طوال الوقت نتحدث عن الشرطة علي أنها ضباط فقط.. وعن الداخلية أنها هي السيد الوزير ومجموعة قيادات.. معتقدين أن مصالحنا ومشاكلنا ومطالبنا مع الأجهزة الأمنية تقف فقط بباب من يحملون الرتب ملازمين أو لواءات. متناسين أن هناك أضعافهم يؤدون أدوارا خفية أو علنية في المهام الأمنية.. وأن الشرطة ضباط وأفراد. قبل الثورة لم يكن لهم طلبات سوي الإكرامية والبقشيش والمواصلات...وبالأمس القريب أعلنوا عن وجه قاس وعنيف, ووجود منذر للجميع ضباط ومواطنين. بالرغم من أنها ليست المرة الأولي التي يعتصم فيها أمناء الشرطة هذا العام معلنين عن مطالب كثيرة معنوية ومادية وأدبية إلا أن اعتصامهم هذه المرة, كشف عن مرارة شديدة تسكن نفوسهم, إذ تطور الأمر بهم من الوقفات السلمية إلي حد إغلاق بعض أقسام الشرطة واحتجازالضباط والمأمور بداخلها, وإغلاق مديريات الأمن والأخطر قيام بعضهم بقطع الطريق أمام القطارات من أسوان إلي القاهرة والعكس. ورغم أن الداخلية تبدي استجابة للكثير من المطالب والتي رفعت بشأنها مشروعا لتعديل قانون الشرطة يتضمن أمورا من مطالبهم, إلا أن الوضع لم يهدأ خاصة مع عدم عقد مجلس الشعب جلسة طارئة كما يطلب الأمناء لمناقشة التعديلات المحالة إليه, لسنا هنا في معرض مناقشة قائمة المطالب التي أصدر بشأنها المعتصمون بيانا من ثلاث صفحات يتضمن22 مطلبا تدور حول العلاج, والترقي الوظيفي, ومكافأة نهاية الخدمة والحق في آداء الحج والعمرة بنظام الأقدمية المطلقة, إلا أن هناك مطالب نقرأ من ورائها وجود أبعاد نفسية وراء الأزمة, منها المطلب الخاص بإلغاء جميع اللافتات المدون عليها خاص بضباط الشرطة وكتابة بدلا من هذا خاص بأعضاء هيئة الشرطة وذلك كما يذكر البيان حتي تعود روح الألفة والمودة بين أبناء الجهاز الواحد!! تشديد الرقابة الأمناء هم سبب ثورة الشعب المصري تجاه الشرطة.. هذه كانت رؤية العميد محمود عبدالله مأمور مركز إمبابة مؤكدا أنه رغم أن هناك من الأمناء من يتحمل العبء ويؤدي مهامه بشرف وكفاءة إلا أنه يري أن تجربة استحداث مسمي ووظيفة أمين الشرطة التي بدأت في أوائل السبعينيات أثبتت فشلها, حيث كان الدافع وراء إنشاء معهد الأمناء هو النهوض بمستوي العسكري ليصبح لدينا أمين شرطة متعلم, فاذا بنا أمام أشخاص استشعروا سلطة في أيديهم, جعلت البعض منهم يتربح أكثر من خمسمائة جنيه يوميا كما تورط البعض الآخر في جرائم ووقائع تمس الشرف. ويؤكد أنه إذا رغبنا في الإصلاح فلابد أن تكون هناك رقابة مشددة علي عمل الأمين من جهات أمنية ورقابية, مؤكدا أن التقارير الحالية الخاصة بأمين الشرطة تبين فقط كفاءته من عدمها ولا تتعرض لفساده أو نزاهته. وبالنسبة للمحاكمات العسكرية التي كان إلغاؤها أهم مطالب ثورة الأمناء, يري محدثنا أنها تؤثر علي نظام العمل, لأن الضابط لا يستطيع أن يلزم الأمين بالخروج لمأمورية, وكانت المحاكمات العسكرية هي الرادع لديه من التقاعس عن العمل لأن الجزاءات الإدارية خصم أيام من المرتب لا تشغله كثيرا ولما سألناه عن شكواهم من تعسف الضباط أو تسخيرهم لمهام ومأموريات لا تخص العمل لم ينكر وقال: بالفعل البعض يفعل ذلك, والبعض كذلك يقبل والخطأ هنا مشترك من الجانبين, لأنه لا سلطة للضابط علي الأمين الذي يرفض قضاء مصالح خاصة للضابط أو أسرته ولكنه فساد, مشترك وتبادل مصالح بين الطرفين وبالمثل يضع العميد محمود عبدالله لوما علي المواطن المصري الذي يشجع كثيرا بسلوكه علي الإفساد مشيرا لواقعة حدثت أن ضابطا صغيرا قام بعد الثورة بكتابة محضر بنفسه لأحد المواطنين الذي جاء للقسم, ففوجئ الضابط بصاحب المحضر يدس في يده ورقة مالية فئة خمسين جنيها ويقول له: تعبناك معانا وبالطبع كانت أزمة كبيرة. أزمة نفسية الجانب النفسي للأزمة..كان منطلق تحليل الدكتورمحمد صلاح أبو رجب المستشار بمجلس الدولة لما يحدث حاليا مؤكدا وجود إحساس كامن بالندية لدي أمين الشرطة تجاه الضابط, حيث يشعر أنه لايفصله عنه سوي عامين فقط من الدراسة لأن الأمين الحاصل علي ثانوية عامة يلتحق بمعهد الأمناء لمدة عامين, في الوقت الذي يضطر فيه للتعامل مع الضابط علي أنه سلطة الأمر والنهي, ومن هنا يكون إصرار الكثير منهم علي مواصلة الدراسة والإلتحاق بكلية الحقوق ليصبح ضابطا, هذا التحسس النفسي رصدناه أيضا في إصرارهم علي أن يكون علاجهم في نفس المستشفيات التي يعالج بها الضباط في حين ان ذلك لا يحدث في أي جهاز آخر ومنه جهاز القضاء فللموظفين أماكنهم وللقضاة اماكنهم, وهذا لا ينفي حق الجميع في الحصول علي خدمة طبية لائقة وبصفة عامة يرفض الدكتور صلاح أبو رجب مبدأ الاعتصامات والاضرابات لكل من ارتدي زي الشرطة لأنه يعطي الإيحاء بأنه انقلاب, ويري كذلك عدم مشروعية مطلبهم بحمل السلاح والتسليح الشخصي, ويقول إنه شخصيا انتهي في دراسة تتناول عمل الشرطة بتوصية باستبدال وظيفة أمين الشرطة بمحقق الشرطة بشرط أن يكون خريج حقوق أو شريعة وقانون, ليصبح مؤهلا من الناحيتين القانونية والتعليمية, ويكون له كادروترقيات تختلف عن كادر وترقيات الضباط وزي رسمي موحد, وبصفة عامة يري محدثنا وجوب اهتمام الداخلية باعادة هيكلة الرواتب لجهاز الشرطة بالكامل( ضباط وأفراد) لأن الراتب الضعيف مع السلطة يغري بالفساد. الداخلية أهملتهم قدر كبير من اللوم وتحميل المسئولية لوزارة الداخلية جاء في تحليل اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية سابقا لأسباب توتر العلاقات بين أمين الشرطة والضابط من ناحية وبين المواطن من ناحية أخري, يقول: الوزارة هضمت حقوق الأمناء فلم تخصص لهم مستشفيات للعلاج ولم تهتم بتوفير المصايف وجوانب الترفيه لهم ولأسرهم أسوة بالضباط, كما أنها أهملت معاهد الأمناء التي كانت في دفعاتها الأولي نموذجا رائعا سواء من ناحية المظهر أو السلوك, ولكنها مالبثت أن تدهورت وتدهور خريجوها بعد التوسع ومد فروع لها في أرجاء الجمهورية, بالإضافة لتدخل الوساطة في التلاعب بمعايير القبول, وكشف الهيئة وبالتالي أدخلنا عناصر لم تكن ملائمة للمهمة التي ستقوم بها, وكذلك يضيف البسيوني ظهرت العلاقات الفاسدة بين عناصر من صغار الضباط عناصر من الأمناء وهناك وقائع كثيرة, مما شجع التجرؤ علي هيبة الضابط لأنهما أصبحا شركاء في فساد واحد. كل هذا كان موجودا منذ سنوات ولكن المحاكمات العسكرية التي لا أري مبررا لإلغائها كانت تمنع الكثير عن الكلام, وبصفة عامة يري اللواء البسيوني أن نظام أمناء الشرطة الذي جاء بديلا لمدرسة الكونستبلات لم يثبت أنه الأفضل مما يجعلنا في حاجة للبحث عن بديل ولعله يكون فيما اسماه مدرسة ضابط الصف يدخلها من يجيد القراءة والكتابة ليصبح فرد شرطة يبدأ من عريف ويترقي حتي يصبح مساعدا, وبذلك لايكون في موضع مقارنة مع الضابط ويطالب بشكل عام عندما نتحدث عن تطهير الداخلية أن نعلم أنه يجب ان يشمل الجميع ومحذرا من إعادة المفصولين لارتكابهم جرائم جنائية إلي الكيان الشرطي. الثواب والعقاب لن ينجح عمل ضابط الشرطة بدون مساعدة أمين الشرطة.. هكذا كانت كلمات الدكتور طارق خضر أستاذ ورئيس قسم القانون الدستوري بكلية الشرطة مدافعا عن الأمناء ضد الكثير من الاتهامات التي تطولهم من الرأي العام, موضحا أن الفساد هو الاستثناء وأنهم يقومون بدور كبير في كل القطاعات والأحوال المدنية والمرور والجوازات ومطار القاهرة... ولهم دورهم في حماية الأمن العام, حيث يكلف الضابط الأمناء الأكفاء بمهام خطيرة وبتنفيذ خطط أمنية, مشيرا إلي أن أخطاء متراكمة تسببت في اندلاع الغضب, ويطالب بتشكيل لجنة لمعرفة سبب إيقاف الدراسة بمعاهد الأمناء وتقييم التجربة بما فيها من سلبيات وإيجابيات, ويطالب كذلك بتفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع أمناء الشرطة فبقدر مالايتم التسامح مع من يثبت فساده يجب أن يتم مكافأة المجدين والشرفاء مكافآت مجزية. محمد جمال... أمين شرطة بمباحث قسم العجوزة.. قارب المعاش ولكنه أخيرا حصل علي ليسانس الحقوق وحلمه أن يخرج للمعاش ضابطا لأن هذا يفرق معه ماديا وأدبيا, ويدافع جمال عن جهد وعمل أمين الشرطة الذي كان يصل لأكثر من15 ساعة يوميا, ولكن بعد الثورة تم تحديد ثماني ساعات واحتساب مايزيد اضافيا لمن يريد, ويعترف بأنه أحيانا يكون هناك توترا في العلاقة مع ضابط الشرطة مما يؤثر حتما علي جو العمل, وينتقد عدم تقبل صغار الضباط لنصائح الأمناء الخبرة في العمل قائلا: يرفضون توجيهاتنا رغم أنها الأصح!! أما العلاقة مع المواطنين فيقول إنها تحتاج مبادرة معاملة طيبة ومحترمة من أمناء الشرطة, وبالمثل نظرة محترمة من المواطنين وعدم تعميم فكرة الفساد علي الجميع. أسير الباشا العلاقة بين أمين الشرطة وبين المواطن المصري علاقة شائكة في معظم الأحوال, والأغلب أنها تفتقد للثقة, وهو مااعترف به الأمناء أنفسهم بعد الثورة عندما بدأت مطالبهم برفع رواتبهم رافعين شعار أنهم يريدون أن يصبحوا شرفاء, هذه العلاقة رصدتها دراسة بحثية أشرفت عليها جمعية الشرطة والشعب لمصر, وأظهرت كما يقول الدكتور ممدوح أبو الحمد الباحث الاجتماعي بكلية التربية بجامعة الأزهر أن المواطن يري أمين الشرطة المصري في الأغلب علي أنه أسير الباشا تلك الكلمة التي يسمعها من الجمهور عندما يتعامل معه, فيشعر بالزهو والإعجاب بالنفس ولم لا؟ فهو الذي يحقق في القضايا ويكتب محاضرها وينسق الكلمات ويرتب التهم, ولكنه بدوره يصبح مجبرا أن يقولها كثيرا فهو لا يجرؤ أن يخاطب ضابطا يحمل علي كتفيه رتبة ضابط ولو كانت رتبة ملازم دون هذه الكلمة ويراه أيضا سيد الشارع فهو خير من يتعامل مع البلطجية وأرباب السوابق وكل بحسب الطريقة التي تناسبه وهو من يري نفسه سيدا فلا يقف في طابور ولا يدفع أجرة في المواصلات العامة وبالرغم من ذلك فهو المليونير الفقير لتواجده غالبا في مواقع تتاح له فيها الرشوة تحت مسميات عدة( الشاي بتاعي الحلاوة الإكرامية حاجة علي ما قسم سلك نفسك عشان تعدي), وهو أيضا الشريك الرسمي أو صاحب سيارات ميكروباص الخطوط الجانبية; وهي سيارات بدون ترخيص أو بدون سائقين مرخصين, وهو المفتري المقهور فهو الذي يقوم بتعذيب المحتجزين, وهو الذي يضرب بالعصا وهو الذي يغمض العينين ويعصبها وهو الذي يعلق المتهم وهو الذي يصعق بالكهرباء وهو في النهاية عبد المأمور, ووصف أفراد عينة البحث كذلك أمين الشرطة المصري بأنه الجاني والضحية ففي حين يتقاضي رواتب البائعين والسائقين والدلالين وأصحاب المحلات المخالفة لتوصيلها كأمانة وله نصيبه في الليلة وفي حين يضرب ويقتل أحيانا إذا لزم الأمر.