محافظ المنيا يعتمد نتيجة مسابقة الوظائف الإشرافية بالتربية والتعليم    خلال لقائه ببوتين.. الرئيس السيسي يُشيد بوتيرة الانعقاد لآلية التشاور السياسي واللجان المشتركة    الجيش الباكستاني: نحن في حالة حرب مع الهند وتواصلنا معًا عبر دولة ثالثة    بوتين: روسيا ستحقق أهدافها الاستراتيجية في أوكرانيا    بايرن ميونيخ يتوصل إلى اتفاق مبدئي مع فيرتز    «أنوكا» تشيد بتنظيم مصر للمنتدى الإقليمي للتضامن الأولمبي بالقاهرة    جامعة سوهاج تحصد 4 ميداليات ذهبية وكأس بطولة كمال الأجسام    استغلت حبس زوجها.. كيف حاولت "حنان" وعشيقها إخفاء قتل رضيعتها؟    حدث في8 ساعات| أبو مازن يلتقي الرئيس السيسي بموسكو.. والثقافة تصدر بيانا بشأن إغلاق قصور الثقافة المستأجرة    نانسي عجرم تستعد للغناء في جاكرتا هذا الموعد    ما حكم حج الحامل والمرضع؟.. الإفتاء تُجيب    حريق في عدد من المنازل بعزبة البهنساوى ببنى سويف بسبب ارتفاع درجات الحرارة    حملات مكثفة لتطهير الترع والمصارف بالفيوم حفاظًا على الزراعة وصحة المواطنين    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    إدارة القوافل العلاجية بالمنوفية تحصد المركز الثاني على مستوى الجمهورية    قسم الجراحة..ينجح فى استخراج دبوس من معدة صغير بسوهاج    حقيقة إغلاق بعض بيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    الزمالك يحدد جلسة تحقيق جديدة مع زيزو    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    سجل الآن.. الوطنية للتدريب تطلق مبادرة "أنا أيضًا مسئول" لبناء وعي القيادة والمسؤولية لدى الشباب    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    عاجل.. الزمالك يُصعّد: نطالب بحسم مصير "القمة" قبل 13 مايو لضمان العدالة في المنافسة على اللقب    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مى سمير تكتب : إرهاب الجماعات فى مواجهة تطرف شارل إبدو
نشر في الفجر يوم 19 - 01 - 2015

المؤكد، أننا سننحاز لحرية الرأى والتعبير، وسنقف فى صف القلم ضد الإرهاب، وحامل القلم ضد المدفع أو البندقية، فكل إرهاب مرفوض.. ولو كره الكارهون.
الجريمة التى تعرضت لها مجلة شارل إبدو الفرنسية، إن دلت إنما تدل على نشاط الخلايا النائمة فى المجتمع الأوروبى بشكل عام، وفرنسا التى يعيش فوق أرضها خمسة ملايين مسلم، بوجه خاص، لكنها حتما ستلقى بظلالها على جميع المسلمين فى أنحاء أوروبا خاصة مع انتظار عمليات إرهابية جديدة فى ألمانيا وإيطاليا وبعض البلدان الأوروبية، التى احتوت هذه الجماعات الإرهابية وقدمت لأفرادها حق اللجوء السياسى، ويمارسون أنشتطهم المالية فيها، ويعتبرون ذلك وسيلة للضغط على دول فى الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر.
التوقعات تؤكد أن السحر انقلب على الساحر، وأن البلدان التى ساعدت على نمو الإرهابيين، مثل ألمانيا وإنجلترا، وربما تنضم لهما إيطاليا، سيشربون من نفس الكأس.
وفى المقابل، هناك حالة من الغباء انتابت المسئولين عن المجلة الذين انتقموا على طريقتهم من الدين الإسلامى، بنشر صور جديدة مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، بشكل أقرب إلى التطرف، لتصبح الجماعات الإرهابية التى نرفضها فى مواجهة «تطرف» الغرب الذى نرفضه بدورنا.
هل الاعتداء بداية أم نهاية؟!
خلايا الإرهاب فى أوروبا وأمريكا تستيقظ بعد حادث «شارل إبدو»
تبدو حادثة الاعتداء على مجلة شارل إبدو وكأنها الضوء الأخضر لسلسلة من العمليات المرتقبة فى فرنسا وأوروبا، وفى هذا الإطار نشر موقع السى إن إن تقريراً حول ما وصفه بالخلايا النائمة فى باريس بشكل خاص وأوروبا بشكل عام حيث أشار إلى أن واقعة شارل إبدو كانت إشارة البدء من أجل تنشيط جميع خلايا الإرهاب النائمة فى أوروبا.
بحسب التقرير، تم تحذير ضباط الأمن الفرنسيين بضرورة محو كل أنشطتهم على مواقع التواصل الاجتماعى بالإنترنت على أن يحملوا أسلحتهم طوال الوقت وذلك لأن خلايا الإرهاب النائمة فى فرنسا قد تم تنشيطها فى أعقاب أحداث شارل إبدو.
بحسب خبير الإرهاب الدولى صموئل لورين فإن الإرهابى السنغالى إميدى كوليبالى أجرى عدداً من المكالمات الهاتفية مع عناصر مجهولة من أجل بدء شن هجمات ضد الضباط الفرنسيين.
وتعد حادثة الاعتداء على مجلة «هامبروج مورنيج بوست» الألمانية بعد إعادتها لنشر بعض رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام والخاصة بمجلة شارل إبدو هو أكبر دليل على إعادة تفعيل الخلايا الإرهابية النائمة فى أوروبا. فقد تم الاعتداء بعد يوم واحد من قيام المجلة بنشر الرسومات مما يعنى أن هناك تجهيزاً مسبقاً واستعدادات للقيام بمثل هذه العمليات على نحو سريع. كما تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية تصريحات لرئيسة لجنة الاستخبارات فى الكونجرس الأمريكى ديان فاينشاتين والتى صرحت فى بداية هذا الأسبوع إلى اعتقادها بأن هناك شبكة من الخلايا الإرهابية النائمة فى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وأضافت أن هذه الشبكة تمتد ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتستعد لكى تبدأ سلسلة من الهجمات فى أعقاب أحداث شارل إبدو.
من جانبه أكد السيناتور مايكل ماكول رئيس لجنة الأمن القومى فى الكونجرس الأمريكى أن هناك الآلاف من المقاتلين الغربيين الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية فى العراق وسوريا ويشكلون تهديدا حقيقيا لأمن الدول الغربية. وأشار إلى ضرورة وضع قائمة شاملة تضم كل أسماء المقاتلين الغربيين فى صفوف داعش أو جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة. كما وجه ماكويل أصابع الاتهام إلى الدول الأوروبية وطالبها بضرورة فرض قوانين أكثر قوة فيما يتعلق بالدخول والخروج من أوروبا. كما اعتبر كل من ماكويل وفاينشتاتين أن برنامج جوازات السفر الأمريكى يحتاج أيضا لإعادة النظر خاصة أنه يسمح لمواطنى بعض الدول حق الدخول لأمريكا دون الحصول على فيزا. وصفت فاينشاتين البرنامج بنقطة الضعف التى يجب إصلاحها، ولا يقتصر الأمر على أوروبا والولايات المتحدة، فأشار موقع «بان أرمينيا» الإخبارى إلى تصريحات مسئول سابق فى المخابرات التركية على صفحات جريدة الحياة اليومية التركية، حيث أكد أن تطورات المشهد العالمى تؤكد أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى طريقها لتفعيل خلاياها النائمة فى تركيا.
وكانت تركيا قد شهدت بدورها عملاً إرهابياً فى نفس يوم وقوع جريمة الاعتداء على مجلة شارل إبدو 6 يناير، حيث قامت فتاة بتفجير نفسها فى قسم الشرطة بمنطقة السلطان أحمد السياحية، مما أسفر عن مقتل ضابط شرطة. الربط بين ما وقع فى تركيا وما بين أحداث باريس يعد تطوراً شديد التعقيد والأهمية، حيث تمثل تركيا طريقاً لعبور المقاتلين القادمين من أوروبا إلى سوريا والعراق. على ناحية أخرى نشر موقع فوكس نيوز تحقيقاً تحت عنوان «العميل المزودج فى تنظيم القاعدة والذى ساعد أمريكا على الإيقاع بأنور العولقى يحذر من وجود المزيد من الخلايا النائمة». ستورم أكد أن أحداث باريس تؤكد أن هناك عدداً من الخلايا الإرهابية النائمة التى تم تفعيلها من الجديد ومن المتوقع أن تبدأ فى شن سلسلة من الهجمات المستقبلية. وأشار ستورم إلى أن «الحرب خدعة» وأن أعضاء هذه الخلايا النائمة هم عادة أشخاص عاديون لا يلفتون الأنظار ولا يمكن الشك فيهم. وأضاف ستورم صاحب كتاب «العميل ستورم: حياتى داخل القاعدة والمخابرات المركزية الأمريكية» إلى أنه يعتقد، بحكم خبرته بأسلوب عمل تنظيم القاعدة، أن مرتكبى حادثة شارل إبدو ما هم إلا خلية ضمن مجموعة أخرى من الخلايا الإرهابية التى تم تفعيلها لشن هجمات مماثلة. تعد الخلايا الإرهابية النائمة فى أوروبا وأمريكا هى نتيجة طبيعية لزيادة عدد المقاتلين الأوروبيين الذين انضموا إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة، هؤلاء المقاتلون من المتوقع عودتهم إلى موطنهم الأصلى سوف ينتج عنه وجود خلايا إرهابية فى قلب أوروبا. وتختلف التقارير بشأن حجم المقاتلين الأجانب فى داعش، ولكن المركز الإعلامى لداعش قد أصدر تصريحاً أشار فيه لوجود 12 ألف مقاتل أجنبى يقاتلون فى صفوف التنظيم الإرهابى، وبشكل عام يترواح عدد الأجانب فى الداعش من خمسة آلاف إلى 12 ألفاً. يعكس هذا الرقم الضخم حجم المشكلة الكبيرة التى تواجهها الدولة الغربية، فالخلية الإرهابية الواحدة قد تكون من شخصين أوثلاثة، وإذا أخذنا فى عين الاعتبار حجم التدريب المكثف الذى حظى به هؤلاء المقاتلون، فإن هذه الخلايا النائمة تشكل تهديداً خطيراً.
فوبيا الإسلام تسيطر على فرنسا
تأتى حادثة الاعتداء على مجلة شارل إبدو وسط مشهد سياسى شديد التعقيد فيما يتعلق بالإسلام فى فرنسا حيث يشتد الصراع بالداخل الفرنسى حول دور الإسلام، الدين، العنصرية والهوية الثقافية فى الحياة العامة الفرنسية. تعانى فرنسا من أزمة هوية مشحونة ومعقدة فى ظل نسبة المهاجرين المسلمين الكبيرة.
فى فرنسا أكبر نسبة من السكان المسلمين بالقارة الأوروبية، عددهم 5 ملايين نسمة ما يعادل 10% من حجم السكان فى فرنسا وأغلبهم مهاجرون من دول شمال إفريقيا. أولا، على الرغم من العدد الكبير للمسلمين فى فرنسا إلا أن الدولة الفرنسية تواجه صعوبة فى دمج المسلمين بالمجتمع الفرنسى. ثانيا، يواجه الجيل الثالث من المهاجرين المسلمين الكثير من مظاهر التمييز فى المدارس أو فى الأماكن العامة.
وإذا كان تيار اليسار يختلف فى كل شىء مع تيار اليمين فى فرنسا إلا أن كلا التيارين يتفق على التشكيك فى اعتبار المسلمين المهاجرين جزءاً من نسيج المجتمع الفرنسى. فى 2004، منعت الحكومة الفرنسية ارتداء الحجاب أو أى رمز دينى آخر فى المدارس العامة، فى 2014، أصدرت فرنسا قانوناً ينص على أنه من غير القانونى تغطية الوجه فى أى مكان عام، لم يمر وقت طويل بعد أحداث شارل إبدو قبل أن تتصاعد مظاهر فوبيا الإسلام فى فرنسا. فى مساء نفس اليوم الذى وقعت فيه جريمة الاعتداء على مجلة شارل إبدو تم إطلاق النار على قاعة للصلاة مخصصة للمسلمين فى مدينة أود، وكانت الصالة خالية من المصلين ولم يسفر الاعتداء عن أى إصابات. فى نفس اليوم تم اطلاق النار على سيارة تملكها عائلة مسلمة فى فوكلوز. فى الساعات الأولى من صباح يوم الخميس تم إطلاق ثلاث قنابل مصنوعة يدوياً على مسجد فى مدينة لو مان والعثور على قنابل أخرى بالقرب من المسجد. كما شهد مسجد آخر فى فرنسا كتابة عبارة «الموت للعرب»، وقد تم اعتقال الرجل الذى كتب هذه العبارة. ومن جانبه قام إمام الجامع أبوبكر الحاج بتقديم شكوى رسمية كما أكد للصحيفة المحلية أن المسلمين يشعرون بالخوف ولهذا تم وضع أجهزة مراقبة فى المسجد.
من أهم مظاهر فوبيا الإسلام التى تتصاعد فى فرنسا بالفترة الأخيرة صدور كتابين يحرضان ضد المسلمين بشكل واضح وصريح.
صدر الكتاب السياسى «الانتحار الفرنسى: الأربعون سنة التى هزمت فرنسا» للكاتب والصحفى الفرنسى إيك زيمور «يهودى من أصول جزائرية» فى أكتوبر 2014 وعلى الرغم من ذلك احتل المرتبة الثانية فى أكثر الكتب مبيعا فى فرنسا عام 2014 حيث وصلت مبيعاته إلى ما يقرب من 5 آلاف نسخة فى اليوم، واقترب إجمالى مبيعاته لما يقرب من نصف المليون نسخة.
فى مقدمة كتابه يرسم زيمور صورة شديدة القتامة للدولة الفرنسية، حيث كتب أن فرنسا هى رجل أوروبا المريض، مضيفا أن الفرنسيين فقدوا الثقة، وأن جميعهم يشعرون بأن الدولة تسير على الطريق غير الصحيح، ولكنهم لا يزالون يشعرون بالتردد تجاه الأسباب التى أدت إلى هذا الطريق المسدود. بينما يشعر الأطباء النفسيون بالقلق بسبب ارتفاع نسبة التشاؤم ويقيس خبراء الاستطلاعات معدلات اليأس. ويضيف زيمور أن الشباب الفرنسى يهاجر بينما يشعر المنتمون للثقافة الفرانكفونية بالقلق من تدهور المستوى التعليمى الفرنسى.
ويسخر الكاتب من شعار الدولة الفرنسية الشهير «الحرية، المساواة، والإخاء» من وجهة نظره فإن الحرية فى فرنسا أصبحت تعادل تفسخ القيم، بينما المساواة أصبحت تمييزاً، أما الإخاء فقد تحول إلى حرب الكل ضد الكل، وأصبحت فرنسا أشبه ببناء تاريخى من الخارج يبدو جميلا ومميزاً ولكنه من الداخل على وشك الانهيار.
يرصد الكتاب أهم الأحداث التى شهدتها فرنسا فى كل سنة من السنوات الأربعين، ويبدأ من رحيل شارل ديجول فى 9 نوفمبر 1970 وينتهى مع تبنى البرلمان اتفاقية لشبونة التى تهدف لإصلاح مؤسسات الاتحاد الأوروبى وعملية صنع القرار وتحل محل الدستور الأوروبى والتى رفضها المواطنون فى فرنسا فى استفتاء سابق فى عام 2005. الكتاب مقسم إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى من 1970 إلى 1983 والتى شهدت بحسب الكاتب تدمير المجتمع القديم والقضاء على قيمه، والمرحلة الثانية من 1984 إلى 1992 والتى شهدت ظهور قوى تأثير جديدة غير منتخبة مثل المحطات التليفزيونية والمنظمات العامة، ثم المرحلة الأخيرة التى شهدت انضمام فرنسا إلى الاتحاد الأوروبى وظاهرة العولمة.
يرى الكاتب أن هناك الكثير من الأسباب التى أدت لانهيار فرنسا ومنها على سبيل المثال الانضمام للاتحاد الأوروبى الذى أدى لسيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على 50% من الاقتصاد الفرنسى، لكن أهم أسباب انهيار فرنسا من وجهة نظر الكاتب هو المهاجرون المسلمون والدين الإسلامى. يرى زيمور أن المهاجرين المسلمين صنعوا مستعمرات إسلامية خاصة بهم فى ضواحى فرنسا حيث تقف التقاليد الإسلامية فى مواجهة القوانين الفرنسية ويشير إلى أنه فى النهاية لابد من وقوع مواجهة بين الفرنسيين والمهاجرين كما حدث من قبل عندما اندلعت أعمال العنف بين المسلمين والشرطة الفرنسية عام 2005، ويصل الأمر إلى توقع زيمور وقوع ما يقرب من حرب أهلية.
دعا زيمور فى كتابه بشكل صريح إلى وقف هجرة المسلمين ووصفوهم بالتسونامى الديموغرافى مضيفا أن هناك 7 ملايين مسلم فى فرنسا يهددون الصفاء العرقى للدولة الفرنسية.
بحسب جريدة لاكسبرس الفرنسية تحدث إريك زيمور فى حوار له مع جريدة إيطالية عن فكرة ترحيل المسلمين من فرنسا باعتبارها فكرة واقعية وقابلة للتطبيق وأضاف أن التاريخ شهد أحداثاً مشابهة.. منها على سبيل المثال اضطرار ما يقرب من 6 ملايين ألمانى لمغادرة وسط أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية. وأضاف أن طرد المسلمين هو السبيل الوحيد للحفاظ على الهوية الفرنسية.
بعد أيام قليلة من صدورها فى 7 يناير احتلت بالفعل رواية «خضوع» للكاتب ميشيل ويلباك المرتبة الأولى فى قائمة الكتب الأكثر مبيعا فى فرنسا على موقع الأمازون، فى روايته «خضوع» يقدم ميشيل ويلباك نظريته المستقبلية لفرنسا، مشيرا إلى أنه بحلول 2022 سوف ينجح مواطن فرنسى مسلم فى انتخابات الرئاسة الفرنسية. يتم سرد تفاصيل الرواية على لسان بطلها فرانسوا أستاذ الأدب الفرنسى فى جامعة السوربون والبالغ من العمر 44 عاما. يقضى فرانسوا حياته ما بين العلاقات العاطفية غير الدائمة وتناول الوجبات الجاهزة، ولا يوجد ما يشغل باله حيث يعيش حياته وهو يعانى من الملل والرتابة. لكن فى عام 2022 يقع زلزال سياسى يحرك المياه الراكدة فى حياته. فى فرنسا المستقبلية التى يرسمها ميشيل ويلباك تخرج الأحزاب الممثلة لتيار اليسار واليمين فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وبالتالى تنحصر المنافسة بين مارى لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية وممثلة تيار اليمين المتطرف ومحمد بن عباس ممثل حزب الإخاء وهو حزب إسلامى جديد ظهر فى فرنسا. بسبب التحالفات السياسية ودعم الأحزاب المعادية للجبهة الوطنية، ينجح محمد بن عباس فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة ويصبح أول رئيس مسلم يدخل قصر الإليزيه فى تاريخ فرنسا. وقد نشأ بن عباس فى أسرة من المهاجرين، والده تونسى الأصل كان يملك محلاً للبقالة، ونجح عباس فى استكمال تعليمه الجامعى وتخرج فى كلية الإدارة الوطنية العريقة واحترف السياسة إلى أن وصل للمنصب الأهم فى الدولة الفرنسية.
بعد فترة من الاضطراب، تعود فرنسا إلى حالة من الهدوء الغريب فى ظل حكم رئيس إسلامى يقدم نفسه باعتباره نموذجاً للحداثة، وتدير شئون البلاد حكومة ائتلافية مقسمة حقائبها الوزارية ما بين ممثلى حزب الإخاء الإسلامى وما بين رموز تيار اليمين الوسط. وقد تنازل حزب الاخاء عن الوزارات الكبرى والمهمة فى مقابل سيطرته على وزارة التعليم، فقد أراد الحزب الإسلامى نشر تعليمه وأفكاره وأدرك أن التعليم هو الخطوة الأولى لإحكام سيطرته على المجتمع والدفع بأى تغييرات يريدها.
بعد استقرار الأوضاع فى فرنسا، أو على الأقل الاستقرار الظاهرى للأوضاع يعود أستاذ الأدب الفرنسى لوطنه بعد أن هرب منه لفترة وجيزة. لكن مع عودته يكتشف أن باريس عاصمة النور لما تعد هى تلك المدينة التى نشأ فيها، أما الجامعة فقد أصبحت مكاناً مجهولا بالنسبة. يرصد فرانسوا التغييرات التى شهدتها فرنسا فى ظل حكم الرئيس الإسلامى محمد بن عباس. ارتدت أغلب السيدات الحجاب وفضلن البقاء فى المنزل وترك مجال العمل للرجل وهو الأمر الذى ساعد على انخفاض معدلات البطالة فى فرنسا. من التغييرات الجذرية الأخرى التى يشهدها المجتمع الفرنسى تحت حكم محمد بن عباس، إصدار قانون يسمح بتعدد الزوجات،. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فإن فرنسا تنضم لمشروع من أجل دمج أوروبا بالدول الإسلامية فى البحر الأبيض المتوسط، حيث يرى محمد بن عباس نفسه باعتباره أول خليفة لأوروبا.
كما تشهد حياة أستاذ الأدب الفرنسى فرانسوا تغييرات جذرية بدورها، فجامعة السوربون العريقة تصبح تحت سيطرة المملكة العربية السعودية التى تفرض تعليم القرآن ويصبح اسم الجامعة «الجامعة الإسلامية- السوربون باريس» وفى المقابل ترتفع رواتب الأساتذة وتزداد الامتيازات التى يحصلون عليها.
وصف ويلباك هذه الهيمنة الإسلامية على فرنسا بالاحتلال الذى لن يواجه أى مقاومة من الشعب الفرنسى المخدر والفاسد والذى لن يتردد فى التعاون مع المحتل والخضوع له، والدليل أن فرانسوا فى النهاية سوف يفضل العودة إلى التدريس فى الجامعة بسبب الراتب المرتفع وحتى يتمكن من الزواج من أكثر من امرأة.
والجدير بالذكر أن مارى لوبان منافسة محمد بن عباس على كرسى الرئاسة فى رواية ميشيل ويلباك ليست شخصية خيالية فهى شخصية حقيقية وترأس بالفعل حزب الجبهة الوطنية الذى يمثل تيار اليمين المتطرف فى فرنسا. وقد أصبحت مارى لوبان نجمة على صفحات الجرائد فى أعقاب حادثة شارل إبدو. مارى لوبان هى ابنة مؤسس حزب الجبهة الوطنية جون لوبان الضابط الفرنسى السابق الذى شارك فى حرب الجزائر وفقد إحدى عينيه فى هذه الحرب، ويعد جون لوبان من أكثر المتشددين كراهية للمهاجرين العرب والمسلمين. فى هذا الاطار بدت رواية «الخضوع» وهى تضع الشعب الفرنسى أمام خيارين، فإما تأييد تيار اليمين المتطرف، أو الوقوع تحت سيطرة استعمار إسلامى يقضى على الهوية الفرنسية ويغير من ملامح الدولة.
ويبقى سؤال: هل النجاح الكبير الذى حققته هذه الكتب يعكس تصاعد المشاعر الكارهة للمسلمين فى فرنسا؟. وإن كان بعض مؤشراته قد بدأت فى الظهور من خلال حوادث التحرش الدينى بالمسلمين فى فرنسا وألمانيا، ولكن المواجهة أو بالأحرى السؤال الاخطر الذى ننتظر الاجابة عنه هو: هل تتحول بالفعل علاقة المسلمين فى فرنسا إلى مواجهة مع الدولة؟ وهل يصلان إلى مرحلة التفاهم والتسامح ام تتصاعد المواجهة؟
غضب المسلمين منحها الشهرة.. وجريمة المتطرفين منحتها قبلة الحياة
شارل إبدو: طول اللسان على الطريقة الفرنسية
مجلة شارل إبدو هى مجلة فرنسية أسبوعية ساخرة تم تأسيسها فى عام 1970 «توقفت فى الفترة من 1981 إلى 1991». تنتمى المجلة لتيار اليسار ومعروفة بالسخرية اللاذعة التى تنصب ضد شخصيات من تيار اليمين والرأسمالية إلى جانب هجومها على الأديان السماوية الثلاثة. وتعد هذه المجلة جزءاً من ثقافة السخرية الفرنسية الشهيرة التى بدأت فى عصر ما قبل الثورة الفرنسية، وعلى الرغم من عمر المجلة الطويل نسبيا فإن شهرتها فى السنوات الأخيرة ترجع بالأساس إلى غضب المسلمين فى جميع انحاء العالم منها. فقد لفتت المجلة أنظار العالم عندما نشرت رسومات كاريكاتورية تجسد الرسول «ص» فى 2012 بعد الهجوم الذى تعرضت له القنصلية الأمريكية فى بنغازى فى ليبيا. قبل ذلك بعام، تم إلقاء قنابل حارقة على مكاتب المجلة بعد أن نشرت عدداً خاصاً عن الإسلام تضمن ما وصفته المجلة بنسخة أقل تشدداً للشريعة الإسلامية، وتضمن غلاف هذا العدد صورة للرسول مع عبارة «ألف جلدة إذا لم تضحك» وأطلق على العدد اسم «شريعة إبدو».
فى 2006 أعادت شارل إبدو نشر رسومات الكاريكاتير المسيئة للرسول التى نشرتها الجريدة الدنماركية كشكل من أشكال التضامن، وخوفا من تصاعد موجة عنف فى فرنسا ثار على المجلة أو بالأحرى على سياستها الكثير من رموز المجتمع الفرنسى. فقد أدان الرئيس الفرنسى فى ذلك الوقت جاك شيراك ما قامت به المجلة ووصفه ب«الاستفزاز العلنى». كما تم اتهام المجلة ورئيس التحرير فى ذلك الوقت فيليب فال بإهانة المسلمين ولكن المحكمة أصدرت حكماً لصالح المجلة وفقا لقوانين حرية التعبير التى توفر الحماية القانونية للمجلة. لا تعد المجلة واسعة الانتشار فى فرنسا كما أنها غير منتظمة فى الصدور بسبب مشاكلها المادية، ويصل حجم توزيعها فى المتوسط إلى 50 ألف نسخة، بينما يصل حجم توزيع المجلة الساخرة المنافسة لها «البطة المسلسلة» إلى 500 ألف نسخة. فى نوفمبر الماضى طلبت المجلة من قارئها التبرع لها حتى لا تغلق أبوابها. لا تقتصر سخرية المجلة على الدين الإسلامى لكنها أيضا تهاجم بشكل منتظم بابا الفاتيكان، الديانة اليهودية والبوذية، كما تسخر بشكل منتظم من الرئيس الفرنسى، واحتل ساركوزى رئيس فرنسا السابق وفرنسوا أولاند الرئيس الحالى الكثير من أغلفة المجلة. وتعرضت المجلة ليس فقط لغضب المسلمين فى فرنسا، الذين خرجوا فى مظاهرات ضد المجلة عندما أعادت نشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للرسول، ولكن أيضا لانتقادات الكثير من رموز المشهد السياسى فى فرنسا. بحسب لورين ليجيه، أحد العاملين فى المجلة الذى نجا من هذه الحادثة، فإن المجلة تهدف إلى السخرية من كل أشكال التطرف سواء الإسلامى، المسيحى أو اليهودى، وأضاف ليجيه فى تصريح له ل«سى إن إن» يعود إلى 2012 أن المجلة لا تسخر من الدين، فمن حق أى شخص أن يكون متديناً، لكنها فى المقابل لا تقبل الأفكار والأفعال المتطرفة.
إلا أن لمجلة شارل إبدو موقفاً حاسماً من قضية المحرقة اليهودية أو الهولوكوست، قد كسرت المجلة من قبل التابو الذى لا تقترب منه الصحافة الغربية وذلك عندما نشرت عدداً سخرت فيه الهولوكوست، وهذا يعد استثناء فى الصحافة الغربية. ويعمل اليهود فى مراكز النخبة وصنع القرار فى أوروبا وأمريكا على إضفاء حماية أو حصانة أخرى على الهولوكوست. والجدير بالذكر أن غلاف آخر عدد نشرته المجلة قبل وقوع هذا الاعتداء تضمن رسماً كاريكاتيرياً ساخراً من الكاتب الفرنسى ميشال ويلباك صاحبة رواية «الخضوع» التى تتنبأ بوصول رئيس مسلم إلى قصر الإليزيه فى عام 2022، وقد تعرضت الرواية لانتقادات عدة واتهم الكثير من المحللين ويلباك بأنه يساعد على انتشار فوبيا الإسلام فى فرنسا. وقد ارتكب الاعتداء فى نفس يوم صدور الرواية التى تهاجم المسلمين والتى سخرت مجلة شارل إبدو من كاتبها لما تتضمنه كتاباته من أفكار متطرفة ضد المسلمين، وتضمن هذا الغلاف عنوان «تنبؤات الساحر ويلباك.. فى 2015 سوف أخسر أسنانى، وفى 2022 سوف أصوم رمضان». ولكن الجريمة البشعة ضد محررى ورسامى مجلة شارل إبدو أمدتها بقبلة الحياة، فلم يعد أمام الرافضين لسياسة المجلة فى استفزاز المسلمين إلا مساندة المجلة فى محنتها.وفضلا على الدعم المعنوى الخرافى الذى حصدته شارل إبدو بعد الاعتداء عليها ومقتل 17 من صحفييها ورساميها انهالت على المجلة تبرعات مالية وصلت إلى 2 مليون يورو بينها مليون يورو من الحكومة الفرنسية والمبالغ الأخرى من شركات وصحف أخرى تضامنا من المجلة، ولا تزال التبرعات تتدفق على المجلة مساندة لها فى محنتها.والعدد القادم من شارل إبدو سيصدر بعدد صفحات مضاعفة.
فضيحة المخابرات الفرنسية فى عملية شارل إبدو
موقع تابع لداعش نشر أن رئيس تحرير المجلة مطلوب حياً أو ميتاً
«أنتم الدولة» هكذا صرح الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند لضباط ومسئولى الداخلية الفرنسية أثناء وجوده فى مبنى وزارة الداخلية يوم الجمعة الماضى أثناء عملية مطاردة مرتكبى حادثة شارل إبدو وعملية إطلاق سراح الرهائن المحتجزين فى أحد محلات البقالة.
ظهر هذا التصريح القوى من الرئيس الفرنسى وكأنه محاولة لبث الثقة فى الجهاز الأمنى الفرنسى الذى فشل فى أول اختبار له فى مواجهة الإرهاب. قبل أيام من وقوع حادثة الاعتداء على مجلة شارل إبدو تلقت المخابرات الفرنسية تحذيراً من نظيرتها الجزائرية بشأن قرب وقوع عمل إرهابى كبير فى باريس، وعلى الرغم من هذا التحذير المباشر وعلى الرغم من حالة التأهب القصوى التى رفعتها أجهزة المخابرات الأوروبية بعد تحذيرات بشأن إمكانية شن هجمات إرهابية بالمدن الأوروبية فى 2015، إلا أن المخابرات وأجهزة الأمن الفرنسية لم تنجح فى مهمتها.
ألقت أجهزة الأمن الفرنسية مسئولية فشلها فى إيقاف هذه العملية على حقيقة أن هناك ما يقرب من 5 آلاف فرنسى مشتبه فى ارتباطهم بالإرهاب والتطرف وبالتالى من المستحيل مراقبتهم جميعا. لكن الأجهزة الأمنية الفرنسية لم تبرر كيف لم توفر التأمين الكافى لمقر مجلة شارل إبدو خاصة فى ظل إدراك هذه الأجهزة أن هناك عملاً إرهابياً قادماً، ومن المعروف أن هذه المجلة قد أثارت غضب المسلمين من قبل وشهدت مكاتبها إلقاء قنابل حارقة فى عام 2011. بالإضافة إلى ذلك فإن النسخة الإنجليزية لموقع مجلة تنظيم القاعدة باليمن على الإنترنت والتى تحمل اسم «الهام» قد تضمن اسم ناشر مجلة شارل إبدو ستيفان شابونيه ضمن قائمة للمطلوب القبض عليهم حيا أو ميتا، وضمت القائمة 12 اسما وحملت عنوان «رصاصة فى اليوم تبعد كافراً».
تحت عنوان «هذا العمل هو أسوأ عمل إرهابى فى فرنسا منذ 50 عاماً» نشرت جريدة الدايلى تليجراف البريطانية تحليلاً لهذه العملية. وأشارت الجريدة إلى أن هذا العمل يعكس فكراً استراتيجياً وتخطيطاً على أعلى درجة من التنظيم، فالعملية تمت فى وقت قصير وهرب مرتكبوها بسهولة فى عربية ستروين سوداء، كما تم تسليحهم بشكل جيد وكان معهم كلاشينكوف وقاذفة صواريخ، كما تم اختيار توقيت الجريمة فى اليوم الذى يعقد فيه اجتماع التحرير الأسبوعى لضمان تواجد أكبر عدد من الصحفيين.
اعتبرت الجريدة أن هذا الاعتداء يعد من أسوأ الأعمال الإرهابية التى تشهدها أوروبا منذ العديد من السنوات. كما أنه يعد بالتأكيد واحداً من أخطر الاعتداءات التى تعرضت لها باريس منذ تفجيرات المترو فى التسعينيات. الأكثر خطورة، أن هذا الاعتداء يأتى فى سياق حالة التأهب القصوى التى رفعتها أجهزة المخابرات الأوروبية على خلفية تهديدات تنظيم داعش بشن هجمات على أوروبا.
من جانبها نشرت جريدة الدايلى ميل تقريراً عن حالة الاستعداد الأمنى التى اجتاحت أوروبا وأشارت إلى أن المخابرات الحربية البريطانية «ام أى 5» والمخابرات البريطانية «إم آى 6» تتعاون مع نظيرتها الفرنسية
وفى تحديد مسئولية المخابرات الفرنسية أو بالأحرى الإهمال فى الحادث هناك فضائح أخرى، فمن غير المفهوم لماذا تجاهلت فرنسا التحذير الجزائرى ولماذا لم تهتم بمراقبة الشقيقين كواشى ذوى الأصول الجزائرية على الرغم من كم المعلومات الاستخباراتية الكبيرة بشأنهما والتى من المفترض أن تثير قلق الأجهزة الأمنية.
شريف كواشى سبق أن حكم عليه بالسجن فى 2008 بتهمة الانضمام لخلية تجنيد الإرهابيين، وفى 2010 تم التحقيق معه بشأن المشاركة فى مؤامرة من أجل تهريب إسماعيل بلقاسم الإرهابى الجزائرى المتهم بتفجير محطة سكة الحديد فى فرنسا عام 1995، وقد أطلقت الشرطة الفرنسية سراحه دون توجيه أى اتهام. أما الشقيق الأكبر سعيد كواشى فهو الأقل شهرة، وقد صرحت أجهزة الاستخبارات الفرنسية بأن سعيد قد سافر إلى اليمن فى 2011 متوجها إلى تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية. فى اليمن تلقى سعيد تدريبات عسكرية متنوعة من ضمنها التدريب على كيفية إطلاق النار واستخدام الأسلحة المختلفة، وتصنيع القنابل.
كما نشر موقع ال«سى إن إن» تقريراً أشار فيه إلى أن مصدراً قريباً من الأجهزة الأمنية الفرنسية قد صرح بأن أحد الشقيقين قد سافر إلى سوريا فى وقت سابق بالعام الماضى. بينما نشرت جريدة «يو اس توداى» الأمريكية إلى أن كلا الشقيقين عاد من سوريا هذا الصيف، وكليهما كان على قاعدة المعلومات الأمريكية الخاصة بالمشتبه فيهم فيما يتعلق بالأعمال الإرهابية الدولية، كما أدرج اسماهما ضمن قائمة الممنوعين من دخول أمريكا منذ سنوات.
على ناحية أخرى نشرت جريدة الدايلى ميل البريطانية تقريراً ربطت فيه بين الشقيقين كواشى وبين مسجد منتزه فيسبرى فى لندن الذى ارتبط بعدد من المتورطين فى الأعمال الإرهابية مثل الشيخ أبوقتادة والشيخ أبوحمزة. وأشارت الجريدة إلى إنه أثناء احتجاز شريف كواشى بالسجن فى باريس التقى مع جمال بقال الذى يعد الرجل الأول لتنظيم القاعدة فى أوروبا والمصدر الأول لتجنيد أعضاء جدد للقاعدة فى أوروبا. وقد قضى بقال 10 سنين فى السجن بباريس بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية وارتبط اسمه باسم منتزه فيسبرى فى لندن ويعد أحد تلاميذ الشيخ أبوقتادة.
فى حوار خاص مع ال«سى إن إن»، صرح صحفى الشئون الأمنية فى مجلة «لاكسبرس» الفرنسية إريك بيلتيه بأن المخابرات الأمريكية قد رصدت سفر سعيد كواشى إلى اليمن فى يوليو الماضى، على ناحية أخرى أكد أحد عملاء المخابرات الأمريكية أن سعيد كواشى سافر فى 2011 إلى اليمن حيث تلقى هناك تدريبات عالية المستوى فى معسكرات تنظيم القاعدة فى اليمن. كما أكد عميل مخابرات فرنسية أن هناك اعتقاداً قوياً أن شريف كواشى سافر هو الآخر إلى اليمن فى رحلة قصيرة عام 2011 وبشكل منفصل عن شقيقه.
وقد أبلغ الصحفى والباحث اليمنى محمد الكبسى موقع ال«سى إن إن» أنه قابل وتحدث مع سعيد كواشى فى اليمن عام 2011 و2012. بحسب الباحث اليمنى فإن كواشى ظل فى اليمن لمدة طويلة فى عام 2011. وكانت أول زيارة قام بها سعيد كواشى لليمن فى 2009 وظل هناك إلى منتصف 2010 قبل أن يغادر لفترة قصيرة ويعود فى نهاية هذا العام. وأضاف الكبسى أن سعيد كواشى أقام لمدة أسبوعين فى نفس المسكن مع عمر فاروق عبدالمطلب صانع المتفجرات اليمنى. حاليا يقضى عبدالمطلب حكماً بالسجن المؤبد بتهمة محاولة إسقاط طائرة طيران نورث ويست فوق مدينة ديترويت الأمريكية بالكريسماس 2009 عن طريق استخدام متفجرات فى الملابس الداخلية.
كان المسكن الذى جمع بين كواشى وعبدالمطلب بالقرب من مدرسة الطبرى الشهيرة وكان الاثنان يصليان هناك معا.
بعد الأحداث الدامية التى شهدتها فرنسا على مدار ثلاثة أيام وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً من ضمنهم الشقيقان كواشى والإرهابى السنغالى أميدى كوليبالى لم يبق أمام السلطات الفرنسية سوى محاولة القبض على زوجة كوليبالى حياة بوميدين التى تعد الخيط المتبقى فى هذه القضية. فى البداية اعتقدت السلطات الفرنسية أن حياة كانت بصحبة زوجها أثناء احتجازه الرهائن فى السوبر ماركت، ولكن بعد ذلك اكتشفت السلطات أنها غادرت فرنسا فى 2 يناير، وهناك تقارير تشير إلى أنها متواجدة فى تركيا حيث تستعد من أجل الانتقال إلى سوريا. وقد تتبعت السلطات التركية حياة ورصدت تواجدها فى منطقة حدودية مع سوريا وذلك بحسب مسئول فى مكتب رئيس الوزراء التركى. وصلت حياة إلى مطار اسطنبول قادمة من مدريد مع رجل.
ولكن فرنسا بعد صدمة الجريمة البشعة لا تتحدث فقط عن مسئولية المخابرات الفرنسية فثمة اسئلة أو بالأحرى اعتراضات تتجاوز دور المخابرات الفرنسية إلى الدولة الفرنسية بكل مؤسساتها، فمن غير المفهوم أيضا لماذا تركت الدولة الفرنسية المساجد والمؤسسات الإسلامية فى قبضة التيارات المتطرفة والمتشددة وذلك بمباركة ودعم من الحكومة الفرنسية. وكانت جريدة ليبراسيون الفرنسية قد كشفت فى تحقيق سابق يعود تاريخه إلى 26 إبريل 2013، كيف تسيطر تيارات الاسلام المتشدد على الكثير من الجوامع الفرنسية. أشهر الكيانات الإسلامية فى فرنسا هو اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا الذى تأسس فى الثمانينيات على يد التونسى عبدالله بن منصور والعراقى محمود زهير، والاتحاد هو جزء من المجلس الإسلامى التابع للحكومة الفرنسية. وبحسب الجريدة فإن اتحاد المنظمات الاسلامية فى فرنسا هو جزء من التنظيم الدولى لجماعة الاخوان فى أوروبا، ويملك الاتحاد 30 مسجداً ويدير ما يقرب من 200 مسجد آخر فى فرنسا.
وبحسب تقرير فإن دولة قطر كما حرصت على شراء الكثير من الشركات والمبانى الفرنسية، حرص على السيطرة على الإسلام فى فرنسا بتقديم تمويل للمساجد ودعم اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا. وأشار التقرير إلى أن يوسف القرضاوى يلعب دورا فى تنسيق العلاقة بين قطر واتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، وكان الاتحاد قد استضاف القرضاوى منذ عدة سنوات لإلقاء محاضرة فى شاتو-شينون المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية وهو مركز تدريبى تابع للاتحاد. كما قدمت قطر دعماً مالياً كبيراً لجمعية مناهضة فوبيا الإسلام التى يرأسها الإخوانى المتشدد نبيل الأنصارى، وقدمت تمويلاً لمركز التوحيد الثقافى حيث يتم استضافة شخصيات من جماعة الإخوان لإلقاء المحاضرات، ومن ضمن هذه الشخصيات راشد الغنوشى مؤسس حزب النهضة فى تونس وهانى رمضان شقيق طارق رمضان والأكثر تطرفا.
ومن الأدلة الأخرى التى تؤكد أن الدولة الفرنسية فى بعض الأحيان تبارك وتدعم تمويل التيارات المتشددة فى فرنسا، ما حدث فى قضية المشروع القطرى لتمويل الضواحى فى باريس، هذا المشروع الذى وضع ميزانية تقترب من 50 مليون دولار من أجل تطوير ضواحى باريس التى تعد مركزاً للمهاجرين العرب والمسلمين. أثار هذا المشروع غضب الكثير من رموز المشهد السياسى فى فرنسا وتم وصفه بحصان طروادة، المنتقدين للمشروع اعتبروه مجرد غطاء الهدف منه تمويل الجماعات والتيارات الاسلامية المتشددة فى فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.