المراقب جيدا لمشكلة اللاجئين، يدري تماما أن أوروبا الآن حائرة، تدور حول نفسها، ولا تدري ماذا تفعل بشأن اللاجئين الذين غزوها برا و بحرا خلال الأشهر الأخيرة وهكذا تنعقد اجتماعات وتنفض، دون أي نتيجة.. نقاشات وجدل لا ينتهي على المستوى المحلي لكل دولة، وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.. انتقادات، واتهامات، وتهديدات، بجانب قرارات طائشة مثل قرار الدنمارك مصادرة أموال وممتلكات اللاجئين. أو تصريحات مرعبة مثل مطالبة زعيمة "حزب البديل من اجل ألمانيا"، بإطلاق النار على اللاجئين لمنعهم من دخول البلاد، وباختصار كبير بات موضوع اللاجئين و المهاجرين غير الشرعيين هو الشغل الشاغل و العقبة التي تحير أوروبا في الوقت الحالي. لقد شدد وزير الداخلية الألماني الذي أجري أخيرا زيارة رسمية لأثينا، على ضرورة «الحد من تدفق» اللاجئين القادمين من تركيا إلى اليونان، موضحا في لقاءاته مع المسؤولين اليونانيين أن أوروبا تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في أزمة اللاجئين، والهدف لا يمكن أن ينحصر في تسجيل وصولهم قبل توزيعهم في شكل عادل بين دول أوروبا، بل الحد من أعدادهم. العاصمة اليونانية أثينا أصبحت مثل خلية النحل في استقبال ولقاء مسؤولين أوروبيين و الذهاب بهم إلى أرض الواقع في الجزر التي تستقبل اللاجئين، ورؤية كيفية عبورهم البحر والمخاطر التي يتحملوها وأيضا لرؤية أن الجانب الآخر أي تركيا تغض الطرف عن خروج عشرات القوارب يوميا إلى جزر اليونان، هنا يبحث المسئولون الأوروبيون مع نظرائهم اليونانيين كيفية مواجهة هذه الأزمة والتسريع من بناء وتجهيز مراكز استقبال للاجئين، والتي وفقا للمراقبين لن تحل المشكلة في ظل استمرار إبحار القوارب يوميا من الشواطئ التركية باتجاه جزر اليونان المتناثرة في بحر ايجة والبحر المتوسط. مصادر أمنية ذكرت أن برلين تلقت أكثر من مائة بلاغ بوجود مقاتلين من «داعش» بين لاجئين في ألمانيا. و الشرطة اليونانية اعتقلت مؤخرا إرهابيين إثنين أثناء توقيف إحدى الحافلات المتجهة إلى مدينة الكساندروبوليس الواقعة على الحدود مع تركيا، حيث اعتقلت رجلين يحملان جوازي سفر سويديين من أصل بوسني والآخر من أصل يمني، ومعهما أدوات قتالية، وتبين أن المشتبه فيهما ينتميان لمجموعات إرهابية وكانا قيد مراقبة الشرطة قبل ذلك في البوسنة والسويد ، وأدانهما القضاء اليوناني وتم وضعهما في السجن الاحتياطي لحين المحاكمة. وأخيرا، أعلنت اليونان أن العمل سوف يبدأ في مراكز لتسجيل المهاجرين بحلول الأسبوع المقبل، وذلك إثر ضغوط متزايدة من شركاء اليونان داخل الاتحاد الأوروبي وتهديدات بإخراجها من منطقة شنجن و التي لا يستخدم فيها جواز السفر على الحدود الداخلية بين الدول الأوروبية، ما لم تفعل المزيد من أجل احتواء اللاجئين. وحث وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي أثينا على أن تفعل المزيد من أجل السيطرة على تدفق المهاجرين، وهدد بعضهم باستبعادها من شنجن في الوقت الذي زادت الأزمة من انقسام كتلة الاتحاد الأوروبي، وتسعى السلطات اليونانية جاهدة للسيطرة على التدفق المتزايد للمهاجرين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية المتناثرة في بحر ايجة و البحر المتوسط، فيما تحاول الخروج من إحدى أسوأ أزمات الديون خلال عقود. وقال وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس إن اليونان ستفي بالموعد النهائي المقدر في الشهر الجاري لاستكمال 5 مراكز لتسجيل اللاجئين الواصلين إلى الجزر اليونانية، موضحا أن تلك المراكز تقع في المناطق الساحلية التي تشهد وصولا كثيفا للاجئين، وهي الأقرب إلى تركيا، فضلا عن مركزين لإعادة التوطين داخل اليابسة. وسوف تتولى مراكز التسجيل الجديدة مهمة تصوير المهاجرين الواصلين حديثًا إلى اليونان والحصول على بصماتهم، ومن ثم منحهم مهلة إما لطلب اللجوء، أو العودة مجددًا إلى ديارهم، كجزء من الإجراءات الهادفة للسيطرة على أزمة الهجرة. ومن جانبها ، أطلعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، على نتائج زيارتها لتركيا، و وفقا للناطقة باسم الحكومة فان النقاش دار حول مقترحات بمشاركة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مكافحة عصابات تهريب البشر بحريا بين اليونان وتركيا وأن مشاركة الحلف من الممكن أن تقتصر فقط على المياه الإقليمية التركية وليس اليونانية. وفي غضون ذلك، حثت المفوضية الأوروبية مجددا الدول ال28 الأعضاء في الاتحاد على تسريع استقبال اللاجئين وتطبيق آلية التوزيع المتفق عليها بين القادة الأوروبيين، التي استفاد منها نحو 500 مهاجر، وقال ديميتريس افراموبولوس المفوض الأوروبي لشئون الهجرة والجنسية إنه وجه رسالة إلى وزراء داخلية الدول ال28 ومضمونها واضح وشديد لتذكيرهم بأنهم ملزمون بقرارات توزيع اللاجئين التي يفترض أن تطبق على الفور لأن الوضع ملح. وكانت الدول ال28 قد وافقت ، في سبتمبر الماضي، بعد صعوبات على آليتي توزيع داخل الاتحاد الأوروبي لاستقبال 160 ألف شخص وصلوا إلى اليونان وإيطاليا. وبحسب آخر تقييم للمفوضية فإن هذه العملية تتم ببطء شديد مع إعادة إسكان 218 شخصاً من اليونان، و279 من إيطاليا فقط. وأضاف المفوض الأوروبي افراموبولوس و هو يوناني الجنسية أن على كل دولة عضو الآن أن تظهر مسؤولية أكبر. وتبقى اليونان في الخط الأول لمشكلة اللاجئين حيث تعتبر البوابة الأولى لدخول أوروبا من تركيا. ويخشى العديد من الدول الأعضاء في حال الفشل في تعزيز حدودها الخارجية التي هي حدود الاتحاد الأوروبي، أن ينهار نظام شنجن لحرية الحركة، في وقت تضاعف الدول تدابير إعادة فرض المراقبة على حدودها. وإزاء عدم فاعلية الآلية، يسعى المهاجرون للوصول بوسائلهم الخاصة إلى وجهاتهم المطلوبة وفي طليعتها ألمانيا والسويد. ولا يود العديد منهم أن يتم نقلهم إلى الدول الأقل ثراء في جنوب أوروبا وشرقها. وأقر دبلوماسي من أوروبا الشرقية بأن الشعور المسيطر في بروكسل هو أن هذا المشروع لن يطبق أبدا بالشكل المناسب، وانه مثالي أكثر مما ينبغي. ولفت الدبلوماسي إلى أن المفوضية الأوروبية لم تنجح في الدفاع بشكل فعال عن قضية دمج المهاجرين، في وقت أدت موجة أعمال العنف والتحرشات الجنسية في ليلة راس السنة في ألمانيا والتي نسب معظمها إلى مهاجرين إلى تأجيج الجدل. أما وزير الهجرة اليوناني يانيس موزالاس فقد قال «انهم لا يريدون أشخاصا من السود ولا عائلات كبيرة ويطلبون منا المزيد من الأمن» مشيرا إلى أن اقل من نصف الدول ال28 عرضت استقبال لاجئين. ودول أوروبا الشرقية هي الأكثر معارضة للخطة بحسب مسؤولين يعملون على تطبيق آلية إعادة توزيع اللاجئين الرامية إلى مساعدة المهاجرين الفارين من الحرب في سورية والعراق. ويذكر أن أثينا وروما لم تتقبلا الانتقادات الموجهة إليهما وهما تشيران إلى «البطء الشديد» في تدابير إقامة مراكز تسجيل الوافدين الجدد المكلفة غربلة اللاجئين ما بين لاجئين مؤهلين للحصول على حماية دولية ولاجئين اقتصاديين. وقال الوزير اليوناني موزالاس: «انها لعبة اللوم المتبادل». وعلي الأرض هنا في اليونان، يوجد العديد من اليونانيين وخصوصا من سكان الجزر السياحية التي تعاني من تدفق اللاجئين، يرفضون بناء مراكز للاجئين في هذه الجزر والتي تضررت كثيرا في الموسم السياحي الماضي، و دعا رئيس بلدية جزيرة خيوس يورغوس كيرتسيس الحكومة إلى التخلي عن إقامة مركز لتسجيل المهاجرين كما يريد الاتحاد الأوروبي خشية وقوع احتجاجات عنيفة، وحذر رئيس البلدية في رسالة وجهها إلي رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس من ان "هناك خطر حقيقي من وقوع ضحايا وان نجد أنفسنا في أوضاع خارج السيطرة"و علي نفس المنوال توجد احتجاجات ما زالت مستمرة في جزيرة كوس السياحية في بحر ايجة، و قد وقعت مواجهات وصدامات عنيفة بين الشرطة و الأهالي الأسبوع الماضي رفضا لبناء مراكز لاستقبال اللاجئين.