر، استجلاء الحقيقة خاصة حين تتعلق بكيان له مكانة فكرية وتنويرية كاتحاد كتاب مصر، لذلك نحن نعرض وجهات نظر ورؤى جبهات الصراع الدائر الآن فى أروقة الاتحاد، لعلها تكون بداية فتح الجرح وتطهيره تماما بتوضيح الحقيقة كاملة دون نقصان، وكيف يمكن علاج هذا الجرح، ورأب الصدع، فالأشخاص زائلون والاتحاد باق، لذلك سنستمر فى فتح ملف اتحاد الكتاب، والجميع مدعو للمشاركة معنا فى إجلاء الحقائق من أجل المعنى لا صراعات رجال المبنى !