وصف المخيف فى عنوان هذا المقال ربما ينطبق على العديد من وزراء الداخلية فى الذاكرة الجماعية للمصريين . فهو على سبيل المثال لا الحصر قد يستدعى وزير السادات النبوى اسماعيل .وكلا من زكى بدر وحبيب العادلى وزيرى مبارك . لكنى هنا اتحدث عن شعراوى جمعة وزير داخلية عبد الناصر بين عامى 66و1971 .وهذا بمناسبة اصدار مركز الأهرام للنشر كتاب الصديق والزميل محمد حماد:شعراوى جمعة شهادة للتاريخ. والكتاب يحمل أيضا عنوان: وزير داخلية عبد الناصر . وهو بالطبع ليس بمذكرات أو ذكريات .لكنه يستحق القراءة. فهو يقوم على 450 دقيقة سجلها الوزير الراحل فى غضون عام 1986 عند مركز التوثيق الناصرى للاذاعى الراحل أيضا محمد عروق. ويتضح بعد القراءة ان معظم صفحات الكتاب حول العلاقة مع السادات رئيسا بعد وفاة عبدالناصر ومقدمات ومجريات أحداث مايو 1971. وقد انتهت ضمن نتائج أكبر وأوسع الى الإطاحة بشعراوى من وزارة الداخلية ومعها مناصب أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكى والأمين العام لتنظيم طليعة الاشتراكيين. وقد يكون شعراوى جمعة هو أبرز وزراء الداخلية فى تاريخ مصر الذين جمعوا الى جانب منصبهم الخطير هذا كل هذه المسئوليات والمناصب القيادية السياسية .هذا مع ان لاحقين له جمعوا أيضا عضوية مواقع قيادية بالحزب الحاكم . وقد يكون من أكثر وزراء الداخلية اتصالا بالمثقفين والكتاب .فقد رعى مؤتمر الأدباء الأول عام 1969. طبعا هذه الرعاية طريفة عندما تأتى من وزير داخلية حتى لو كانت بحكم مناصبه السياسية الأخري. و من الطبيعى أن يكون الراعى محل سخط وانتقاد مثقفين وشكواهم من مناخ يسوده الخوف من الاعتقال وتقارير المتلصصين والأمن. وهو ما كان وسجلته كتب وذكريات منشورة للعديد من مثقفينا ومبدعينا . وعلى أى حال فإن شهادة الرجل يرحمه الله لاتخلو من الاعتراف بأخطاء .لكن ليس من بينها هذه الخطايا. وهذا الاعتراف جاء فى سياق تفسير لماذا نجح السادات ببساطة فى الاطاحة بمايسمى بمجموعة مايو .تلك التى يعتقد كثيرون بأنها الأخلص لنهج الزعيم عبد الناصر بما تضمنه من ايجابيات على صعيد التحول الاجتماعى والتنمية والتحرر الوطنى . ولعل ما يلخص هذه الأخطاء وفق الكتاب الشهادة هو الضغط على الجماهير كى تقبل بالسادات خليفة لعبدالناصر ثم اهمالها فى الخلاف والصراع معه لاحقا . وهنا يتكشف بشهادة الرجل تزوير الاستفتاء على السادات رئيسا فى منتصف أكتوبر 1970 بنسبة اقبال 85 فى المائة وموافقة 90 فى المائة . ولعل شهادة شعراوى تدينه أيضا عندما كرر مرارا أنه كان وغيره على علم بأن السادات لم يكن فوق مستوى الشبهات فى علاقاته وتصرفاته الشخصية والسياسية داخل مصر وخارجها . ومع هذا يعترف بأنه وقف الى جانبه داعما له فى صعوده الى الرئاسة . ثمة الكثير الذى يستحق التوقف فى هذه الشهادة المهمة من رجل بهذا الوزن فى تاريخ البلد . ولقد بذل كاتبها ومقدمها جهدا مشكورا فى تزويدها بهوامش من شهادات وكتابات لآخرين تظل بمثابة اضاءات واضافات مهمة على النص الرئيسى .لكن هذا الجهد غاب فى تحدى رواية شعراوى عن مظاهرات فبراير ونوفمبر 1968. وعلى الأقل لدينا هنا رسالة دكتوراه للراحل الدكتور أحمد عبد الله رزة من جامعة كامبريدج . وهناك أكثر من طبعة لترجمتها باللغة العربية بعنوان الطلبة والسياسة فى مصر . وبهذه الرسالة الموثقة ما يكشف عن تهافت رواية وزير الداخلية بشأن الأحداث بما فى ذلك استخدام الشرطة للرصاص . وأيضا محاولة الرواية نزع الاطار السياسى المعارض لاخطاء عبد الناصر الكبرى بشأن غياب الديمقراطية ومسئوليته عن هزيمة 67. فقد كان لهذا الزعيم بالقطع أخطاء كبرى كما انجازاته الكبرى العظيمة . لكن شهادة شعراوى لم تبرز اضطرار عبد الناصر الى اعلان اصلاحات بيان 30 مارس كنتيجة لانتفاضة الطلاب والناس عام 1968. ولعل الخطأ الأكبر الذى لم يعترف به وزير داخلية عبد الناصر أبدا هو غياب الديمقراطية واهدار حقوق المواطن الانسان واعلاء الولاء الشخصى للحاكم وسيادة عبادة الفرد وتقدم أهل الثقة على أهل الخبرة . وبالطبع هذه عيوب فى جوهر النظام .وليست مجرد أخطاء عارضة أو سطحية . وقد قادت لافقط الى هزيمة يونيو 67 بل و الى انقضاض السادات فمبارك بسهولة على منجزات عبد الناصر الاجتماعية و الوطنية . ولعل فى تجاهل الشهادة لهذه الجوهرية ما يدفع للتساؤل عن حدود اعتراف الشاهد بأخطائه وبشأن تذبذبه بين القول بالضغط على الجماهير و تجاهلها . بدلا من المصارحة بتضليلها واحتقارها . والمشكلة فى وزراء الداخلية أن يجرى اقترانهم باسماء الرؤساء، وأن يتأثر عملهم بالولاء للحاكم وبميوله وخصوماته وبالنظام السياسى وعيوبه. وهناك فارق فى نضج نظم الحكم من بلد لآخر يجرى اختباره وفق احترافية اجهزة الأمن وحياد وزراء الداخلية بين القوى السياسية واعلاء الولاء للدستور والقانون وحقوق المواطن فوق الارتباط بالحاكم الفرد وميوله والتوجهات السياسية السائدة . لكن كل هذا شيئا وأن يكون وزير الداخلية سياسيا فى ادارته لشئون الأمن بالبلاد شئ آخر.فهذا المنصب مطلوب فيه الحس السياسى بالطبع . وهو حس لا تشهد عليه بأى حال كثرة المناصب السياسية. وشهادة شعراوى جمعة نفسها خير دليل. [email protected] لمزيد من مقالات كارم يحيى