وسط انتقادات حادة من منظمات حقوقية وجمعيات وأحزاب سياسية قامت الحكومة الفرنسية بتفكيك ما أطلقت عليها غابات او مخيمات كاليه الواقعة شمال البلاد علي الحدود الفرنسية البريطانية، حيث يعيش في المخيم ما بين 3700 و7000 من السوريين والأفغان والسودانيين بشكل خاص في ظروف سيئة جدا.. وفي القسم الجنوبي العشوائي من هذا المخيم يعيش بين800 و1000 مهاجر وفق الإحصاءات الرسمية, و3500 وفق الجمعيات الحقوقية. وقد بدأت الجرافات وعشرات العمال تحت مظلة أمنية مكثفة الإثنين الماضى فى إخلاء الجزء الجنوبى من مخيم كاليه المصمم على هيئة بيوت من الخشب والصفيح. .وذلك بعد ان أعطى القضاء الفرنسى الضوء الأخضر لإخلائه رغم معارضة العديد من الجمعيات الحقوقية التى اعتبرته "لا إنساني". والجدير بالذكر ان هذا المخيم استاء منه سكان المنطقةلما يسببه لهم هؤلاء اللاجئون من مشاكل امنية خاصة بعد الحادث الأخير الذى قام فيه البعض منهم بمهاجمة الميناء الواقع بالقرب من اقامتهم واقتحموا حاوية كانت فى الميناء فى محاولة ساذجة للسفر عليها الى بريطانيا فضلا عن ضلوعهم فى اشتباكات مع رجال الأمن الذين حاولوا التصدى لهذا الاقتحام. والواقع ان هذا الحادث كان ذريعة حفزت الحكومة على اتخاذ موقف حازم وجاد لفض هذا التكتل العشوائى الضخم الذى كان يشكل أزمة حقيقية للحكومة من كافة النواحى بل ويجلب للاشتراكيين المزيد من الانتقادات ويعمق من أسباب تدنى شعبيهم لدى الفرنسيين، ذلك لأن فرنسا لديها مشاكل اقتصادية وتفاقم فى أزمة البطالة فمن المنطقى ان اى استقبال لمهاجرين جدد يمثل انتحارا حسب آراء بعض المراقبين فضلا عن المخاوف الأمنية وبصفة خاصة بعد ما واجهته البلاد من حوادث ارهابية لم تندمل جراحها حتى الأن، (كحادث مسرح الباتاكلان الإرهابى الذى تسبب فى وفاة 130 شخصا وجرح 532 آخرين). كما ان الحكومة تواجه انتقادات لاذعة من المعارضة اليمينية وبالتحديد من الزعيمة المتطرفة مارين لوبن، المتربصة بالاشتراكيين فى الانتخابات الرئاسية المقبلة 2017، والتى تشكل مخاوف شديدة بوصولها للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المرتقبة حال اعتزام فرانسوا اولاند خوض السباق، فهى تدين وبشدة سياسة فتح الحدود المعروفة بفضاء شينجين وتحمل الحكومة الاشتراكية الراهنة بصفة مستمرة تداعياته من توافد مكثف للمهاجرين وما يترتب على ذلك من تفاقم مخاطر تسلل الإرهابيين ضمن أسرابهم. والوقع ان كاليه تضم الاف المهاجرين من مختلف الجنسيات -الأغلبية من السوريين- ويتوقع البعض منهم تقنين أوضاعه ليبقى بفرنسا اما الأغلبية فتنتظر فتح الحدود للنزوح الى بريطانيا، الا ان الأخيرة رفضت رفضا قاطعا استقبال مزيد من اللاجئين معتبرة انه أمر يهدد أمنها القومي، لذا قامت بريطانيا بتحذير فرنسا من السماح لهؤلاء بالدخول إلى أراضيها عبر نفق المانش الواصل بين البلدين.. وفى المقابل عرضت بريطانيا مؤخرا مساعدة مادية لفرنسا قيمتها 23 مليون يورو تقريبا على ان تبقى فرنسا عليهم عندها. وقد جاء ذلك اثناء لقاء للرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند ورئيس الوزراءالبريطانى ديفيد كاميرون بمدينة أميان الفرنسية .. ونظرا لارتباط مشكلة المهاجرين الوثيق بالأزمة السورية انتهز الزعيمان الفرصة بتوجيه الدعوة لموسكو والنظام السورى بوقف هجماتهما فورا على المعارضة السورية المعتدلة واعتبر اولاند وكاميرون فى بيان صدر إثر قمة "أميان" أن الزحف على حلب يقوض فرص السلام ويهدد بتعميق أزمة اللاجئين بل ويخدم تنظيم داعش. وفى حقيقة الامر ان فرنسا بشكل خاص والأوروبيين بشكل عام فى موقف لا يحسدون عليه حيث يواجهون حالة شلل وعجز عن الاتفاق على تنسيق مناسب تجاه معضلة المهاجرين والحدود المفتوحة فى ظل تواصل تدفق المهاجرين الذين وصلوا أكثر من 130 ألفا منهم إلى أوروبا منذ يناير 2016. بل وتتوقع المفوضية العليا للاجئين تزايد هذا التدفق المخيف. وحسب المفوضية فقد قدم أكثر من 1،25 مليون أجنبى معظمهم من السوريين والأفغان والعراقيين العام الماضى طلبات لجوء فى الاتحاد الاوروبى ليسجلوا بذلك أعلى مستوى ورقما يفوق الضعف بالمقارنة مع 2014، وذلك حسب ما أعلنه المكتب الأوروبى للإحصاءات (أوروستات) مؤخرا. وفى سياق متصل ومن اجل إيجاد حلول أوروبية مشتركة عقد الرئيس فرانسوا اولاند المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل قمة فرنسية المانية بقصر الاليزيه يوم الجمعة الماضى بغية التوصل الى حلول يبدو انها امست مستعصية. فالرئيس الفرنسى لم يخف قلقه إزاء الأزمة مصرحا أثناء استقباله ميركل أن البلدين يتحركان على قدم وساق لمواجهة أزمة الهجرة التى تثير خلافات داخل الاتحاد الأوروبي. وكانت تصريحات اولاند فى هذا اللقاء الثنائى الذى أعقبه مؤتمر صحفى مشترك لقائدى قاطرة الاتحاد الاوروبى ردا على انتقادات رئيس وزرائه الفرنسى مانويل فالس فى منتصف فبرايرالماضى خلال زيارته لألمانيا لسياسة الباب المفتوح التى انتهجتها المستشارة الألمانية. ولم يغفل اولاند التاكيد على ان بلاده ملتزمة باحترام وعدها القاضى باستقبال 30 ألف مهاجر، واعدا بإرسال سفينة فرنسية قبالة سواحل تركيا فى إطار حلف شمال الأطلسى للمساعدة على ضبط تدفق اللاجئين فى بحر إيجه نقطة العبور الرئيسية لمئات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا إلى أوروبا منذ حوالى عام. واضاف الرئيس الفرنسى إن حلف الأطلسى قرر وضع سفنه بين اليونان وتركيا فى بحر إيجه تحت تصرف هذه القوة. ومن ناحيتها أبدت ميركل امتنانها لمبادرة فرنسا لتقديم سفينة لتحسين عمليات المراقبة فى بحر إيجه. وقالت: نحن مقتنعون معا بأن الحلول الأحادية لن تساعدنا و أن أيا منها لن يؤدى إلى خفض عدد اللاجئين. كما اعربت ميركل عن أمانيها فى ايجاد "حل أوروبى مشترك" يتمحور حول "حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبى وتقديم دعم لليونان". موضحة انه من المقرر ان يطلب رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك الجمعة المقبلة من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان القيام بمزيد من الخطوات لإبطاء تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وذلك قبل ثلاثة أيام من قمة أوروبية بالغة الأهمية حول هذا الموضوع مع تركيا. ومن دون شك فإن كل تلك التداعيات قد تلقى بظلالها على الرئيس الاشتراكى الحالى فرانسوا اولاند وتقلص من شعبيته فحسب اخر استطلاعات لآراء الفرنسيين رصدتها بعض مراكز الأبحاث تدنت شعبية اولاند فى الآونة الاخيرة الى 13% ليحقق بذلك ادنى مستوى وهو ما يعد مؤشرا على عدم حصوله على حقبة رئاسية ثانية .