يبدو العنوان وكأنني قررت الطواف علي عدد من القضايا المنفصلة التي شغلت مصر علي مداي الأسبوعين الماضيين, لكن الحقيقة أن هناك ترابطا وثيقا بينها, وكل ما جري فيها يؤدي بي رغم عدم عضويتي في أي حملة لأي مرشح, إلي تأكيد اختياري لحمدين صباحي رئيسا للجمهورية بما أننا في صفحة للرأي مباح فيها التصريح بالاختيار الشخصي في شأن عام هائل الأهمية مثل انتخابات الرئاسة التي تشكل معركة فاصلة للثورة المصرية, ستؤدي طبيعة ومستوي نزاهة إدارتها ونتائجها إلي تحديد مسار ومصير ثورة مصر. وبداية فإن الحكومة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة, مدعوان لضمان إلزام كل المرشحين والقوي السياسية التي تقف وراءهم بالقواعد المنظمة للانتخابات والدعاية والتي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات أيا كان الموقف من تشكيلها وحصانتها. وأهمية هذا الأمر تكمن في أن القوانين والقواعد كانت تمنع تأسيس أحزاب علي أساس ديني, وتمنع التمويل الأجنبي للمرشحين, وتمنع استخدام دور العبادة في الدعاية الانتخابية, وتمنع اختراق فترات الصمت الانتخابي, وتمنع توجيه الناخبين في اللجان, قد اخترقت تحت سمع وبصر السلطة في انتخابات مجلسي الشعب والشوري وما زالت شواهدها الباقية تتمثل في عدد من الأحزاب الدينية الصريحة والمستترة, إضافة لمبلغ233 مليون جنيه حصلت عليها إحدي الجمعيات الدينية وتم إنفاقها ولا توجد مستندات دالة علي صرفها حسبما تبين من تحقيقات جهاز الكسب غير المشروع, مما يرجح إنفاقها في الانتخابات. ومن الضروري التزام السلطة أيضا بمنع حوادث البلطجة. والبلطجية ببساطة لا يقومون بأعمال البلطجة بكل إجرامها من باب الهواية, بل لأن هناك من يدبر وينظم ويدفع لهم, ومن يمرر أو يتساهل مع الأعمال البشعة التي يقومون بها والتي تهدر الحرية والكرامة والحياة نفسها, مثلما حدث في مذابح ستاد بورسعيد وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وأخيرا العباسية, وكلها مسئولية السلطة حتي لو افترضنا حسن النية واستبعدنا احتمال أن تكون من تدبيرها, لأن من مهام السلطة منع أعمال البلطجة. كما أن كل القوي السياسية مسئولة إلي جانب أجهزة الدولة عن ضمان نزاهة عمليات التصويت والفرز مهما تطلب ذلك من جهد وتضحيات. ومن المهم أن يعلم الجميع أن كل أجهزة نظام مبارك الفاسد ما زالت حاكمة ومسيطرة بكل ما يستشري فيها من عشوائية وفساد وعدائية للثورة ورجالها, وبعد انتخابات الرئاسة ستكون هناك معركة كبري لتطهير هذه الأجهزة وجعلها أجهزة للشعب وثورته, ولن يستطيع أي تيار منفردا سواء كان التيار الإسلامي بكل تنويعاته أو الناصري أو اليساري أو الليبرالي, أن ينتصر في هذه المعركة, وحتي تخوض مصر هذه المعركة الكبري للتطهير وإعادة البناء لابد أن يكون النظام الجديد معبرا عن قوي الثورة وليس عن تيار واحد. وبما أن الوضع الراهن يتمثل في سيطرة التيار الإسلامي علي مجلسي الشعب والشوري, وغالبا سيعطيهم الدستور تشكيل الحكومة من خلال الحزب صاحب الأغلبية في مجلس الشعب, مع سلطة حاسمة للرئيس في مجالات الدفاع والأمن والخارجية وفقا لنموذج النظام الرئاسي البرلماني المختلط, فإن سيطرة هذا التيار علي مؤسسة الرئاسة أيضا من خلال أحد مرشحيه الثلاثة مع كل التقدير لهم( د. محمد مرسي, د. عبد المنعم أبو الفتوح, د. محمد سليم العوا), سيعني أنه سيكون قد استحوذ علي كل مؤسسات الدولة ومفاصلها, بما يعنيه ذلك من فتح باب الاستبداد والتسلط وإضعاف آليات الرقابة مثلما كان الوضع في عهد مبارك, وسيعني أيضا إقصاء قوي الثورة التي كانت أسبق من التيار الإسلامي في تفجير الثورة وبذل التضحيات فيها, حيث يعلم الجميع أن أغلب القيادات السلفية ظلت تؤيد مبارك حتي خلعه, بينما التحقت جماعة الإخوان المسلمين بصفوف الثورة رسميا بعد الهزيمة الساحقة التي منيت بها الشرطة في الجمعة الأعظم في التاريخ الاجتماعي-السياسي لمصر(28 يناير2011), رغم أن أعدادا من شباب الإخوان شاركوا فيها بدون قرار رسمي. أما الفريق أحمد شفيق فهو آخر رئيس وزراء لمبارك, وهو من جرت في ظل حكومته موقعة الجمل وهي واحدة من أكثر المعارك الدموية ضد الثورة ورجالها. أما الأمين العام السابق للجامعة العربية ووزير الخارجية الأسبق عمرو موسي, فإنه لم يكن شريكا في عصابة القمع والفساد في نظام مبارك, لكنه يظل أحد رموز ذلك النظام. أما الأربعة الممثلون للتيار الديمقراطي الاجتماعي وهم حمدين صباحي وخالد علي وهشام البسطويسي وأبو العز الحريري, فكلهم لهم تاريخ نضالي ناصع لسنوات طويلة من أجل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين والمهنيين والتنمية الاقتصادية المتوازنة والاستقلال الوطني. وكان حمدين صباحي بتاريخه النضالي الرائع لما يقرب من أربعة عقود, لم يغوه خلالها ذهب المعز ولم يرهبه سيفه... كان هو أول من أعلن ترشحه منهم, وقدم برنامجا لتحقيق كل أهداف الثورة, بما يحمي الحرية والكرامة الإنسانية ويمنع تكرار مذابح مشينة مثل العباسية وشقيقاتها, وينتصر لقيم النزاهة ومنع ومكافحة الفساد ويحقق العدالة الاجتماعية والعدالة في مجتمعات الأعمال كأساس حقيقي للمنافسة الحرة في القطاع الخاص. ورغم العدد الكبير من الرموز الوطنية العظيمة التي أعلنت تأييدها لحمدين صباحي, فإن ما ذكره الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي الذي قال نصا علي صفحته يجب أن نؤمن أن مصر عظيمة..وتستحق رئيس عظيم يعيد لها كرامتها و عظمتها بين الامم..مثل حمدين صباحي, هو أكثر الأقوال المعبرة عما يمكن أن يحققه الرجل لمصر بما يحمي أبناءها في الخارج مثل الجيزاوي, فمصر تحتاج لاستعادة قوتها ومكانتها كقائدة إقليميا ومؤثرة عالميا والحفاظ علي حقوق أبنائها في الخارج في إطار علاقة صداقة وأخوة حقيقية بين دول وشعوب شقيقة ودول أجنبية تدرك قيمة وقامة مصر من خلال رجال يرتفعون لهذه القيمة والقامة مثل حمدين صباحي. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار