فى مصر لا تتشابه الوجوه والصفات والعادات فقط، ولكنك قد تجد المئات وربما الآلاف يحملون الاسم نفسه حتى الجد الثالث، ظاهرة قد تكون متكررة فى كثير من البلدان ذات التعداد السكانى الضخم، ولكن الغريب ألا تطبق نظم حديثة فى التعرف على هوية المواطن وتحديدها وبخاصة إذا تعلق الأمر بتنفيذ حكم قضائي. قصص المظلومين الذين تعرضوا للحبس، أو المثول أمام القضاء فى جرم لم يرتكبوه كثيرة وليست وليدة الايام الماضية التى أظهرت حجم المشكلة عندما تعلقت بطفل لم يتعد عمره اربع سنوات، فبات من المستحيل أن يكون هو المتهم. وتحمل تلك الظاهرة فى طياتها العديد من المغالطات التى تضع الجهات التنفيذية والقضائية فى قفص الاتهام، فوفقا للمستشار مجدى الجارحى نائب رئيس مجلس الدولة تٌسارع التقارير الإعلامية لتوجيه اللوم على الحكم الذى نال من شخص برىء، كل تهمته هى تشابه اسمه مع المتهم الحقيقي، ويغفل الإعلام حقائق واضحة، وهى أن تلك الأحكام صدرت غيابيا على المتهم الحقيقي، اى انه لم يمثل أمام القاضي. فعندما تقدم سلطة الاتهام الممثلة في النيابة العامة أو النيابة العسكرية قائمة الاتهامات للقاضي يصدر الاحكام حضوريا علي المتهم الموجود بقاعة المحكمة وغيابيا علي غير المتواجد، وفي تلك الحالة لابد أن يصدر الحكم - وبالتحديد في الجنايات- بأقصي عقوبة وهي قاعدة قانونية تطبق حتي لا يقلل من سلطة القاضي الذي سيتولي الحكم حضورياً علي المتهم بعد إلقاء القبض عليه . ويقول الجارحي: القاضي يحكم علي الاسم فلا خطأ علي القاضي في مسألة تشابه الأسماء التي تصل إليه من سلطة الاتهام وهي النيابة التي يقدم لها محاضر التحريات والاستدلال، وبالتالي هذه المسئولية هي بصفة اساسية مسئولية مأمور الضبط القضائي والنيابة. ويضيف أن الأحوال المدنية جهة تابعة للشرطة وبالتالي من السهل أن تطبع صورة بطاقة المتهمين و«بيان اسم» حتي لا يكون هناك اي التباس في شخصية المتهم. إرفاق صورة البطاقة «الحل بسيط للغاية وهو إرفاق صورة بطاقة المتهم مع محضر التحريات»، هكذا بدأ المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة سابقا حديثه، موضحا أن تشابه الأسماء خاصة الثلاثية - وتقل كلما ارتفعنا إلي الرباعية أو الخماسية - هو أمر يشهده المواطن المصري بصورة مباشرة، بل انه احيانا في الريف يحمل جميع الأبناء نفس الاسم وبالتالي يكون التشابه حتي الجد السادس. ويقول: «بمناسبة القضية الأخيرة تحديدا، فإن ما أثير حولها يأتي من قلة التحريات أو انعدامها، لانه إذا كان هناك مواطن بلغ السادسة عشرة من العمر، فالغالب أن يحصل علي بطاقة رقم قومي، وبالتالي اذا ما اتهم شخص محدد بالاسم، فإن واجب التحري هو الكشف عن هذا الاسم في سجل الأحوال المدنية، والكشف عن رقم بطاقته وموطنه وكل ما يستدل به عليه من خلال الرقم القومي سواء كان هذا المتهم قد تم ضبطه وسؤاله أم كان هاربا لم يتم ضبطه أو استجوابه. وطالما أثبتت التحريات أنه شارك في جريمة معينة فعلي التحريات أن تستمر للكشف عن الاسم بالكامل- ومازال الكلام لرئيس محكمة الجنايات سابقا- فإذا لم يتيسر لصغر سنه أو انه لم يكن قد حصل علي بطاقة رقم قومي فيستدل عليه من بطاقة الرقم القومي للوالد أو الوالدة حتي نتحاشي تماما محاسبة مواطن بريء. ويضيف: «هذا الإجراء بسيط جدا ولا يأخذ وقتا أو مجهودا أو تكاليف فهناك بالفعل قواعد بيانات مسجلة بالرقم القومي، وكل المطلوب تزويد كمائن التفتيش عن تنفيذ الأحكام بصورة من بطاقة الرقم القومي للمطلوبين». والمحكمة اذا تبينت أن الماثل أمامها ليس المطلوب أو المقصود من الحكم الذي صدر تٌخلي سبيله، وقد يستغرق ذلك أياما أو أسابيع، وبالتالي فإنه في حالة تقديم محضر تحريات يتعين علي مجري التحريات في حالة عدم ضبط المتهم أن يقدم برفقة المحضر صورة من بطاقة الرقم القومي للمتهم . فإذا لم يكن لديه بطاقة رقم قومي يتعين أن يقدم بطاقة الرقم القومي للأب أو الأم حتي يتحدد علي سبيل القطع الشخص المقصود بالاتهام، وحتي لايضار مواطن بفعل مواطن آخر نتيجة تشابه الاسماء ولاتقبل التحريات أو يلتفت لها إلا إذا كانت معززة بما يدل علي اسم، وشهرة شخصية المتهم المتحري عنه. ويقول المستشار رفعت السيد : لقد صادفنا خلال عملنا العشرات من هذه القضايا فعلي سبيل المثال مثل أمامي في إحدي القضايا شخص من القاهرة ومتهم بجريمة قتل في اسوان وبالطبع ردد كثيرا انه ليس الشخص المطلوب وانه ضحية تشابه اسماء لذلك طلبنا عرضه علي أهل المجني عليه الذين اكدوا أنه ليس الشخص المطلوب فتم اخلاء سبيله». مشاكل متعددة مشاكل تشابه الأسماء وتكرارها أو اختلاف بعض حروفها لا تظهر فقط في تنفيذ الأحكام، فقد صادف المستشار خالد الشباسي رئيس محكمة جنايات الجيزة المئات من الحالات التي تعرضت لمواقف انسانية شديدة الصعوبة بسبب تكرار الأسماء، وأوضح قائلا: «اختلاف الاسماء وبعض حروفها والتشابه بينها يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لسائر المواطنين، ويعطل الكثير من مصالحهم لا سيما أن بعض تلك البيانات مستمد في الاصل من سجلات ووثائق ودفاتر يدوية قديمة وتتجلي هذه المشكلة في كون مصلحة الاحوال المدنية لا تملك ولا تستطيع التعديل في وثائق الزواج والطلاق بخلاف شهادات الميلاد والوفاة حال كونها تابعة لوزارة العدل وليست للاحوال المدنية مما يوقع المواطنين في مشاكل جمة وعديدة بسبب كتابة بعض الاسماء أو الحروف بصورة خاطئة مثل محمود ومحمد، مما يترتب عليه أن تصبح بعض بيانات الشخص في قيد الميلاد والوفاة باسم وفي الزواج والطلاق باسم آخر، وهو ما قد ينطبق علي والديه ايضاً، وبالتالي لا يستطيع استخراج قيد عائلي، وهو أهم مستند تطالب به الجهات الحكومية عند التعيين والتجنيد وخلافه من الاجراءات الرسمية. أسماء مركبة ووفقا للشباسي فإن تشابه الاسماء هي »حالة مزمنة« أدت إلي العديد من المشاكل بسبب الأسماء المركبة فإذا وجه الاتهام لشخص يحمل اسما مركبا لا يتضح ذلك لمن ينفذ الحكم فيتم إلقاء القبض علي أي شخص يحمل نفس الاسم من دون وضع الاسم المركب في الاعتبار، ويظهر هذا أمام المحكمة بعد القبض عليه، وبعد أن تتم معارضته في الحكم ويتم اكتشاف ذلك بالسن أو شهادة المجني عليه أو الشهود، ويقول الشباسي: «لقد صادفنا العديد من القضايا التي تشابهت فيها الأسماء نتيجة عادة المصريين بإطلاق اسم الجد علي الحفيد فيكرر الأسم أكثر من مرة في أكثر من محافظة وقد تحدث الكارثة إذا تكرر الاسم الخامس». وبالرغم من أنه تم وقف إطلاق الأسماء المركبة فإن أثر هذه العادة مازال ساريا مع هذا الجيل في اسماء الجدود والآباء فضلا عن الاختلاف في بعض الحروف. ويضيف: «لقد صادفت في إحدي القضايا تسجيل اسم احد الاشخاص في مصلحة الاحوال المدنية علي انه الشابيبي وليس الشابيني رغم ان كل بيانات الشخص تحمل اسم الشابيني مما تطلب من الشخص إحضار قسيمة زواج والديه التي مضي عليها أكثر من 60 عاما بدعوي أن الاحوال المدنية لا تستطيع التصحيح في بيانات الزواج والطلاق». توحيد الجهات ويري رئيس محكمة جنايات الجيزة أن كل هذه المشاكل تنتهي عن طريق عمل برنامج موحد يشمل كل بيانات المواطن علي أن يراعي في حالات الاسماء الدارجة والمتشابهة أن يكون الاسم سداسيا وليس خماسيا وأن تكون المنظومة متربطة بين الجوازات والمرور والأحوال المدنية ووزارة العدل بحيث تضحي بيانات الشخص لا لبث ولا غموض فيها، ويقول: «لا ينال مما سلف ذكره أن الرقم القومي يظهر الكثير من البيانات ولكن العبرة بتنفيذ الحكم علي الشخص المطلوب فالشرطة تنفذ دون التأكد من الشخص المعني بالحكم مما يجبر شخصا بريئا علي المعارضة في حكم والتعرض للحبس والترحيل وغيرها من الاجراءات التي قد تستغرق فترة من الوقت، فقد صادفني في إحدي القضايا أن تم القبض علي شاب عمره 22 عاما بينما المتهم الوارد بياناته في القضية عمره 57 عاما فتم إخلاء سبيله فوراً». ويوضح الشباسي أن القضاء يحرص علي تحديد شخصية المتهم بكل الدلالات حتي إنه عند صدور حكم ضد شخص يتم ذكر اسم الشهرة له اذا كان يطلق عليه واحد كنوع من الدلالة علي المتهم وشخصيته. ويضيف: «إن منظومة الأحوال المدنية باتت تستحق التعديل والتطوير الشامل والربط الكامل مع الجهات الاخري، ونحن لا ننكر ما يبذل من جهد حاليا ولا ننكر أن الخدمة قد تطورت، بيد أن الخلل في البيانات المدونة والمستمدة والمسجلة». ويطالب الشباسي بتدخل تشريعي عاجل لإعطاء الأحوال المدنية حق التعديل والتصحيح الفوري لكل بيانات المواطن وأن تربط بكل الجهات المعنية وأن تكون الجهة الوحيدة المنوطة بذلك. دعوي تعويض المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الاسبق يوضح أن الإجراء القانوني الذي يتبع في حالة تشابه الأسماء هو الطعن في الحكم امام محكمة النقض ويثبت ان الشخص المقبوض عليه ليس هو المتهم و بالتالي يتم نقض الحكم وإلغاؤه ومن حق الشخص البريء أن يرفع دعوي تعويض ضد الدولة ووزارة الداخلية.