الشباب طاقة مهمة يقوم عليها وبها بناء الأمم والحضارات، فلا بد لكل دولة تريد بناء حضارتها أن تهتم بشبابها تربيةً وتعليمًا ورياضةً وفكرًا وعملاً وتوظيفًا، ولا تترك شبابها نهبًا للفراغ وضحيةً للإرهاب والتطرف والتجهيل، ثم بعد ذلك تُدشَّن اللجان والمؤتمرات وتنفق الأموال الطائلة للحرب على الإرهاب!! لابد من إشغال فكر الشباب واحتوائه وترويضه والاهتمام به، بداية من التربية الأسرية ثم التعليم الجيد، وبالتوازي معهما التربية الرياضية، ولا بد من توفير نوادٍ رياضية ترعاها وزارة الشباب تمكِّن الشباب غير القادر من الاشتراك فيها؛ كي نربي أجسامًا سليمةً؛ ومن ثم ننشئ عقولاً سليمة، فكما يقولون "العقل السليم في الجسم السليم"، ولا ينبغي أن نترك النوادي لأبناءالطائفة الغنية دون الفقراء ومتوسطي الحال؛ فينشأ في المجتمع انشقاق وانحراف، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. يقول العلامة ابن القيم: "...فإنه متى عدم العلم النافع والعمل الصالح من النفس لزم أن يخلفه الشر والجهل وموجبهما ولابد؛ لأن النفس لابد لها من أحد الضدين, فإذا لم تشتغل بالضد النافع الصالح اشتغلت بالضد الضار الفاسد"[طريق الهجرتين: ص 217]. كذلك ينبغي الاهتمام بالتربية الدينية للشباب وتأهيل من يقومون عليها بعيدًا عن التقليدية والخطاب الخشبي الجامد التقليدي الذي يقدمه غير المؤهلين للأسف، ولا بد أيضًا من الاعتماد على الحوار الجاد والبناء في تعليم الشباب وتشجيعهم وتنمية قدراتهم، فتعليم الشباب أصول دينهم وتنشئتهم على الأخلاق الإسلامية السليمة كفيلان بحماية هؤلاء الشباب أن يسقطوا ضحايا لأي فكر غريب عن البيئة الإسلامية. ومن هنا عقد ملتقى الشباب ندوةً بعنوان "خطر استقطاب الشباب نحو الأفكار المتطرفة"؛ وذلك في تمام الساعة السادسة مساء يوم السبت 30 من يناير الجاري، ضمن فعاليات الدورة ال47 بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وجاء موضوع الندوة متسقًا مع الشعار العام للمعرض "الثقافة في المواجهة"، فليس بالأمن وحده نواجه الإرهاب، بل ينبغي أن نواجهه كذلك بالحل الثقافي ودعم الجانب الفكري، حيث شكلت ظاهرة استقطاب الشباب لتنظيم داعش الإرهابي خطرًا كبيرًا على مصر والعالم العربي في الفترة الأخيرة. شارك في هذه الندوة الدكتور عبد الراضي عبد المحسن أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية ووكيل كلية العلوم بجامعة القاهرة، والدكتور علي مبروك بجامعة عين شمس والدكتور شحاتة صيام، والكاتب محمد موسى، وأدار الندوة نبيل العيسوي. وقام المشاركون في الندوة بتقديم مجموعة من التفسيرات حول أسباب انضمام الشباب للأفكار المتطرفة، تلخصت معظمها في البيئة الحاضنة وممارسات الدولة تجاه هؤلاء الشباب. وعالج الدكتور عبد الراضي خلال مشاركته بالندوة موضوع استقتطاب الشباب لفكر الجماعات المتطرفة، كما عالج موضوع الاستقطاب فى إطار العوامل المؤدية إليه، وهي عوامل ذاتية وبيئية، ثم عرض رحلة انتقال الشاب من التدين إلى التطرف، مرورًا بأشكال الفكر المتطرف الثلاثة: فكر التنفير، فكر التكفير، فكر التفجير، كما تحدث د. عبد الراضي عن الشق الديني للظاهرة ومرجعه بحث الشباب عن هوية دينية في ظل فشل الخطاب الديني، مشيرا إلى أن هناك أسبابًا أخرى لانحراف أفكار الشباب، مثل عدم تقبله للنقد على تصرفاته وسلوكه، وهو ما جعله ينفر من هذا المجتمع، وانتشار تجارة التطرف ومنابعه حول العالم من خلال الاستخبارات العالمية، موضحًا التغيرات التي تطرأ على شخصية المتطرف وذهنيته في التعامل مع الآخر، حيث يستبدل سلوك المسلم من السماحة إلى التشدد؛ وهو ما ظهر في أعمال تنظيم داعش في عمليات القتل والذبح والحرق. بينما أرجع عالم الاجتماع الدكتور شحاتة صيام أسباب نشأة الظاهرة إلى البيئة التي ينمو فيها الشباب، بالإضافة إلى الخطاب الديني ورفضهم ما هو متوارث، واتفق معه الناقد الأدبي أسامة فرحات الذي أرجع نشأة التطرف إلى افتقاد الشباب المناخَ الديمقراطي في هذا البلد. وأجمع المشاركون على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب؛ وذلك عن طريق تحسين المناخ ووضع إستراتيجية لمؤسسات الدولة كي تواجه التطرف عن طريق الحوار البناء وتهيئة الجو لتربية جيل صحيح وسليم يتزيا بسماحة الإسلام، يُجمِّع ولا يُفرِّق ويجذِب ولا يُنفِّر. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر