شباب المصريين بالخارج مهنئا الأقباط: سنظل نسيجا واحدا في وجه أعداء الوطن    صوامع الشرقية تستقبل 423 ألف طن قمح    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة للإسماعيلية للعام المالي الحالي    الجيش الإسرائيلي يفرض حظر نشر على حادث كرم أبو سالم    أخبار الأهلي: موقف كولر من عودة محمد شريف    رونالدو: الهدف رقم 900؟ لا أركض وراء الأرقام القياسية ... 66 هاتريك أغلبها بعد سن الثلاثين، رونالدو يواصل إحراج ليونيل ميسي    «قطار الموت» ينهي حياة فتاة داخل مدينة ملاهي بأكتوبر    الجد الأعظم للمصريين، رحلة رمسيس الثاني من اكتشافه إلى وصوله للمتحف الكبير (فيديو)    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الاثنين 6-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    نتنياهو: إسرائيل لن توافق على مطالب حماس وسنواصل الحرب    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    روسيا تسيطر على بلدة أوتشيريتينو في دونيتسك بأوكرانيا    زعيم المعارضة البريطانية يدعو سوناك لإجراء انتخابات عامة عقب خسارة حزبه في الانتخابات المحلية    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 34 ألفًا و683 شخصًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    حمدي فتحي: مستمر مع الوكرة.. وأتمنى التتويج بالمزيد من البطولات    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    بين القبيلة والدولة الوطنية    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    «الداخلية» في خدمة «مُسِنّة» لاستخراج بطاقة الرقم القومي بمنزلها في الجيزة    التعليم: نتائج امتحانات صفوف النقل والاعدادية مسؤلية المدارس والمديريات    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    «سلامة الغذاء»: تصدير نحو 280 ألف طن من المنتجات الزراعية.. والبطاطس في الصدارة    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    «الإسكان» تنظم ورش عمل مكثفة للمديريات حول تطبيق التصالح بمخالفات البناء وتقنين أوضاعها    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث تعزيز التعاون مع ممثل «يونيسف في مصر» لتدريب الكوادر    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    "الرعاية الصحية" بأسوان تنظم يوما رياضيا للتوعية بقصور عضلة القلب    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    «التعليم»: المراجعات النهائية ل الإعدادية والثانوية تشهد إقبالا كبيرًا.. ومفاجآت «ليلة الامتحان»    «منتجي الدواجن»: انخفاضات جديدة في أسعار البيض أكتوبر المقبل    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    «الدفاع المدني الفلسطيني»: 120 شهيدا تحت الأنقاض في محيط مجمع الشفاء بغزة    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محمود البنا حكما لمباراة الزمالك وسموحة في الدوري    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشياء لا يصدقها عقل!
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 03 - 2016

هذه صفحات مجهولة من صفحات الاهرام عبر مشوار صحفى طوله نحو 140 سنة.. للاجيال الصحفية التى تبشر بخير كثير فى رحلة الشقاء والمعاناه وحب مصر
تعالو نخرج لو قليلا قليلا عن دائرة العقل وهمومه.. والقلب وظنونه.. ونترجل قليلا عن عجلة الحياة بحلوها ومرارها بصخبها وضجيجها.. ونعيش هنيهات مع عالم الخيال الجميل والبهجة بلا حدود.. وحكيات لها العجب!
H كنت أقود سيارتى الفولكس فاجن ليلا بعد العاشرة مساء متسكعا فى شوارع الإسكندرية وفى صدرى كل ضجر الدنيا وزهقها..
لست أنا الذى أحكى.. ولكنه صديق عمرى أيام التلمذة فى مدارس القناطر الخيرية وحدائقها الفناء.. المكتشف والمغامر وقاهر الصحارى والقفار.. المهندس إبراهيم حلمى.. الذى اكتشف لنا أول رسوم للإنسان الأول فى كهوف جبال البحر الأحمر.. لنتركه يكمل حكايته وروايته العجيبة..
إبراهيم حلمى يتكلم:
ووصلت بسيارتى إلى ميدان المنشية.. ومنها مررت بمقابر الإغريق والرومان وعمرها من عمر الزمن.. من أيام كليوباترا ويوليوس قيصر والإسكندر الأكبر.. وعلماء الفلاسفة اليونان العظام أقليدس وأرسطو وأفلاطون وأرشميدس التى تدرس نظرياته العلمية حى الآن فى مدارسنا..
وبينما أنا أمر بسيارتى الى جوار سور هذه المقابر التى مازالت على حالها بتماثيلها وقبواتها وشواهد قبورها.. وعند البوابة الرئيسية.. وجدت فتاة ممشوقة القوام غاية فى الجمال.. فى كامل زينتها تشير لى.. فوقفت ومن ذا الذى يقاوم هذا الجمال عندما يشير إليك.. فتحت هى الباب الذى إلى يمينى ودخلت لأجد كل هذا الجمال.. كل هذه الفتنة تجلس إلى جوارى.. ليتبدل همى سرورا.. وينقلب ضجرى وسأمى فرحا وحبورا..
قالت لى بلهجة خواجات إسكندرية كما كنا نسميهم من جاليات اليونان والطليان والترك والشوام الذين هجرونا الآن وراحوا لحالهم:
لقيت نفسى زهقانة.. هل تضايقك صحبتى؟
قلت لها: ومن ذا الذى يرفض صحبة الجمال كله؟
قالت: سأترك لك حرية الاختيار.. اختيار الملهى أو المرقص أو الركن الذى تمضى فيه أوقاتا مرحة.. تبعد عنا حالة الزهق والطقهان الذى أنا فيه.
قلت لها مازحا: وهو فيه واحدة فى سحرك وجمالك هذا تعانى الوحدة والزهق.. هى الدنيا جرى فيها إيه يا.. ست هانم؟
قالت: اسمى كاترينا أنوبوليس.. احفظ هذا الاسم جيدا.. فسوف نتقابل كثيرا.. أجدادى قدموا مع الإسكندر الأكبر.. ولم يعودوا.. لأصبح أنا من بعدهم مصرية مصرية..
قلت لها: أهلا يا ست كاترينا.. أنا كمان كنت آخر زهق ومتضايق من الدنيا وما فيها.. لقد جئت فى الوقت المناسب تماما!
صديقى المكتشف الكبير المهندس إبراهيم حلمى مازال يحكى حكايته العجيبة..
هو يقول: ولأن الدنيا كانت دنيا.. وكانت الإسكندرية أيامها لا تنام الليل.. والكورنيش بطوله كان خلية نحل تسهر فيها المراقص والبارات والملاهى والكازينوهات حتى الصباح.. فقد اخترت ملهى هادئا بعيدا عن العيون.. وأمضينا الليل بطوله نرقص ونأكل ونشرب.. وكنت أشعر بحرارة جسدها ونحن نرقص معا.. وكانت تحدثنى عن خطيبها الذى رحل عنها وذهب إلى أثينا ليتزوج هناك من ابنة عمه الغنية المتيسرة الحال.. وتركها هنا بين الأحزان والضياع..
ووضعت كاترينا رأسها على كتفى وهى تقول لى« بصوت كله شجن: lgumk أبو الحب الذى ينتهى بالدموع..
صديقى المكتشف الكبير مازال يحكى: وتساقطت دموعها على كتفى ساخنة حارة.. ثم قالت لى: هيا بنا يا صديقى لنعد من حيث أتينا.. ما تعودت السهر هكذا فى الليل.. أريد أن أعود قبل أن يهل نور الصباح..
وركبنا سيارتى وهى إلى جوارى تجفف دموعها بمنديل وردى وقبلتنى فى ذراعى اليمنى.. وعندما وصلنا إلى المكان نفسه الذى وجدتها فيه وأشارت إلىّ لكى تركب معى.. عند بوابة المقابر اليونانية الرومانية.. التفت إليها لأقول لها: ها نحن قد وصلنا يا كاترين.. لم أجدها.. اختفت تماما.. تبخرت فى الهواء.. لم أجد إلا الكرسى الأيمن خاليا.. أما هى فقد تبخرت فى الهواء!
أصابتنى صاعقة إبراهيم حلمى مازال يحكى وكاد يغشى علىّ.. وتوقفت تماما.. والحمد لله.. لم تكن هناك سيارات قادمة أو ذاهبة فى هذا الوقت المتأخر من هزيع الليل.. ووجدت نفسى أصيح: كاترين.. أين أنت يا كاترين؟
ولكن ضاع صوتى وسط زقزقات عصافير الصباح الباكر فوق الأشجار خلف سور المقابر!
عندما فتحت باب عربتى في الصباح.. وجدت منديلها الاحمر الذى مسحت به بموعها.. ملقي على ارض العربة امام كرسيها الذى كانت تجلس عليه.
الفصل الثانى.. أو المشهد الثانى من هذه الحكاية العجيبة التى لا يصدقها عقل.. اسمحوا لى أن أرويه أنا..
قالوا لى إن صديقك ورفيق دربك وزميلك فى المدارس فى القناطر الخيرية الذى اسمه إبراهيم حلمى يريدك أن تزوره فى المستشفى..
سألت: هو فيه إيه؟
قالوا: صدمة عصبية وهو يريدك انت بالذات..
سألت: أين؟
قالوا: فى مستشفى خاص بالإسكندرية..
قلت لنفسى وأنا أركب ديزل الصباح الباكر إلى الإسكندرية: لعل فى الأمر خيرا..فأنا أعرف أن عمنا إبراهيم حلمى يقوم باكتشافات جغرافية وأثرية ضمن عمله كباحث فى دراسات وأبحاث البحرية الأمريكية فى القاهرة.. وقد قام باكتشافات أثرية وعلمية غاية فى الأهمية مازالت مسجلة باسمه حتى الآن.. وقد كتبت عنها فى حينها ومن بينها زيارة للكهف الذى عثروا عليه تحت الهرم الأكبر.. وقد وقعت له إصابات بالجملة وهو يجرى أبحاثا علمية وجغرافية وأثرية فى جبال البحر الأحمر.. عندما انفجر فيه لغم مدفون فى الجبل أطار له ثلاثة من أصابع يده اليمنى.. ولكن ليس هذا وقته أو مكانه الآن..
بمجرد أن انفتح باب غرفته بالمستشفى الخاص بادرنى بقوله: مافيش حاجة.. ما تتخضش أنا كويس.. بس اللى حصل لى عاوزك انت.. وانت بالذات!
حكى لى حكايته بعد أن أخرج كل زواره..
ثم قال: أريد أن أذهب معك إلى مقابر الرومان والإغريق التى ركبت عندها الفتاة والتى اختفت عندها!
أسأله: لم؟
قال: عندى شعور طاغ بأننى سأعثر عليها هنا!
أسأله ضاحكا بخبث: حية أم ميتة؟
قال وهو يلاعبنى: أيهما أقرب!
قلت له: يا عم إبراهيم انت مازلت تعيش وهما كبيرا..
يسألنى فى غضب: أنت يا عزيزى آخر واحد يمكن ألا يصدق روايتى.
قلت له: انا لا اكذبك وسأذهب معك إلى هناك.. عند البوابة التى كانت تقف عندها هذه الكاترين الجميلة التى سحرتك.. ثم تدخل إلى قلب المقابر اليونانية والرومانية التى مضى عليها زمان طال واستطال.. لكى تصحو من غفوتك وهذيانك!
فى الصباح قبل أن أذهب إليه رجوت رفيق الطريق زاهى حواس عالم المصريات العالمى، وأول وزير للآثار فى الحكومة المصرية أن يذهب معى مفتش آثار من الإسكندرية.. فى الوقت نفسه رجوت صديقا عزيزا هو حمدى عاشور محافظ الإسكندرية أيامها وأرجو أن يكون الاسم صحيحا لكى يسمح لنا بفتح أسرار مقابر البطالمة والرومان.. لكن الذى لم أقله هو إننا نبحث عن وهم كبير اسمه الأخت كاترين التى ظهرت لصديقنا إبراهيم حلمى وأسرت فؤاده، ولكن الذى قلناه هو إننا نجرى بحثا علميا وفنيا وأثريا عن كنوز التماثيل التى أقامها المقدونيون والبطالمة والرومان فى حديقة أنطونيادس الشهيرة والتى مازالت قائمة حتى يومنا هذا.
وذهبنا كلنا مفتش الآثار ومندوب من محافظ الإسكندرية وإبراهيم وأنا إلى مقابر أنطونيادس.. فماذا كان فى انتظارنا.. يا ترى؟
فى الصباح والشمس يادوب ترسل أولى أشعتها الدافئة على رمال ومياه الشاطىء السكندرى كله.. كنا بربطة المعلم كما يقول أولاد البلد ندخل من البوابة نفسها التى شاهد عندها إبراهيم حلمى فاتنته الإغريقية الأصل المصرية المولد.. وصحبها من هناك ليلا بسيارته الفولكس وأمضى معها فى ملهى على الكورنيش سهرة دافئة مليئة بآيات الحب والمرح والدفء والسعادة.. لتختفى فجأة كما جاءت أمام عينيه.. ولكن علام نبحث أيها السادة؟
يسأل مفتش الآثار الذي نسيت اسمه بكل آسف للوهن والكبر: عم نبحث أيها السادة؟
قلت له: عن هذا الاسم وأعطيته له فى ورقة مكتوبة.. ربما يجده معى شاهد من شواهد هذه القبور التى حولنا؟
قال: كأننا نبحث عن إبرة وسط كومة من القش!
قال له إبراهيم حلمى: نعم هذه حقيقة.. ولكن لعلنا نهتدى إليه.. ربما باحساسى بها.. هى التى سوف تدلنا عليها..
قلت له: انت واهم يا عزيزى؟
قال: بل أنا واثق أنها هى التى سوف تفعل هذه المرة!
بحثنا ودخنا بحثا ومشيا على الأقدام و »فقع عيوننا« فى شواهد القبور.. ولكن لا أثر لاسم السنيورة ساحرة المتيم برفع الميم والشدة على الياء التى غلبته بسحرها وجمالها.. فإذا بها تتبخر أمام عينيه دخانا وسحابا.. وكأن الأرض قد ابتلعتها.. يا سبحان الله!
غابت الشمس.. ولم تظهر السنيورة ولو كمجرد شاهد على قبر..
فى الصباح التالى ذهبنا وحدنا إبراهيم حلمى وأنا بعد أن اعتذر مفتش الآثار ومندوب السيد المحافظ.. ربما كانا يقولان فى سرهما.. يا لهما من مجنونين أو مختلين عقليا.. هما بالقطع يقصداننا إبراهيم حلمى وأنا!
قسمنا مجموعة شواهد المقابر بيننا.. ودخنا بحثا وقراءة للشواهد الرخامية.. ولكننا فى المساء عدنا بخيبة أمل كبيرة..
فى الصباح الثالث ذهب إبراهيم حلمى وحده.. بعد أن طلبونى فى الأهرام فى القاهرة على عجل..
فى المساء جاءنى صوته.. إنه صوت عمنا إبراهيم حلمى عاليا مدويا:
لقد عثرت عليها يا عم عزت.. عثرت على كاترين.. وجدت شاهد قبرها!
أسأله: هل مكتوب على الشاهد فى أى سنة دخلت السنيورة التى سحرتك؟
قال: لم يفوتنى أن أسجل سنة رحيلها..
أسأله: متى يا عزيزى؟
قال: فى سنة 272 ميلادية..
قلت: ياه.. سأسأل رفيق الطريق أى عصر هذا.. أى حاكم كان وقتها على مصر؟
بعد دقائق طلبنى هو على التليفون الأرضى فى الأهرام.. قلت له: لقد سألت رفيق الطريق د. زاهى حواس الذى قال لى: إنه عصر فيريوس الوالى الرومانى من قبل قياصرة الرومان؟
يعنى فتاة رومانية مضى على رحيلها 1742 سنة تظهر لك يا عم إبراهيم مرة أخرى.. فى آخر سنين الحكى!
قد يقول قائل وهذا حقه: حكاية لا يكاد يصدقها أحد.. من حكاوى الحكى..
ومن لا يصدق.. ليذهب إلى حديقة أنطونيادس.. ليرى اسمها محفورا فوق شاهد قبر السنيورة التى ظهرت لعمنا المكتشف العظيم إبراهيم حلمى.. وخلبت لبه.. ولكنها لم تسلبه عقله!
ملحوظة من عندى: لك أن تختار بكامل إرادتك يا عزيزى القارىء أن ما قرأته هنا هو حكاية حقيقية وقعت بالفعل وأبطالها الأحياء هم الشاهد الحى على حدوثها.. أو تعتبرها مجرد خيال كاتب لا أكثر ولا أقل لك وحدك الخيار هنا.. لأنها بحق حكاية فوق خيال البشر.. انتهت الملحوظة
H في شبابي الصحفي.. قالوا لي أن هناك سيدة روسية تحرك بعينيها عقارب الساعة!
يا خبر سألت أنا يعني ايه؟
قالوا: انها تحرك عقارب الساعة المعلقة علي الحائط بنظرات من عينيها علي البعد.. يمينا أو يسارا كما تريد بالزيادة أو بالنقصان!
سألت: أين هذه السيدة العجيبة؟
قالوا: لقد جاءت مع عائلات الخبراء الروس الذين يقيمون لنا السد العالي.. بعد أن طلبت أمريكا من البنك الدولي.. الذي يأتمر بأمرها أن يسحب عرضه ببناء السد العالى والذى اتبعه قيام جمال عبدالناصر بتأمين قناة السويس.
وذهبت إليها في بيتها في حي المعادي.. وكان للحق لقاء مثيرا للغاية.. اسمحوا لي أن أحكي لكم حكايته العجيبة..
هي لا تتكلم العربية..
وأنا كل ما أعرفه عن اللغة الروسية أنني سافرت إلي موسكو ضمن وفد شباب الجامعات المصرية في دورة الألعاب الأوليمبية في الستينيات في القرن العشرين ممثلا لجامعة القاهرة في مسابقات المائة متر ورقمي أيامها هو 11٫6 ثانية في المائة متر!
وأمام عيني حركت السيدة المعجزة عقارب الساعة المعلقة علي الحائط والمغطاة بالزجاج إلي اليمين عشر دقائق إلي الأمام.
طلبت منها أن تقدم الساعة أكثر بإشارة من يدي..
ودون أن تنطق كلمة واحدة.. حركت عقارب الساعة خمسة عشر دقيقة أخري!
عن طريق مترجم من الروسية إلي الإنجليزية والعربية الخواجاتي قام زوجها المهندس الروسي الخبير في تشغيل محطات كهرباء السد العالي.. بمهمة الترجمة.
سألته: منذ متي تتمتع زوجتك بموهبة روحانية تحريك الأشياء علي البعد؟
قال: منذ أن كانت في الخامسة من عمرها.. وهي معروفة في كل انحاء روسيا!
سألته: هل من الممكن أن نطلب منها الآن أن تحرك بعينيها هذا الفنجان من القهوة الذي أمامي؟
قال ضاحكا: أسألها أولا؟
بعد حوار معها ثوان بالروسية.. نظر إلي وقال: هي تقول أنها ستحاول أن تفعل.. واترك لها الفنجان خاليا كما طلبت!
وثبتت السيدة الروسية عينيها علي الفنجان الخالي.. وحركته أمام عيني لمسافة نحو عشر سنتيمترات حتي انقلب في النهاية علي جانبه!
سألتها: هل كانت أمك أو أبوك يملكان هذه المقدرة العجيبة؟
قالت: نعم.. أمي كانت تغلق الباب بعينيها بعد أن تدخل البيت.. مجرد أن توجه إليه ناظريها لثوان معدودة!
وكانت أمي ترفع بعينيها غطاء حلل الطهي.. ثم تعيدها إلي مكانها في المطبخ..
وأيامها كانت الدنيا ولم تقعد.. وكان التليفزيون المصري في بدياته الأولي.
وطلبت من العزيزة سلوي حجازي نجمة النجوم أن أذهب معها إليها.. لإجراء حوار معها.. وكانت أيامها حكاية ورواية هى حديث مصر كلها!
تلك كانت واحدة من الأشياء التي لا يصدقها عقل.. وكنت أنا شاهدا عليها!
..........
..........
وهذه الرواية والحكاية حكتها لي أمي التي لا تقول إلا صدقا ولا تفعل.. إلا حقا.. وقد حكتها لي أمام والدي حتي يكون شاهدا علي أحداثها..
قالت أمي: بعد زواجنا بشهر واحد.. طلبوا من والدك مهندس الري أن يذهب إلي سد جبل الأولياء في السودان ليعمل هناك.. وكان هذا السد تابعا لوزارة الري.. وكان السودان ومصر أيامها دولة واحدة تحت التاج الملكي المصري.
أسألها: متي حدث ذلك؟
قالت: مااعرفش يمكن في عام 1933 وكنت أيامها حاملا في أخيك الأكبر صلاح.. وفي طريق عودتنا إلي مصر في الاجازة ركبنا لنشا بمحرك في النيل حتي وصلنا إلي الشلال.. وثم ركبنا لنشا آخر حتي خزان أسوان..
ولم يكن السد العالي موجودا.. كان باقيا علي ظهوره نحو ثلاثين عاما..
وعند خزان أسوان غرق اللنش بمن عليه.. ووجدت نفسي وسط المياه وأنا لا أعرف العوم.. وفجأة وجدت والدك ينتشلني من الماء ويصعد بي إلي الممر الخشبي للمشاة فوق الخزان.. ثم اختفي فجأة وتركني وحدي في الظلام!
ورحت اصرخ وحدي.. حتي وجدت والدك قادما علي الممشي الخشبي ومعه طاقم اللنش الغارق..
صحت فيه: ازاي يا راجل تسيبني بعد ماطلعتني من المية؟
وكانت المفاجأة أن والدك أنكر أنه انقذني.. وانه كان يصارع الأمواج أمام خزان أسوان.. حتي طلع إلي الضفة.. ثم عاد مسرعا مع رجاله لكي يبحث عني.. فوجدني قد نجوت من الموت غرقا!
أسألها: يعني أبي لم ينقذك؟
قالت: لا هو اللي انقذني
قلت لها: ولكنه ينكر ذلك تماما!
قالت: يمكن بقي ملاك من السماء نزل واخرجني من الماء.. ووضعني فوق سلم خزان أسوان!
من الذي انقذ أمي إذن؟
هذا هو السؤال.. ولو لم يفعل هو .. لما جئت أنا إلي الدنيا!
..........
..........
وهذه الحكاية العجيبة حقا التي لا يكاد يصدقها عقل.. يرويها لنا طبيب كبير السن والمقام والقامة العلمية.. وقد رجاني الا أحكي هذه الحكاية علي لسانه هو..
ولما سألته: ليه يا طويل العمر؟
قال: لأن زوجته وهي أستاذة جامعة مازالت تخاف من خيالها وسوف تلاحقه بالسؤال عما جري واين حدث ومتي ولماذا.. وموش معقولة حكايات العفاريت والأشباح واللامعقول هذا!
قلت له: طيب احكي معاليك وأنا اسمعك جيدا.
قال: عندما كنت ادرس في جامعة كامبردج في لندن.. في الأربعينيات من القرن الماضي.. قبل الحرب العالمية الثانية
قال لنا بروفسور هانزكروفت أستاذنا الكبير في الكلية الطبية الملكية البريطانية.. أن جده حكي لي ما جري له.. وكان جده هذا طبيبا مشهورا أيامها وله أبحاثه وكتبه العلمية التي مازالت تدرس باسمه في كليات الطب في إنجلترا واسكتلندا وايرلندا..
قال الجد: في ليلة ممطرة حالكة السوداء جاء من يطرق باب بيتنا في ضواحي لندن طرقا عنيفا .. ولم يتوقف عن طرق الباب حتي فتحنا له نافذة بالباب تطل علي الطارق
سأله الخادم: من أنت؟
قال: سيدتي الكونيتسة تطلب صاحب الدار.. الطبيب المداوي
سأله الخادم: في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
قال: نعم لأن ابنتها السنيورة جورجينا مريضة وتكاد تشرف علي الموت.. وترجو ان يأتي علي عجل..
ولبس جدي أي حاجة يقول الجد وركب حنطوره الذي يقوده سائقه وذهب مع الخادم إلي حيث تسكن المريضة في ضواحي لندن..
..........
..........
ووصل الركب إلي قصر عظيم تتلألأ داخله الأنوار.. واستقبله الخدم والحشم وصعدوا به بسرعة إلي الدور الثاني.. وادخلوه إلي حجرة السنيوريتا المريضة.. التي كانت تنام علي فراشها في حالة شبه غيبوبة.. ومن حول سريرها أمها وأبوها وأخوها الأكبر وهو عالم كبير في الفيزياء في جامعة ادينر في اسكتلندا..
سلم جدي عليه.. وتذكر أنه قرأ كتبه صغيرا.. وتصور انه رحل عن عالمنا منذ زمن.. ولكنه كف عن التفكير إلا عن حالة المريضة الراقدة في فراشها..
صحت المريضة.. وكانت بحق أية من الجمال والغني والأناقة رغم هزالها وشحوب لونها..
فتح جدي حقيبة الكشف وأخرج سماعة الأذن.. وراح يسمع دقات قلبها.. والوجوه من حوله قلقا غاية في التوتر والانتظار.. كتب جدي روشتة العلاج.. وطلب سرعة صرفها.. واعطاء المريضة جزءا منها علي عجل.. ثم انصرف وسط باقة من كلمات الشكر والعرفان لمجيئه في هذه الساعة من الليل وهو يسحب آخر أستاره قبل ظهور صبح جديد.. علي وعد منه للمريضه الجميلة بزيارتها في الصباح للاطمئنان..
.........
.........
في الصباح كانت المفاجأة التي لم تخطر علي بال أحد في انتظار جدي..
وصل إلي القصر وقد كان يتلألأ بالأنوار والحركة والحياة والخدم والحشم والنساء والرجال. ليجده قاعا صفصفا .. مهجورا مهدما.. ومحاطا من الخارج بجنزير من حديد.. علي بابه قفل صديء..
سأل الحارس العجوز الذي يقف بالباب: هل هذا قصر السنيورة جورجينا؟
قال: نعم.. ولكنها رحلت عن عالمنا منذ نحو قرن من الزمان.. وأنا احرس هذا المكان منذ نحو عشرين عاما.. ولا أحد يدخله ولا أحد يخرج منه.. انه قصر مهجور ينعق فيه البوم والغربان!
قال له جدي: هل تسمح لي بدخوله..
وبعد إلحاح من جدي.. صحبه الحارس إلي مدخل القصر.. حيث عاني الاثنان في رفع أكوام التراب وأوراق الشجر حتي وصلا إلي بوابته.. ثم فتح الحارس الباب بمفاتيح معها.. وسمعا صرير الباب الحديدي عندما دخلا عنوة.. وصعد جدي والحارس إلي الطابق الثاني في القصر المهجور..
وسأله الحارس بريبة: ماذا تريد بعد هذا كله؟
قال: حجرة السنيورة جورجينا!
سأله الحارس: ليه؟
قال جدي: لأنني كنت هنا بالأمس اكشف عليها.. لقد كانت مريضة جدا
يضحك الحارس ضحكة صفراء يحاول أن يخفيها عن الزائر عالي الهمة والمقام ويقول له: يا سيدي لقد رحلت من تبحث عنها عن عالمنا منذ أكثر من نصف قرن من الزمان!
ولكن جدي تقدمه باصرار ويضرب باب حجرتها بقدمه لينفتح في صرير عجيب.. ويتجه جدي ومعه الحارس إلي حجرة السنيورة التي كانت راقدة علي سريرها وأهلها بالأمس فقط.. ليجد فراشا متربا ورائحة الخراب والتراب تفوح من كل ركن..
وتلفت جدي هنا وهناك لتلتقط عيناه ورقة ملقاة في اهمال فوق السرير.. التقطها جدي بسرعة .. وفتحها فإذا بها روشتة العلاج التي كتبها بالأمس فقط!
اخذها جدي ووضعها في جيبه.. وخرج من القصر كله دون أن ينبس ببنث شفه.. يعني لم يتكلم ولم ينطق بحرف واحد!
ولكم بقي سؤال واحد في رأسه: كيف دخل إلي هنا؟ وكيف قابل البرنسيسة المريضة؟ وكيف كتب الروشتة؟.. لقد كان هنا حقا.. والدليل هذه الروشتة بخط يده!
انها حكاية حقيقية بلا تفسير.. وبلا منطق..
من عنده تفسير لما جري فليتكلم؟
............
............
ومازلنا مع حكايات وحكاوي.. خارج حدود العقل.. وخارج حدود المنطق.. ولكنها حدثت .. وتحدث وسوف تحدث حتي يرث الله الأرض ومن عليها!
ومن عنده كلام آخر فليتفضل!{
لمزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.