لفت الرئيس عبد الفتاح السيسى فى خطابه الى عدة نقاط تحتاج الى إعادة النظر اليها بعين فاحصة تعظم الإيجابيات وتتلافى السلبيات وتستفيد من التجارب والعثرات وهو ما دفعنا الى استشراف آراء الخبراء فى الصحة والتعليم والخطاب الدينى ونضعها بتجرد أمام المسئولين آملين أن تجد طريقها للتنفيذ العاجل بإذن الله. يقول فى البداية الدكتور إبراهيم محمود عميد صيدلة حلوان السابق والعميد الحالى لصيدلة جامعة الأهرام الكندية: لإصلاح المنظومة الصحية يجب البدء بتوفير نظام تأمين صحى ذى كفاءة وجودة عاليتين يضمن التشخيص السليم والعلاج الجيد سواء باستخدام الأدوية أو العلاجات الاخرى بما فى ذلك الاشعات والتحاليل وبطواقم طبية ومعاونة مرتفعة الكفاءة والتدريب للجميع، وبمعنى آخر تغطية التأمين الصحى للجميع على قدم المساواة والرعاية الطبية اللائقة بل الممتازة بغض النظر عن مستوى متلقى هذه الرعاية ماليًا واجتماعيا، فليس معنى فقر المريض أو تواضع مكانته اجتماعيا حرمانه بأى شكل من أبسط حقوقه الدستورية وهو العلاج الكريم بمعناه الشامل بدنيا ونفسيا. التعليم المستمر وأشير الى نقطة فى غاية الأهمية تعليميا وصحيا وهى التعليم المستمر للخريج وليس توقفه عن متابعة الجديد فى كل المجالات والتركيز بالطبع على تخصصه وليس التوقف عن تلقى العلم والمعرفة لتكون لحظة تخرجه هى الأعلى علميا، ثم يتسرب ما بقى لديه بمرور الزمن حتى نصل الى الخريج الأمى الذى نراه الآن امامنا، وتكون المصيبة أعظم فى المجال الصحى لما يترتب على ذلك من تأخر فى متابعة مستحدثات العلاج والتشخيص والدواء والتكامل بين الجميع لمصلحة المريض وتكوين الخبرات التى تتجاوز الفرد الى فريق العمل المتكامل، وهذا التكامل يعنى فى الاساس الطبيب والصيدلى والممرضة والتشاور بينهم، فالطبيب يشخص المرض، والصيدلى يصف الدواء بعد دراسة التاريخ المرضى للمريض، والممرضة تحدد كيفية إعطاء هذه الجرعات الدوائية طبقا لحجمها وتركيزها وعدد مرات تناول المريض لها وإذا كانت الحالة تقتضى يضاف الى الفريق الطبى تخصصات أخرى لتقل الاخطاء ويركز كل منهم فى تخصصه ومع الربط بينهم ترتفع النتائج، مع العلم بأن أحدث الاتجاهات العلمية فى الصيدلة اتجهت لما يعرف بالصيدلة الإكلينيكية التى لايصرف فيها الصيدلى الدواء للمريض إلا بعد مناقشة الطبيب المعالج والمريض نفسه عن الادوية الاخرى وتفاعلاتها فيما بينها والتاريخ المرضى للحالة التى أمامه لتحقيق أفضل النتائج وفى أقل زمن وبالحد الأدنى من الاعراض الجانبية، والدليل على أهمية ما أقول أن الولاياتالمتحدة - وهى الدولة الاولى فى العالم الآن اقتصاديا وعلميا، كما أنها من الدول المتقدمة جدا فى الخدمة الطبية على مستوى العالم - وجدت أن نقص التكامل بين الادوية سبب خسارة بلغت 176 مليار جنيه فى عام 2003 وحده، لذلك ظهر الاتجاه الى الصيدلة الاكلينيكية لتجنبه، فما بالنا بالدول النامية أو حتى الراغبة فى النمو. وأضاف كما أن دور المسنين يمر عليها بشكل دورى الصيدلى لمراجعة أدوية نزلائها وجرعات تناولها ومواعيدها وتعديل ما يلزم منها بعد مراجعة تشخيص الطبيب. وللعلم فإن بعض كليات الصيدلة فى مصر أدخلت هذا النظام لديها هنا فى مصر، لكن ليس بالمعنى المتعارف عليه فى الخارج لأن الصيدلى هناك يقضى 12 شهرا متواصلة فى أقسام المستشفيات المختلفة وضمن الفريق الطبى المكون فى أبسط صورة من طبيب وصيدلى وممرضة يناقش حالة كل مريض كما شرحنا ويحدد الأنسب له. طاقات علمية مهدرة أما الدكتور طارق الشرقاوى مؤسس وعميد طب أسنان قناة السويس السابق فيرى أن مصر لديها ليس فقط طاقات علمية بل ثروة قومية علمية منتشرة فى معظم بلاد العالم، لكن المسئولين عن تنظيم هذه الطاقات فى وزارات مثل التعليم والتعليم العالى والصحة والبحث العلمى لا يجيدون استغلال هذه الطاقات لسبب بسيط هو اعتمادهم على عدد محدود من المقربين ولا يسمح لغيرهم بالاقتراب من هذه الدائرة فنظل متجمدين لانراوح مكاننا بل كثيرا ما نتقهقر للخلف. ولا أزايد إذا قلت إن الجميع يعرف طريق الحل لكنه لا يرغب فى سلوكه لأنه يعنى التخلى عن دوائر المصالح والمقربين. وفى رأيى أن أخطر قرار وأعتبره البداية الصحيحة القرار الذى أصدرته أخيرا رئاسة الجمهورية بالسجن سنة و30 ألف جنيه غرامة على من يحاول الغش، وكلنا يحفظ عن ظهر قلب الحديث الشريف «من غشنا فليس منا» لكن قليلين يطبقونه، وأرجو سرعة تطبيق ذلك حرفيا وعلى الجميع لأنه لا يصح إلا الصحيح، وهذه الكارثة تحديدا جعلت الشك يطول كل شيء، ففى التعليم المجموع ومستوى الطالب والخريج للأسف الشديد بات الغش أسهل الحلول وسمة عصر انتشرت كالوباء بين طلابنا، ولم يعد يقتصر على مجال بعينه وانما فى كل شيء من البناء الى التجارة والاقتصاد والصناعة وأسأل الله تعالى أن يفعل هذا القرار حتى يقضى على طوفان الغش. ثم يأتى فى المرتبة الثانية حسن اختيار القيادات الواعية والمؤمنة بالتطوير العصرى الجاد لملاحقة ما يجرى حولنا حتى فى الدول الشقيقة التى حمل عبء تقدمها المصريون فى المجالات كافة عندما توافر لهم المناخ المشجع للعمل وغير المحبط للأكفاء، كما أن من آثار ذلك ولا ينتبه اليه البعض شيوع اصطياد الاخطاء وتجسيمها وليس علاجها أو تقديم الحلول لإصلاحها أو التخفيف من الآثار السلبية وأسوق مثالا روح 73 وروح 67 الفارق بينهما شاسع، ففى الاولى سادت روح الفريق فاتحدت الطاقات وتحقق الانتصار بفضل الله، وفى الثانية سادت الفردية والانعزالية فتفتتت الطاقات وساد اليأس والاحباط لنهزم بفعل ما جنيناه على أنفسنا. ومظهر آخر لابد من الاشارة اليه وهو سرقة الافكار والسرقة العلمية والتقليد دون وعى فقد ينشأ مركز متخصص فى العلاج بالليزر ويتتابع بعده المقلدون وينافسون بعضهم ويزيد العرض على الطلب وتنعدم الجودة. وقبل أن ينهى كلامه قال إن المنظومة الصحية فى مصر تهتم بالفئة العليا للمنظومة الطبية وهم الاطباء، بينما يجب بذل مزيد من الاهتمام إلى باقى المنظومة التحاليل والفنيين والتمريض، فالطبيب هو المايسترو والباقون لاغنى عنهم ويجب إنشاء كليات متخصصة لفنيى المعامل والاشعة والاجهزة التعويضية والاسنان لأنهم يعملون كما يقال « تحت السلم» خبرات وتأهيل علمى حقيقي، وهذا أهم أسباب ضعف مستوى العلاج فى مصر، لأننا قد نشترى جهازا حديثا لعلاج حالات مرضية سرعان ما يتوقف لعدم وجود الفنيين المدربين على صيانته لنخسر الجهاز وفرصة عمل لأحد أبنائنا ونسبة شفاء كبيرة وفرص علاج لمرضانا، وعندما نسافر الى إحدى دول الجوار الشقيقة نجد الطبيب مصريا، أما التمريض والفنيون فمن جنوب شرق آسيا. تجديد الخطاب الديني وحول هذا الموضوع شديد الأهمية يقول الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف سابقا وأستاذ الثقافة الاسلامية إن تجديد الخطاب الدينى مطلب دينى قبل أن يكون مطلبا سلطويا ومن فضل الله سبحانه علينا أن يوجد فى أمة الاسلام من يجدد لها دينها على رأس كل قرن مصداقا للحديث الشريف «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وحاجة الدين للتجدد نابعة من مسايرته للعصور كلها حتى لا يجمد فى أى فترة. أما تجديد الخطاب الدينى فهو فرع عن تجديد الدين ومطلب حياتى وفريضة شرعية حتى نصل بالدين لعقول وافهام جميع الفئات وفى مختلف العصور والبيئات، وهذا ليس مهمة سهلة ولن يتحقق بالمؤتمرات وحدها وإن بلغت الآلاف ولا بالإجراءات الادارية مهما تتعدد، وإنما بتجديد فكر وثقافة ووعى من يقومون به سواء أئمة المساجد وأعدادهم بعشرات الآلاف أو مدرسو المواد الشرعية فى المعاهد الأزهرية وهم بمئات الآلاف، ثم تجديد الخطاب الدينى لأبنائنا الطلاب من رياض الأطفال حتى الجامعة وهؤلاء بالملايين. حقبة الإصلاح ولن يتحقق هذا دون خطة شاملة لتجديد ثقافة ووعى كل هؤلاء فلن يتجدد الخطاب الدينى وإن بح صوت السياسيين. وهناك خطوات عملية اتخذت فى أوائل القرن الحالى بداية من عام 2002 حتى 2011 ظهرت بوادرها فى ضبط إيقاع الخطاب الدينى على المنابر، لكن للأسف التقلبات السياسية بددت هذا الجهد، وأدعو المسئولين لدراسة ما قدم من جهود فى هذه الحقبة والبناء عليه والاستفادة منه توفيرا للجهد والوقت. وفى النهاية كلنا أمل فى سرعة وصول مصر إلى المستوى اللائق بها وبتاريخها وقدرات أبنائها وهو ما نثق فى تحققه إن شاء الله.