مع احتدام التخوف من الاٍرهاب وتداعياته على المجتمع الفرنسى ظهرت محاولات حثيثة لرصد هذه الظاهرة بالبحث والدراسة خاصة ان الإرهابيين خرجوا من رحم الوطن الذى يؤويهم بل إن منهم من ولد على أرضه وتعلم فى مدارسه ونهل من ثقافته. وقد اهتم جيل كيبيل الباحث فى تاريخ الجماعات الإسلامية والمتخصص فى شئون العالم العربى برصد تداعيات الاٍرهاب منذ بدايته مرورا بكيفية ما سموه فشل باريس وسوء تقييمها للحادث الإرهابى الأول الذى ضرب البلاد فى تولوز ومونتيبان جنوبفرنسا وصولا الى الأحداث الدامية الأخيرة التى مرت بها البلاد فى 13 نوفمبر 2015 والتى راح ضحيتها 130 شخصا وجرح فيها 352 آخرون. ويقول كيبيل ان ما حدث من اعتداء على جريدة شارل إبدو الساخرة -فى أوائل العام الماضى -كان صدمة للمجتمع من حيث طريقة الهجوم على مقر الصحيفة وأسلوب التنفيذ. واستطرد الباحث مُذكرا بأحداث اليوم التالى الذى كان صدمة أخرى للمجتمع وبدأ بقتل احدى الشرطيات الفرنسيات ثم احتجاز رهائن فى أحد المتاجر اليهودية وجاء هذا النقاش خلال ندوة أقيمت مؤخرا بمعهد العالم العربى وكانت فرصة لطرح الأفكار التى تناولها الباحثان جييل كيبيل و المحلل السياسى الشاب أنطوان چردان فى كتاب جديد صدر بباريس تحت عنوان "الرعب فى ليجزاجون ..مولد الجاهديين الفرنسيين". و حرص الكاتبان كيبيل و چردان فى طرحهما على التأريخ للأحداث منذ 9 يناير 2015 والقياالضوء على التظاهرة الضخمة التى شهدتها باريس وحضرها عدد كبير من رؤساء دول وحكومات العالم وما كان لها من ردود افعال متباينة على مواقع التواصل الاجتماعى وهو الامر الذى لفت نظر المراقبين وشد انتباه المحللين بعد أن رصدا انقساما فى المجتمع الفرنسى بين مندد بالحادث ومتضامن مع ضحايا شارل إبدو وبين مشاعر الشماتة لدى البعض من منطلق انهم اخذوا عقابهم على إهانتهم للإسلام. وهو ما دفع المؤلفين مثلهما مثل الكثير من المحللين والمراقبين لدراسة ما حدث. وهنا نشير الى ان كلمة "ايجزاجون" يستخدمها الكتاب والمثقفون بدلا من كلمة فرنسا، و ذلك لانها فى اللغة الفرنسية تعنى الشكل السداسى الأضلاع وهى كناية عن فرنسا لأنها تشبه فى رسمها على الخريطة جغرافيا الشكل السداسي. وبالعودة للكتاب البالغ عدد صفحاته أكثر من 370 صفحة والذى كان نتاج تعاون مشترك بين المؤلفين و «معهد مونتني» فسنجد أن أهم الرؤى التى طرحها المحللان أن الأحداث الإرهابية الأخيرة أوضحت ان داعش او ما سماهم چيل كيبل بالجيل الثالث من الإرهابيين أصبحوا التحدى الحقيقى أمام الجمهورية. ويرى كيبيل ان جماعة "داعش" الإرهابية بارتكابها للحادث الأخير خسرت كثيرا لأنها أصلحت ما أفسدته فى المجتمع بعد الحادث الأول شارحا انها أعادت الوحدة لنسيج المجتمع الذى أنقسم بعد اعتداء شارل أُبيدو بين مؤيد ومعارض بل وتسببوا فى لّم شمل الفرنسيين حول هدف واحد وهو مكافحة الاٍرهاب من منطلق اليقين ان العدو الحقيقى هو التكفيريون. واعتبر الكاتبان كيبيل وچردان أن بداية تنظيم داعش ارتبطت بنشأة جماعة الإخوان المسلمين ثم المشاركة فى حرب أفغانستان ثم تكوين تنظيم القاعدة الذى تمخض عنه المزيد من التكوينات التكفيرية وصولا الى تنظيم داعش. ولم يغفل الكاتبان التأريخ للمشاكل الناجمة عن إهمال أبناء الضواحى منذ عشرسنوات بداية من أزمة او ثورة الضواحى الباريسية فى خريف 2005 حتى حوادث الاٍرهاب فى يناير 2015 واشاروا الى ان فرنسا تواجه مشاكل جديدة مع أبناءالمهاجرين من الضواحى الفرنسية والباريسية الذين اهتموا وتأثروا بتواتر الأحداث الدولية واجتذبهم الاٍرهاب للمشاركة فى نزاعات منطقة الشرق الأوسط سواء فى العراق او فى سوريا، مذكرين بأن تعداد هؤلاء الإرهابيين وصل لأكثر من 800 شخص. وربط المحللان بين هذه الأزمة المتمثّلة فى ارهابيى الجيل الثالث وبين تعاظم شعبية اليمين المتطرف بزعامة جون مارى لوبن خاصة وان هؤلاء التكفيريين يحاولون بشتى الطرق خلق ما يثير الرعب فى المجتمع وما يعظم من احتمالية حدوث حرب أهلية. كما يرى المحللان ان الاٍرهاب يأتى من مقاتلى داعش العائدين ليضربوا فرنسا فى العمق. وقد اختلف الكاتبان مع تشبيه الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند الذى صنف ما اصيبت به فرنسا من ارهاب بحالة حرب، معتبرين أن فرنسا هى التى ذهبت الى الحرب ضد الاٍرهاب فى الخارج. ومن ناحيته أشار أنطوان چردان الى ان الخطورة التى وقعت فيها فرنسا هى عدم تعاملها المناسب مع الحدث راجعا بالذاكرة الى خمس سنوات سابقة تقريبا معددا بعض الحوادث التى ارتكبها مواطنون فرنسيون من أصل عربى. كما تحدث كيبل عن ان المجتمع الفرنسى برمته أيقن الآن انه امام عدو يرغب فى النيل منه لأنهم حتى لو كانوا من المسلمين فهم بالنسبة لهولاء الإرهابيين كفار. وقد حظيت الحلقة النقاشية التى خصصها معهد العالم العربى فى باريس لمنقاشة الكتاب الصادر حديثا بحضور مكثف حيث أمتلأت القاعة التى تتسع ل 340 شخصا عن أخرها نظرا لمشاركة عدد كبيرمن المثقفين الفرنسيين والأجانب. كما طرح على هامش النقاش عدد من الموضوعات المثيرة للجدل منذ ان ضرب الاٍرهاب فرنسا بعنف، من بينها اعلان حالة الطوارئ وإجراء بعض التعديلات على الدستور وايضا مشروع القانون الذى تعتزم فرنسا تطبيقه والداعى الى حرمان اصحاب الجنسية المزدوجة المتورطين فى اعمال ارهابية من جنسيتهم و هو ما رفضه جيل كيبيل وقال عنه إنه ليس حلا ناجحا لمواجهة هذه المشكلة.