بعشرة جنيهات فقط لاغير.. يمكنك التجول في أدغال افريقيا، ثم الغوص الى أعماق المحيطات.. تستكشف حياة الكهوف وزواحفها، وتقترب من أشرس الكائنات وتتأملها دون أن تؤذيك.. تستمتع بألوان العصافير والطيور التي تراها عيناك للمرة الأولى، وتتعجب من تلك المخلوقات العجيبة التي لم تكن لتتخيل وجودها من الأصل، ما بين ضخامة مفزعة، وضآلة مفرطة.. والمضحك، أنك ستعرف أخيرا شكل «الجربوع» و»الحلوف» ، وستدرك حينها سر تشبيهنا للبعض بها على سبيل الذم أو السخرية، والأهم من هذا وذاك.. أن تلك الرحلة لن تكلفك سوى الذهاب الى حديقة الحيوان بالجيزة، حيث تحتضن أقدم متحف للحيوان في الشرق الأوسط، يبلغ عمره المائة عام. ربما تكون كلمة» متحف» أصابتك بخيبة أمل، بكل ما تحمله من دلالات وصور ذهنية في رأسك تعود الى أيام المدرسة.. فما المتحف سوى مكان « مترب» يسوده الصمت والملل ، يضم مجموعة من الفتارين والصناديق الزجاجية المتراصة بطريقة تقليدية، تضم أشياء «قديمة»، كتب أسفلها بضع كلمات توضح أهميتها، لكن هيهات أن يذهب لرؤيتها أحد بمحض إرادته.. لكن الصورة ستختلف لديك بالتأكيد عندما تدلف إلى المتحف الحيواني بحديقة الجيزة، والذي افتتح في أغسطس الماضي بعد أن ظل مغلقا لمدة 18 عاما، رغم أنه تم تطويره مرتين من قبل، الأولى في الستينيات ، والثانية في الثمانينيات، لكن هذه المرة ، اختلف الوضع تماما، من حيث الشكل والمضمون. فمن حيث الشكل، يتميز المتحف بعناصر الإبهار البصري من خلال الاهتمام بالتصميم وطريقة العرض والخلفيات الملونة الجذابة والواجهات الزجاجية الضخمة اللامعة، أما من حيث المضمون، فهو حديث طويل، بدأناه مع د.سوزان كمال عريضة وهى، ترتدي ذلك «البالطو» الأبيض، وقد جابت معنا المتحف ركنا بركن، تشرح بذات الابتسامة ، وتفخر بمجهود فريق عمل ضخم، استمر لأكثر من عامين، حتى دبت الحياة في المتحف من جديد. د.سوزان أرجعت الفضل في عودة أقدم وأكبر متحف للحيوان في الشرق الأوسط، لكل من الدكتور أسامة سليم-الرئيس السابق للهيئة العامة للخدمات البيطرية- ود.فاطمة تمام- الرئيس السابق للإدارة المركزية لحدائق الحيوان-، اذ عزما على أخذ زمام المبادرة لفتح أبواب أقدم متحف للحيوان في الشرق الاوسط من جديد. وتتابع د.سوزان:» بدأنا فورا في تصنيف المومياوات المحنطة والتي تم تخزينها في مخازن الحديقة لمدة 18 عاما، وعددها يصل الى آلاف القطع ، وكان يتم رشها بصفة دورية بمواد خاصة للحفاظ عليها من التلف، وأعدنا تقسيم المتحف ليصبح مكونا من ثلاثة طوابق بعد أن كان طابقا واحدا، ويضم الطابق الأول ديوراما الحياة الإفريقية، والأراضي الرطبة والبيئة الصحراوية، وعرضا مكشوفا لهياكل عظمية في بهو المتحف، أما الطابق الثاني فيضم عرضا لبيئة الحيوانات المصرية والزواحف وقاع البحر، والأمازون، أما الطابق الثالث فيضم الطيور بتقسيماتها العلمية المختلفة. المتحف وضع نواته مستر سميث فلور وكان مدير حديقة الحيوان في اوائل عشرينيات القرن الماضي، وهنا ترجع د. سوزان الفضل لجيل الرواد الذي فكروا في تحنيط أي حيوان ينفق في الحديقة، بل حتى البيض الذين لم يفقس لأي سبب من الأسباب تم الاحتفاظ به وتحنيطه، ولولا نظرتهم المستقبلية تلك، لما كان لدينا هذا المتحف الان، وهذه الثروة لم نتمكن من عرضها كلها، اذ يوجد بالمخازن عدد يقترب في حجمه من المعروض، وهو ما يعني امتلاك مصر لثروة من المومياوات الحيوانية ،لا يوجد لها مثيل في العالم، وفقا لما أكده لنا بعض الخبراء الدوليين الذين زاروا المتحف، خاصة أن منها ما يمثل حيوانات انقرضت بالفعل». بلغة الأرقام، يضم المتحف 1352 طائرا مُحنطا، 555 من الثدييات، و259 من الزواحف، و115 من الجماجم، 49 من الرءوس، و35 من الهياكل العظمية، كما يضم جلودا محنطة أبرزها جلد «الأصلة»- إحدى فصائل الثعابين-، ويعود عمر بعض تلك المحنطات الى عمر حديقة الحيوان نفسها الذي تجاوز المائة عام، بينما يعود بعضها لأواخر القرن التاسع عشر، أما أحدث مومياء في المتحف فهي لإنسان الغاب، إذ تم تحنيطه منذ خمس سنوات مضت. علامات من أبرز علامات المتحف، وجود نمر مصرى كان يعيش فى سيناء، والغزال الأبيض الذى كان موجودا في مصر قبل مائة عام ، والتمساح النيلى المحنط بالطرقة الفرعونية الذي تم جلبه من أحد المعابد في كوم أمبو، ولا يوجد له مثيل فى المتاحف العالمية، بالإضافة إلى طائر أبومنجل المقدس لدى الفراعنة والذى انقرض من مصر، كما يعرض في المتحف لأول مرة مجموعة نادرة من الفراشات الملونة لفتت انتباه كل الزائرين بألوانها الساحرة، فلا يمر أحد من أمامها إلا ويتشكك في كونها طبيعية، فتؤكد لهم الدكتورة سوزان أنها محنطة، كما يتعرف الزائر على دورة حياتها كاملة ، بنماذج طبيعية محنطة أيضا، كما يلفت انتباه الزائرين ذلك الركن الذي تم تخصيصه لعرض هياكل عظمية للمُقارنة بين تكوين الإنسان والشمبانزى وإنسان الغاب، لتقف منبهرا وتتساءل هل يا ترى كنت ستميز الفرق دون قراءة البيانات المدونة؟! المتحف بما يحويه من ثروة أثرية هائلة، يستهوي الجميع بغض النظر عن اهتماماتهم وأعمارهم، وهو ما لمسناه بالفعل، فالأطفال يقفون مشدوهين بكل تركيز أمام الفتارين الزجاجية، تماما مثل آبائهم خاصة مع وجود بعض المقتنيات القديمة من صور نادرة تم التقاطها فى حديقة حيوان الجيزة، والأقفال القديمة لاقفاص الحيوانات، علاوة على ذلك فالمتحف يعد مرجعا أساسيا لطلاب العلم والدارسين، اذ يوفر بيئة بصرية لمختلف الأنواع الحيوانية ورتبها وفصائلها، بشكل تفصيلي أدهش الجميع، حتى أن الكثير من الزائرين أمطروا مضيفتنا د. سوزان بعبارات الشكر والامتنان على هذا المجهود الضخم . كل ما تمنيناه من الإدارة الجديدة لحديقة الحيوان هو عمل كتيب ارشادي صغير لكل زائر،يكون له بمثابة الخريطة التي تساعده في التجول واستكشاف المكان بالصورة المرجوة، وهو ما وعدتنا به الدكتورة سوزان، مشيرة إلى أنهم بالفعل كانوا ينوون عمل ذلك الكتيب بالتزامن مع موعد الافتتاح ، لكن تعذر التنفيذ في ظل الضغط الرهيب الذي صاحب الإعداد والتجهيز للمتحف، و كان يتطلب من فريق العمل مواصلة الجهد دون راحة، وان كانوا حينها في غاية الاستمتاع بعملهم..