لا خلاف علي أننا نعايش هذه الأيام حالة من حالات العبثية غير المفهومة, أو حالة من حالات الفوضي غير المبررة, وهي فوضي تسقط دولة علي حد تعبير الأستاذ محمد عبد الهادي رئيس تحرير الأهرام في مقاله الأخير بالأهرام, وتهدم أركاننا وبنياننا, والعجيب هو أن تتصاعد وتيرة هذه الفوضي, وتتشابك, والحالة المصرية الآنية تقترب من محطة استقرارها الأخير, ومرفأها الوثير, باقتراب انتخابات الرئاسة التي يتطلع إليها كل مصري عاقل يريد مصلحة هذه الأمة, ويحلم باستقرارها ومستقبلها وأمنها المفقود, وإذا أردنا أن نشخص حالة العبث والفوضي التي نعيشها هذه الأيام, والتي تهدد بالفعل الفترة المتبقية من الفترة الانتقالية, فسنجدها ماثلة في النقاط التالية: أولا: هذه الجدلية العبثية الفوقية إن صح التعبير التي نرصدها الآن في العلاقة بين أهم مجلسين شرعيين بالدولة, ألا وهما مجلسا الشعب والوزراء, وهي جدلية عنادية فحسب, فكلاهما يريد أن ينتقم من الآخر لأسباب واهية غير مقبولة, فهل يعقل أن يغلق مجلس الشعب أبوابه, ويعلق جلساته لأن المجلس العسكري لم يقل حكومة د. كمال الجنزوري إلي الآن؟ برغم أن الفترة المتبقية أصلا من عمر هذه الوزارة لا تتجاوز الشهرين, قياسا إلي تاريخ تسلم الرئيس الجديد مهامه المنتظرة في نهاية يونيو المقبل, ولا تحتمل هذه الفترة القصيرة بطبيعة الحال أن تأتي حكومة جديدة تدرس من جديد أحوال البلد, وأزماته, وتناقش وتبحث وتقرر.. إلخ. ثانيا: هذه الاعتصامات المتزايدة والمتفاقمة أمام وزارة الدفاع بالعباسية, التي لم نفهم مبتغاها إلي الآن, ومن المحرك الرئيسي لها, والتي تسببت في إزهاق أرواح وممتلكات, وفي وقوع الإصابات, وعودة البلطجية بوجههم القبيح من جديد لممارسة أعمال التعدي والإرهاب, ناهيك عن تحويل المنطقة وشوارعها إلي منطقة حرب, وما ترتب علي ذلك من تجريف الشوارع, وتعطيل دولاب العمل, والمدارس والجامعات, ونحن في فترة امتحانات نهاية العام, الأمر الذي دفع جامعة عين شمس إلي تأجيل امتحانات الدور الثاني إلي أجل غير محدد, انتظارا لما ستسفر عنه الأحداث, وكذلك بعض المدارس. ثالثا: هل من المعقول في ثنايا انشغالنا بهذه الحالات العبثية من الاعتصامات والاختلاقات والصراعات حتي بين أجهزة الدولة أن تشتعل الحرائق بشكل غير مسبوق, ومثير للدهشة والعجب في وقت واحد في كبري الشركات الإنتاجية المصرية الحكومية وغيرها, ابتداء بشركة النصر للبترول في السويس, مرورا بشركة بيع المصنوعات بطنطا التي تسببت في حريق الشارع التجاري الكبير كله بالمدينة, وصولا إلي شركة توشيبا العربي وغيرها من الشركات الأخري في مناطق متفرقة من البلاد, الأمر الذي يشير من جديد إلي وجود طرف ثالث يستغل الأحداث في إغراق البلد في دوامة الخسائر, وفي هدم أركان الاقتصاد. رابعا: من أبشع مظاهر العبث والفوضي التي نعيشها, والتي تؤثر بالفعل علي مكانة مصر الكبري, ودورها الريادي ما نراه من الاعتصامات والوقفات أمام السفارات كما حدث أمام السفارة السعودية, مما دفع المملكة التي تربطنا بها أرفع علاقة إلي سحب سفيرها للتشاور, ولولا تدخل العقلاء لوقع ما لم تحمد عقباه, وهي الدولة التي يعمل بها أكثر من مليوني مصري, وتساند مصر بقوة في فترتها الانتقالية الحالية علي جميع المستويات. إذن فهذه هي بعض صور العبث والفوضي التي نعايشها الآن, والتي لا يستحقها هذا الشعب الأصيل الذي صمد طيلة سنة ونصف السنة وعاني الكثير من عدم الاستقرار, وفقدان الأمان, واختلاف الآراء, وغلاء الأسعار, وقطع الطرق, وكان معوله الوحيد علي الصبر علمه بأن مصر تمر بمرحلة مخاض ينتظرها بمشيئة الله مستقبل زاهر, وأمان دائم, فهل من رشيد في هذه الفترة حتي تمر بسلام؟ تلقيت هذه الرسالة من الدكتور بهاء حسب الله الأستاذ بآداب حلوان, وكم تحدثنا كثيرا عن الحوادث التي تتكرر بالصورة نفسها ولا نجد لها تفسيرا, ولا تصل التحقيقات فيها إلي شيء, وأرجع الجميع ما يحدث إلي اللهو الخفي, فهل الدولة بكل أجهزتها لا تستطيع أن تحدد هذا الجاني الذي يفلت في كل مرة يرتكب فيها مذبحة؟ إن حسن النيات وحده لا ينفع, ولابد من خطوات واضحة وملموسة تعيد الثقة المفقودة إلي الحكومة!!