قال رسولنا الكريم « لا تشد الرحال الا الى ثلاث – المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدى هذا» وذلك طلبا للعبادة والمغفرة ثم يأتى مسجد رابع ذلك هو «الجامع الأزهر» ذلك المسجد الخالد على الدهر والمعهد العالى الأسطورى الذى اصبح مقصدا لكل مسلمى العالم طلبا للعلم والمعرفة والتزود بأصول الدين الإسلامى وشريعته السمحاء . والذى جعل من الأزهر معهدا علميا متميزا بجانب جهد علمائه هو اسلوب التعليم والتعلم الذى ابتدعه علماؤه الأولون فى أروقته وساحاته , فالتعليم فى الأزهرمنذ البداية كان حرا , فكان طلاب العلم يفدون الى ساحة الجامع الأزهر تحدوهم رغبة عارمة فى طلب العلم والمعرفة لا مجرد الحصول على شهادة , فكان الطالب يتردد على من يشاء من الأساتذة لينهل من علمهم لايحده وقت معين , وفى نفس الوقت يستطيع بلا قيود أن ينتقل الى حلقة شيخ آخر حسب رغبته فى الحصول على المعرفة التى يريد أن يتزود بها , هذه الحرية فى التحصيل هى التى مكنت الرعيل الأول الذين تعلموا فى الأزهر من الإجادة والتبحر فى مختلف العلوم والفنون بجانب تفقههم فى علوم الدين والشريعة فكانوا أعلاما نابهين لأنهم كانوا طلاب معرفة وليسوا طلاب شهادات, كان هذا الأسلوب فى التعليم يعرف بالحلقات الدراسية , ففى بداية العام الدراسى توزع الأعمدة على الشيوخ وكان لكل شيخ عمود لا يغيره وعلم ثابت يقوم بتدريسه وهو ما يشير الى قدر كبير من التخصص والحرفية فى تناول الحلقة بالنسبة للشيوخ , والطلبة يلتفون حول الشيخ فى نظام وترتيب معين , والبعض يرى أن نظام شيخ العمود هو الأساس لنظام أساتذة الكراسى الذى هو البناء الأساسى للأقسام العلمية فى جامعات الدول المتقدمة, فنظام شيخ العمود والحلقات الدراسية يهدف بالدرجة الأولى الى نشر المعرفة من العالم الذى يعلم الى طالب العلم والمعرفة الذى لم يكن هدفه مجرد الحصول على شهادة كما هى الحال لمعظم طلاب الجامعات المصرية وظل التعليم حرا فى الأزهر حتى عام 1908 م. ويرون أن قوانين 1908 و 1911 م لتطوير الأزهر أحدث ضررا بالمستوى العلمى لخريجيه , ومن الجدير بالذكر أن جامعات العالم المتقدم عندما أرادت تطوير نظام التعليم الجامعى بها أنشأت نظاما مستمدا من نظام الحلقات الدراسية الذى ابتدعه الأزهر وسمى «نظام الساعات المعتمدة» بعد أن أعملوا عقولهم فيه وطوعوه لكى يتواءم مع نظم التعليم القائمة بالأقسام العلمية بجامعاتهم , ولو طور نظام الحلقات الدراسية الذى ابتدعه الأزهروأدمج مع نظام الساعات المعتمدة لحصلنا بالتأكيد على نتائج أفضل عند تطوير التعليم خاصة بالأزهر. ولم يتوقف تطوير التعليم فى الأزهر عند قوانين 1908 و1911م بل استمرت المسيرة بجهد علمائه المتطورين تلاميذ الشيخ محمد عبده وكان أبرزهم الشيخ المراغى الذى بجهده لتطوير الأزهر صدرت عدة قوانين فى الثلاثينيات من القرن العشرين نتج عنها انشاء كليات الشريعة واللغة العربية وأصول الدين, واعتبر ذلك نقلة قوية نقلت الأزهر من حال الأضطراب الثقافى إلى حال الأستقرار النهائى حيث استطاع الأزهر أن يكون ندا قويا لمنظومة التعليم الحديث محافظا ومعظما دوره الرئيسى فى الحفاظ على وسطية الاسلام ونشر الفكر والتشريع الاسلامى من خلال خريجيه الذين اعتلوا منابر المساجد المنتشرة فى مصر والعالم الإسلامى كدعاة يعلمون رواد تلك المساجد صحيح الدين الاسلامى بوسطيته السمحاء وقد تخرج على هذا النظام علماء ودعاة عظام أمثال د. عبد الحليم محمود والشيخ الشعراوى وغيرهم كثيرون . وقد استمر ذلك حتى عام 1961 م حيث صدر قانونا لتطوير الأزهر أحدث هزة خطيرة فى الأزهر حيث فرض على الأزهر كليات مدنية علمية كالطب والهندسة والعلوم والتجارة وغيرها وكان حجة من وضعوا هذا القانون هو حاجتهم الى دعاة مؤهلين مهنيا كطبيب داعية ومهندس داعية للاستعانة بهم عند الحاجة فى البلاد التى تجهل الاسلام والسؤال الأن هل نحن بحاجة لعشرات الاّلاف من هؤلاء الدعاة , أم أن الإعداد المطلوبة لهذه المهمة الصعبة محدود ويحتاج الى تأهيل خاص مهنيا ولغويا ودينيا وثقافيا تبعا للبلاد التى سوف يرسلون اليها , وهل خطة التنمية فى مصر فى حاجة لهذه الأعداد الكبيرة بجانب زملائهم خريجى الجامعات المصرية الاجابة بالقطع لا!! وبذلك انضموا الى طابور حاملى الشهادات الجامعية العاطلين , والأخطر من ذلك أن قانون 61 م لم يضف الى مهام الأزهر التى زاولها طوال تاريخه بل العكس من ذلك عمل على اضعافها وذلك بانشاء الكليات العلمية التى أصبحت منافسا للكليات الأزهرية التقليدية فى جذب النابهين من طلاب الثانوية الأزهرية الحاصلين على أعلى الدرجات اليها ليتبقى للكليات الأزهرية التى هى عماد الأزهر والحاملة مسؤولية تحقيق أهدافه الطلاب ضعاف المجاميع وهذا يفسر المستوى المتواضع لخطباء المساجد المتخرجين من الأزهر فى الفترة الأخيرة , وهناك دعوة لتطوير الخطاب الدينى فبمن سوف نطور الخطاب الدينى , هل بضعاف المجاميع أم بالطلبة النابهين الذين تركوا كليات الأزهر التقليدية واتجهوا الى الكليات العملية بجامعة الأزهر التى عندنا من خريجيها الكثير ونحن بحاجة الى دعاة على مستوى عالٍ نستطيع أن نطور بهم الخطاب الدينى للتصدى لطيور الظلام الذين انتشروا كالجراد فى جميع قرى ومدن مصر والعالم الاسلامى ولرفع المستوى العلمى للدعاة فيُقترح تزويدهم بقدر من الثقافة العلمية وأسلوب اتباع الطريقة العلمية والمنهج التجريبى الذى ابتدعه علماء المسلمين الاوائل وذلك ليساعدهم على فهم الكون والمتغيرات العلمية الحديثة والوصول الى عقول من يتلقون عنهم , وذلك بادخال مقررات علوم طبيعية كالفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة وغيرها فى مناهج الكليات الأزهرية يقوم بتدريسها اساتذة متخصصون , وذلك تمشيا مع التطور العلمى الرهيب الذى يسود العالم , ولكى نُفرغ الأزهر لإعداد هؤلاء الدعاة القادرين على حمل مسئولية تطوير الخطاب الدينى فيجب تخليص الأزهر الشريف من الكليات العلمية التى اُدخلت عليه لكى يبقى الأزهر محتضنا كلياته الأزهرية الأصيلة التى تحمل رسالة الأزهر وهى الحفاظ على وسطية الاِسلام ونشر شريعته السمحاء وهى مهمة ثقيلة أعان الله شيوخه وعلماءه عليها, وهذه هى مسئولية الدولة إذا ارادت اصلاحا حقيقيا للأزهر أما الكليات المدنية فيمكن للدولة أن تنشئ منها جامعة أهلية يكون قانون إنشائها نموذجا للجامعات الخاصة التى تحول معظمها الى وسيلة للكسب المادى, وبهذه الجامعة المقترحة التى لا ينقصها شىء فالبنية الأساسية والتجهيزات العلمية موجودة وأعضاء هيئة التدريس موجودون ولا ينقصها شىء إلا قانون محكم ينظم العمل بها . أمٌا مقولة أن الأزهر يخرج المهندس المسلم والطبيب المسلم , فهذه مقولة مردود عليها حيث أن الجامعات المصرية الأخرى تخرج أيضا المهندس المسلم والطبيب المسلم . وعلى الله قصد السبيل. لمزيد من مقالات د.أحمددويدار بسيونى