توفى مساء أمس الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة والرئيس الشرفى للمجلس القومى لحقوق الإنسان وعميد الدبلوماسية المصرية عن عمر يناهز 94 عاما، بعد معاناة قصيرة مع المرض لم تستغرق أسبوعا داخل أحد المستشفيات بحى المهندسين بالقاهرة عقب أصابته بكسور شديدة فى الحوض إثر سقوطه فجرا فى منزله . وعقب وفاته بدقائق قام رافائيل داريو راميريز سفير فنزويلا والرئيس الحالي لمجلس الأمن بالأممالمتحدة خلال جلسة المجلس أمس بابلاغ اعضاء المجلس بوفاة الأمين العام الأسبق للمنظمة الدولية، ووقف الأعضاء حدادا دقائق على روحه وسادت على مستوى العالم أجواء شديدة من الحزن لوفاة الدكتور بطرس غالى . ونعى الرئيس عبد الفتاح السيسى وفاة الدكتور غالى فى بيان لرئاسة الجمهورية، وكان قد أجرى اتصالا هاتفيا به منذ أيام للاطمئنان عليه عقب دخوله المستشفى لتلقى العلاج وطلب توفير الرعاية الصحية اللازمة أو سفره للخارج ، وفضل الأطباء عدم خروجه من المستشفى نظرًا لحالته الصحية غير المستقرة. كما نعى بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة، خلال كلمته فى نيويورك الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة ووصفه بأنه كان شجاعا فى تعامله مع العديد من القضايا،كما أن تعهداته وخطواته بالأممالمتحدة كانت لا تخطئ وكانت فى مصلحة الامم. وأعرب بان كى مون عن تعازيه الحارة للشعب المصرى لفقدان الدكتور بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والذى أشرف على العديد من المهام ولعب دوراً فى تقديم الحلول وتذليل العقبات ما بعد الحرب الباردة وكان له دور مهم فى وضع أجندة فى السلم والسلام والديمقراطية. ومن المفارقات وفاة الدكتور بطرس غالى قبل أجرائه جراحة للمرة الثانية حددها الأطباء المعالجون له لثبيت عظام الحوض بعد سقوطه فى منزله بالقاهرة عندما طلب من أسرته الأستعداد مبكرا للذهاب لمجلس حقوق الانسان ونقل على أثرها للمستشفى ،ولازمه حتى الساعات الاخيرة من حياته السفير مخلص قطب الامين العام للمجلس وأحد المقربين منه . بينما أجرى الدكتور بطرس غالى الجراحة الاولى لتثبيت عظام الحوض منذ شهور فى باريس عندما سقط فجأة فى أثناء سيره، وشعر بسعادة عقب أفاقته من الجراحة واعتبرها معجزة فى أن يستعيد قدرته على الحركة والمشى، وبرغم تقدم سنه ظل يطلع يوميا على احدث التقارير عن الاحداث العالمية ويقرأ الكتب والصحف الدولية ويدلى برأيه وتعليقه عن أهم المستجدات فى الساحة. وخلال فتره وجوده فى المستشفى التى أمتدت لنحو عشرة أيام ظل خلالها الدكتور غالى يتحدث مع كل الذين حضروا لزيارته ويتجاذب معهم الحديث ومنهم السيد عمرو موسى الامين العام السابق للجامعة العربية، برغم نصيحة الاطباء له بعدم إجهاد نفسه. وفضل الدكتور بطرس غالى خلال السنوات الاخيرة قضاء معظم وقته داخل مصر بمكتبه بمجلس حقوق الانسان والإقلال من فترة وجوده فى باريس،من أجل المشاركة فى الانشطة العامة بمصر والقاء المحاضرات للدبلوماسيين الجدد بوزارة الخارجية، والسفراء الأفارقة ولقاء طلاب الجامعات حيث كان يجد متعة شديدة فى التواصل معهم والدفاع عن صورة مصر بالخارج ونقل خبراته الكبيرة والتنقل فى عدة محافظات لالقاء محاضرات عن حقوق الانسان، وأخذ موقفا مساندا لثورثى 25 يناير و30 يونيو. وبوفاة الدكتور بطرس غالى تكون مصر فقدت احد السياسيين البارزين، وأحد حكماء قارة أفريقيا ومهندس اتفاقية السلام "كامب ديفيد"، و الذى شارك بقوة فى الافراج عن نيلسون مانديلا، وواحدا من المناضلين الشرفاء عن قضية حقوق الأنسان على مستوى العالم، والذى أسس المجالس الوطنية لحقوق الانسان فى العالم ، وفقدت الاهرام أحد كبار صحفيها الذى أستمر فى العمل بها 37 عاما متصلة، حيث أسس مجلة الاهرام الاقتصادى ومجلة السياسة الدولية ، وترك خلفه تاريخًا طويلًا من الإنجازات، ونجح في حفر اسمه بأحرف من ذهب . وينتمى الدكتور غالى الى عائلة سياسية كبيرة تمتلك سجلًا طويلًا من المناصب السياسية، بدأ مع جده بطرس باشا غالي رئيس الوزراء المصري في عهد الاحتلال البريطاني الذي اغتيل عام 1910، كما أن والده كان وزير المالية المصري سابقًا. وكان الدكتور بطرس غالى قد تولى منصب أمين عام الأممالمتحدة 1992 حتى عام 1996 ليصبح أول عربي يتولى هذا المنصب، ولم تمتد رئاسته لفترة ثانية بسبب استخدام الولاياتالمتحدة لحق الفيتو بعد انتقادها له علانية ، عقب نشره لتقرير قانا عن المذبحة الاسرائيلية للفلسطينيين بقانا، لأن ضميره الانسانى انحاز لكشف فضائح اسرائيل ضد الشعب الفلسطينى . ولم يرضخ لضغوط أسرائيل وامريكا وفقد منصبة ثمنا لايمانه بالمبادىء الإنسانية لكنه خرج مرفوع الرأس وحاز احترام وتقدير العالم حتى وفاته وواصل دوره حتى لحظاته الاخيرة فى الدفاع عن حقوق الانسان حيث شارك فى اصدار الميثاق الافريقى والميثاق الاسلامى والميثاق العربى لحقوق الانسان، وظل يرى حتى انفاسه الاخيرة اهمية الدفاع عن حقوق الانسان العربى والافريقى وقيام مصر بدور كبير فى هذه المسيرة . وخلال توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، دعم غالي بشدة دور المنظمة الدولية في الوساطة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما شهدت ولايته عمليات صعبة وطويلة الأمد لحفظ السلام في البوسنة والهرسك، والصومال، ورواندا ،وقاد في 1995 احتفالات الأممالمتحدة بالذكرى الخمسين لتأسيسها . وترأس غالي منظمة الفرانكوفونية الدولية بعد الأممالمتحدة ، و آخر مناصبه رئاسته المجلس القومى لحقوق الإنسان في مصر، والذي استقال منه عام 2011 عقب ثورة 25 يناير ليعود رئيسا شرفيا للمجلس عقب ثورة 30يونيو حتى وفاته، وأستمر فى الحضور اليه حتى مرضه الاخير، كما قاد العديد من الوفود فى اجتماعات منظمة الوحدة الإفريقية وحركة عدم الانحياز. وشغل الدكتور بطرس غالى منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الخارجية في مصر منذ مايو 1991، ووزيرا للدولة للشئون الخارجية من أكتوبر 1977 وحتى 1991 وكان عضوا في البرلمان عام 1987 و نائبا لرئيس الاشتراكية الدولية إلى أن تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة ، وسافر غالى مع الرئيس السادات فى زيارته التاريخية للقدس وحضر قمة اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام وكان له دور فاعل في الاتفاق بين مصر وإسرائيل حينها. وحصل الدكتور بطرس بطرس غالى على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة باريس في عام 1949، وحصل على دبلوم في كل من العلوم السياسية والاقتصاد والقانون العام من جامعة باريس ،وعمل أستاذًا في القانون الدولي في الفترة بين عامي 1947 و1977 بجامعة القاهرة، والتي حصل منها على البكالوريوس في الحقوق عام 1946. وتقلد الراحل دكتوراه في القانون من معهد الدولة والقانون التابع لأكاديمية العلوم الروسية بموسكو (سبتمبر1992 ) ودكتوراه فخرية من معهد الدراسات السياسية بباريس (يناير 1992) وجائزة كريستيان هيرتر التذكارية المقدمة من مجلس الشئون العالمية ببوسطن (مارس 1993)؛ ودكتوراه فخرية من جامعة لوفين الكاثوليكية، ببلجيكا (أبريل 1993)؛ وجائزة "رجل السلام" المقدمة من مؤسسة "المتآزرون من أجل السلام" بايطاليا (يوليو 1993)؛ ودرجة دكتوراه فخرية من جامعة لافال بكيبيك (أغسطس 1993)، وجائزة آرثر هوتون الإبن المعروفة بجائزة "ستار كريستال للامتياز" والمقدمة من المعهد الإفريقي الأمريكي، بنيويورك في نوفمبر 1993. وحصل الدبلوماسي المصري على أوسمة وجوائز من 24 دولة من بينها مصر وبلجيكا وإيطاليا وكولومبيا وجواتيمالا وفرنسا وإكوادور والأرجنتين ونيبال ولوكسمبورج والبرتغال والنيجر ومالي والمكسيك واليونان وشيلي وبروني وألمانيا وبيرو وكوت ديفوار والدنمارك وجمهورية أفريقيا الوسطى والسويد وجمهورية كوريا، كما منحه المعهد الدولي للقانون التابع لأكاديمية العلوم الروسية الدكتوراه الفخرية عام 1992 ومن معهد الدراسات السياسية بباريس عام 1993 ومن الجامعة الكاثوليكية في لوفان ببلجيكا عام 1993 أيضًا كما حصل على جائزة رجل السلام برعاية مؤسسة معا من أجل السلام في يوليو 1993.