أغلب سكان المطرية بلد زكريا الحجاوى يحترفون صيد الأسماك وبحكم مهنتهم كان الغناء أساسيا في حياتهم، لأن الصيد لا يصلح بدونه، فالسمك يأتي على الأصوات، وكل إيقاع يجتذب نوعا معينا، فما يجتذب البلطي، يختلف عما يعجب البوري وهكذا. وسط هذه الأجواء نشأ «زكريا» وتفتح وعيه على غناء الصيادين الجماعي الجميل، واعتادت أذنه الموسيقى والإيقاعات. وكان والده تاجرا ميسور الحال، ومحبا للغناء، فاشترى «فونوغراف»، واسطوانات لمطربي مصر الكبار في بدايات القرن العشرين، ومنهم الشيخ «سيد الصفتي»، و«منيرة المهدية»، و«عبد الحي حلمي»، و«سيد درويش». وكانت «أم زكريا» تحفظ أغان كثيرة من تراث بحيرة المنزلة، وترددها، وربما كانت هي سبب تعلقه منذ نعومة أظفاره بالغناء، وانتباهه لغناء الصيادين، واستمتاعه بالاسطوانات، وتعلقه بسيد درويش تحديدا. وفى المدرسة أحب الموسيقى والرسم والأدب, ودرس الموسيقى على يد أستاذه «عبد الحميد الألفي»، وحفظ الشعر العربي، وتمكن من الخطابة. وذات مرة زارت «فرقة المسيري» المطرية، وبهره الفن والغناء الذي قدمته، فترك دراسته ليلاحقها من مكان إلى مكان، ثم التحق بالفرقة مؤلفا وملحنا، ووضع لها مجموعة أوبريتات منها «صلاح الدين الأيوبي», و«الأمين والمأمون», و«زبيدة زوجة الرشيد», و«أبو نواس»، وكانت هذه أولى تجاربه مع المسرح. لكن والده تعقبه وتمكن من التوصل إليه وأعاده إلى البيت ليستكمل تعليمه، وحصل على دبلوم صناعي, ثم لحق «بفرقة المسيري» مجددا خلال جولة لها في الصعيد, وخلالها سمع أغانى فلكولورية مختلفة عما عرفه في المطرية وريف الدلتا، فحفظها. واهتم «الحجاوي» كثيرا بالموالد، وحوَّلها إلي مؤتمرات شعبية، يقدم فيها الفنون الشعبية, ومنها كوَّن «فرقة فنون الشعب»، وأشرف عليها وكانت تضم 38 راقصا وراقصة جلبهم من المجتمع الشعبي، وكان بينهم «عمدة» قرية كان يجيد «رقصة التحطيب». ووسط انهماكه مع الفنانين وانشغاله بالأوبريتات والغناء والرقص, وجد نفسه منجذباً إلى المطربة الشعبية «خضرة محمد خضر» التي اكتشفها وقدمها لجمهور الإذاعة، وحازت شهرة واسعة، واشتهرت باسم «خضرة الشريفة»، نسبه إلى شخصيته أم ابى زيد الهلالى فى السيرة الهلالية وقام بتجميع أغانيها في ألبوم واحد عام 1958، وانطلق صوتها صداحا في « أيوب المصري» : « يا ما أسعدك يللي تصلى عالنبي / الصبر طيب للأمارة يصبروا / ياما اللي كانوا صابرين ولا لمغفرة / واللي معاه صبري لاقيه في الآخرة ». تقول « سوزان ابنة زكريا الحجاوى» : « ...تزوج والدي « خضرة محمد خضر» سنتين، وكانت والدتي موجودة، وكنت طالبة بالجامعة، وسألته عن هذا الزواج فقال: «لما تكبري سوف تعرفين، لقد طُلِّقت من زوجها، وكانت معي ليل ونهار في الموالد، ولدي بنات ولا أريد أن يتقول عليها أحد فتزوجتها». وتزوجها في حفل أحياه عشرات من الفنانين الشعبيين، ونعما معا بحياة سعيدة لست سنوات، ثم وقع بينهما خلاف انتهى إلى الطلاق, ومن عادات أهل الفن الشعبي أن يشرب كل منهما دماء الآخر إذا افترقا، ليصبحا في منزلة الأخوين فتجرى في عروقهما دماء واحدة، وشرب الدم عادة معروفة لدى الغجر، وفعلها «زكريا وخضرة» في احتفال شعبي بإمبابة، وكما ولد حبهما في مولد، انتهى في مولد، وتناقل الناس حكاية «زكريا وخضرة» كواحدة من الحكايات الشعبية المهمة. وبعد الطلاق تمشى «الحجاوي» على كورنيش امبابة، وكتب على علبة سجائره آخر موال أنشده في خضرة: زرعت فدان جمايل وأربعة معروف ورويتها ياما شهامة بذوق وبالمعروف واللي حماها أنا بالجدعنة ومعروف وقلت هلبت تزرع م الجميل قيراطين أتاريها أرض طين وبتنكر المعروف وفى الليلة التالية أنشدت «خضرة محمد خضر» بكائية «زكريا الحجاوي» في المولد نفسه.