من حق كل رافضى الإخوان أن يطمئنوا إلى أن الإخوان بأنفسهم، وبإصرار نادر، يعملون بكل طاقتهم على أن يظلوا خارج الزمان والمكان، وعلى أن يُبدِّدوا أى إمكانية تعيدهم إلى الحياة السياسية الرسمية، إلى حدّ أن بعض أفعالهم الاختيارية وبعض ردود أفعالهم الضرورية صارت مدعاة للسخرية! مثلاً، هم عاجزون حتى الآن عن إدراك حقيقة يُقرّها كل العقلاء، وهى أنهم فى أزمة، وأنها أزمة عميقة، وأنها غير مسبوقة فى تاريخهم، وأن قياداتهم متهمون اتهامات جادة أمام القضاء بوقائع مثبتة تتجاوز كونها مما يقع تحت طائلة القانون إلى أنها، أيضاً، تنال من أهم ما يجب أن يتحلّى به من يعمل فى العمل العام ومن يسعى إلى كسب ثقة الجماهير، وأن العقوبات التى صدرت ضدهم، والأخرى المتوقعة، وصلت إلى حد الإعدام، وأنه ليس لديهم إمكانية أن يكون لهم كيان مقبول شعبياً أو رسمياً داخل البلاد، وأن الرفض لهم شعبى هذه المرة، بل إن الجماهير هى التى ضغطت على أجهزة الدولة للإطاحة بحكمهم، وأنهم لم يتمكنوا أن يوجدوا منذ الإطاحة بحكمهم إلا فى الخارج، وأن حاضنتهم هى نظم تعادى الاختيار الشعبى بشكل علنى، كما أن سياستهم أدّت إلى انفضاض حلفاء مهمين كانوا عوناً لهم فيما مضى. يكفى الإشارة إلى تصريحات أحد قيادات الجماعة الإسلامية، منذ أيام قليلة، والتى شنّ فيها هجوماً حاداً على الإخوان اتهمهم فيه بأن سياستهم منذ تولى مرسى هى التى أوصلت الأمور إلى ما صاروا فيه، وقال إن مصلحة الإخوان الموهومة هى التى تهمهم عبر تاريخهم، وإنهم تعاملوا مع مبارك وأيدوه واتهموا حلفاءهم آنذاك بأنهم إرهابيون..إلخ كل هذا هو مجرد جانب من وضع الإخوان الحالى شديد السوء. ثم، كان غريباً منهم أن يترتب على كل هذا، أنهم، وبدلاً من أن يتلقفوا طوق النجاة الذى يُلقَى لهم فى شكل مبادرات بالمصالحة، إذا بهم يتوهمون أنهم فى وضع يسمح لهم بفرض شروطهم، ثم إذا بشروطهم، على لسان المتحدث الرسمى باسمهم، تشطح إلى حدّ المطالَبة بإلغاء كل ما تأسس على الإطاحة بهم، والإصرار على العودة إلى ما كانوا عليه وكأن شيئاً لم يحدث، بأن يعود رئيسُهم إلى القصر الجمهورى بعد أن هتف الشعب بإسقاطه ونجح فى إسقاطه، وأن يعود برلمانُهم المقضى ببطلانه من أعلى محكمة، وأن يعود دستورُهم الذى رفضه الشعب ووافق على دستور جديد. هل هناك غيبوبة أعمق من هذا؟ وهل هنالك دليل أفحم على انعدام الكفاءة السياسية التى يجب أن تتقن فنون التعامل مع الواقع وممكناته؟ وهل هنالك تفسير أوضح لفشلهم الفاضح فى حكم البلاد؟ وهل هناك حجة أقوى على عدم الثقة فى قدرتهم على تولى مسئوليات الحكم من الأساس، خاصة فى ظروف توجب توافر المهارات الفائقة فى التعامل مع ملابسات معقدة، دائبة التغير السريع، محلياً وإقليمياً ودولياً؟ وأما ما لا يقلّ غرابة عن غيبوبة الإخوان، فهو أن هناك من يحرصون على أن يطلّوا كل عدة أشهر بما يقولون إنه مساعٍ للمصالحة، مع إعلانهم عن استقلالهم عن كل الأطراف، وعن عدم استطلاعهم لأحد قبل إعلان أفكارهم! مع إغفال أهم المسائل التى يجب أن توضع بشدة فى الحسبان، وهى أن يحددوا بوضوح أطراف المصالحة التى يزعمون أنهم يستهدفونها، ومن يُمثِّل كل طرف، وأن يطرحوا البنود التى تجرى المصالحة حولها، وعن حدود التراضى المتاح أو المأمول تحقيقه..إلخ وهناك خلط، يبدو أنه متعمد، أن يبقى هذه التماهى السائد بين تنظيم جماعة الإخوان الذى أدين بالإرهاب، وبين بعض أعضاء التنظيم الذين لم يتورطوا فى جرائم العنف، ومن الممكن أن يعودوا إلى العمل العام، شريطة انفصالهم التام عن هذا التنظيم الإرهابى. وقد يكون من المُستَحسَن أن يتقدموا باعتذار للشعب وبنقد ذاتى عن تورطهم مع الإخوان. وأما أن يجرى تجاهل كل هذا ويكتفى دعاة المصالحة بالشعار فقط، فهذا يعزِّز التهم الرائجة ضدهم والتى تتراوح بين عدم كفاءتهم فى القيام بالمسئولية التى يتطوعون لها، أو عن أنهم فى مهام غريبة مدفوعة الأجر بسخاء، وأنهم يعلمون أنه لا يمكن تحقيق أى مصالحة، وإنما يكفيهم مجرد الطرح الدورى للمسألة وفق مستهدفات الممولين غير المعلَن عنها. أما الطُّعم الذى يلقيه وسطاء المصالحة، والذى يبدو أنهم مقتنعون بأن الشعب والنخب السياسية سوف تبتلعه، فهو أنهم سوف يعملون على أن يتعهد الإخوان بوقف العنف. وبغض النظر عن أنه ليس هناك أى ضمانة بأن يلتزم الإخوان بما قد يتعهدون به، فإن موقف الإخوان المعلن فى هذه النقطة بالذات يقع بين حدّين هما أبعد ما يكونان عن بعضهما البعض: يردد بعضهم مرة بعد مرة أنهم أبرياء من أى ممارسة للعنف، ويُكذِّبون أنهم مارسوا العنف طوال تاريخهم. وعلى الناحية الأخرى، هناك آخرون يُقرّون بالعنف ويقولون إن ما يقومون به هو مقاومة للانقلاب وعقاب للشعب الذى أيد الانقلاب، وإنهم يقاومون بذلك جيش الردة..إلخ كما أن الوسطاء لا يحلّون معضلة مهمة وهى كيف سيُقنعون الشعب بالمصالحة فى الوقت الذى تعلو الهتافات الجماهيرية بعد كل عملية إرهابية تطالب بإعدام الإخوان! كما أن المستقر الآن فى الوعى الجمعى أن الإخوان هم الذين يقتلون عموم المواطنين فى الطريق العام، وأنهم يخرِّبون المرافق المملوكة للشعب، وأنهم يعتمدون خطاب الكراهية الذى يضرب الوحدة الوطنية فى الصميم. هذه النقطة بالذات تتجاهل حقيقة ما كان ينبغى القفز فوقها، وهى أن الشعب هو الذى بادر برفض الإخوان، مهما قيل عن مساعدة أجهزة الدولة للموقف الرافض، وهو ما يعنى أن الرئيس السيسى والسلطة التنفيذية، هم جميعاً ملزمون بالموقف الشعبى. كما يتجاهلون أيضاً أنه صار هنالك برلمان، ونواب منتخبون، وأنه من الواجب استطلاع آراء ممثلى الشعب فى أمر المصالحة، تماماً كما اتُخِذ رأيُهم فى أمر أن يقوم البعض بحوارات مع إسرائيليين مما يدخل فى باب التطبيع المرفوض شعبياً. يبدو أنه على الرأى العام المصرى أن يتحمل بكل الصبر أن يُجبَر على سماع مشاريع المصالحة من وقت لآخر، مما يتكرر فيها الخلط بين ما لا يجوز خلطه، ويبدو أنه ينبغى التصدى فى كل مرة حتى مع تكرار نفس الحجج والكلمات.
ahmadtawwab@gmailÆcom لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب