يخطئ من يتصور أن الأزمة التى تعيشها السياحة المصرية منذ ثلاثة أشهر وعقب سقوط الطائرة الروسية فى سيناء.. هى أزمة عادية مثل كل الأزمات السابقة يعنى «أزمة وهتعدي».. لكننا نقول ومعى طابور طويل من العقلاء والخبراء إنها ليست أزمة عادية على الإطلاق.. بل هى كارثة، أو على وجه الدقة هى الأزمة الأكبر والأسوأ فى تاريخ السياحة المصرية.. فتأثيرها السلبى أكبر بكثير من أزمة الأقصر 97، وكل أزمات وحوادث الإرهاب فى السنوات الأخيرة. ففى كل الحوادث والأزمات السابقة كان هناك مقصد أو مدينة سياحية مصرية تعانى بشدة لكن غيرها كان بعيدا إلى حد كبير عن ذلك.. لكن الأزمة الأخيرة خيمت على كل مقاصد مصر السياحة الأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم وطابا وحتى القاهرة، ولأول مرة يغلق العديد من الفنادق خاصة فى شرم الشيخ والغردقة أبوابه بالكامل ويعود العاملون فيها إلى ديارهم فى محافظات مصر المختلفة، فاقدين وظائفهم ودخولهم لينضموا إلى الذين يعانون من قسوة البطالة فى مصر. والأخطر فى هذه الأزمة أنها ضربت بعنف دخل مصر من السياحة ولا أحد يعلم أو يستطيع أن يخبرك بدقة متى تنتهى هذه الأزمة.. وهل تلعب السياسة والمتغيرات الدولية فى المنطقة والإرهاب دورا فى إطالة أمد الأزمة؟ وهل ما نبذله من محاولات من خلال الوزارة أو القطاع الخاص فى الترويج والتسويق يمكن أن يعود بنتائج إيجابية فى ظل تربص العديد من وسائل الإعلام الدولى بمصر سياسيا وسياحيا؟ من كان منا يستطيع أو يتخيل أن هذه المدينة الساحرة شرم الشيخ «درة التاريخ» فى مدن مصر السياحية تخلو فنادقها وشوارعها من السائحين، وبهذا الحجم المحزن، لدرجة أن خسائر رجال الأعمال الكبار اصبحت بالملايين شهريا وبالتالى لا مفر أمامهم سوى تسريح العمالة، والأصعب من ذلك ورغم قرارات الحكومة بمساعدتهم إلا أن الأمر لا يخلو من مضايقات وعدم تقدير للموقف. المهم.. فى الأيام الأخيرة يشغلنى البحث عن مخرج من هذه الصورة القاتمة للسياحة المصرية.. ولا إجابة وكلها أحلام بحدوث انفراجة.. لكن الحقيقة شيء آخر، وهى أن الموقف صعب جدا وأن الأزمة ستطول إلى شهور عديدة قادمة حسب رؤية أو رأى أحد كبار خبراء صناعة السياحة فى مصر والعالم وهو المهندس سميح ساويرس.. وكنت قد التقيت الصديق العزيز سميح ظهر أمس الأول فى جلسة استمرت نحو 3 ساعات بأحد فنادق القاهرة المطلة على النيل.. وميزة سميح الذى أعرفه منذ نحو 20 عاما انه رجل صريح و«دوغري».. لكن الميزة الأخرى التى جعلتنى أنصت إليه باهتمام شديد أنه فضلا عن خبرته الكبيرة هى أنه يعيش فترات طويلة بالخارج وعلى اتصال بأكبر رجال هذه الصناعة فى العالم، ويتواصل مع الإعلام الدولي، وبالتالى فإن رؤية الرجل من الخارج ربما تكون أكثر دقة فى توصيف الواقع، خاصة أن هذه الرؤية الوطنية الجريئة مملؤة بالغيرة على بلده وحرصه على مستقبل أفضل للسياحة، فرغم كل مشاريعه فى عدد من دول العالم تظل استثماراته فى مصر من وجهة نظره هى الأحب إلى قلبه. سألت سميح ساويرس مباشرة.. متى تنتهى الأزمة الحالية للسياحة المصرية؟ فأجاب بسرعة وأفاض قائلا: 1 علينا أن ندرك أن هذه الأزمة ستطول ولن تنتهى قريبا كما يتوقع البعض وأنا أقول ذلك وأنا حزين لأن الأزمة المصرية تتواكب معها مجموعة من الأحداث الإرهابية البشعة فى عدد من الدول العربية والإسلامية، وكذلك ما حدث فى كولون بألمانيا ليلة رأس السنة من تجمع للاجئين العرب والمسلمين الذين قاموا بالتهجم والتحرش بالفتيات والسيدات هناك، مما أعطى أسوأ انطباع عن المسلمين، واستغل الإعلام هناك هذه الحادثة وبدأت تزداد حالة الخوف من السفر فى كل غرب أوروبا إلى جميع الدول الاسلامية ومن بينها مصر بالطبع بدرجة واضحة قد لا نحسها نحن هنا ثم كان حادث اسطنبول وما سقط فيه من القتلى من الألمان وغيرهم.. إن كل ذلك يرتبط بالمسلمين ولا أقول الإسلام ولذلك يزداد الخوف من السفر بشكل عام إلى مصر وغيرها، وعلينا ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال ولابد من مواجهة مثل هذه القضايا .. الإرهاب والتحرش حتى نزيل الخوف ونشجعهم على السفر مرة أخرى. 2 المشكلة أن هذه المواجهة ستأخذ وقتا، والقضاء على هذا الخوف عند السائح الغربى ضرورى جدا.. وبالتالى فإن قطاع السياحة ربما يعانى الفترة المقبلة من البطالة، وكل من تم الاستغناء عنهم لابد أن تفكر الدولة فى مساعدتهم حتى لا يتحولوا إلى مشكلة تؤذى السياحة. 3 إن هناك سوقين تمثلان ما يقرب من 50% من السياحة إلى مصر، وهما روسيا وانجلترا.. وللأسف توقفا عن تصدير السياحة إلى مصر، وتلك معضلة كبرى لأنها ترتبط بالسياسة وبالطيران.. فبداية روسيا كما أعلم كانت تستعد لإعادة الطيران إلى مصر قبل نهاية يناير الحالي، وهذه معلوماتى من منظمين كبار للرحلات من السوق الروسية ومن مصادر واتصالات أخري.. لكن للأسف التقرير المبدئى الذى أذاعه رئيس لجنة التحقيق المصرى نفى وجود أى آثار لعمل تخريبى وهو عكس ما أعلنته الأجهزة الروسية ووضعها فى موقف حرج، وكان يجب الانتظار للتقرير النهائى والنتيجة كانت قرار تأجيل عودة الطيران. أما بالنسبة للسوق الإنجليزية فواضح أن الانجليز مازالوا يريدون التأكد من دقة الإجراءات الأمنية فى المطارات، والتأخير فى التوقيع مع الشركة التى تم اختيارها لتقييم تأمين المطارات لا يدفعهم لعودة الطيران الآن، وبالتالى تأخر عودة السياحة الانجليزية.. وهكذا فهناك مشكلة فى السوقين ولا يبدو حلها قريبا. وعن رؤيته لما يجب علينا أن نفعله للخروج من هذه الأزمة أجاب سميح ساويرس قائلا: 1 لابد من حلول جريئة والبحث عن أسواق بديلة قادرة على تعويض غياب السوقين الانجليزية والروسية.. وبعيدا عن أى حساسيات أو حسابات سياسية لابد من فتح السوقين الإيرانية والتركية، وكذلك سوق المغرب العربى والاهتمام بأسواق أوروبا الشرقية، رغم أن اعدادها ليست كبيرة لكنها جيدة.. ويمكن ايضا الاهتمام بالسوق الصينية خاصة أنها تصب فى مصلحة الأقصر وأسوان.. وهذه أفكار غير تقليدية وتفصل بين الشعوب والحكومات والسياسة، وفى النهاية صانع القرار فى مصر له رؤيته التى نحترمها فى هذا الاتجاه. 2 الاعتراف بأن أقوى وسيلة حاليا لمواجهة الأزمة هى التعامل مع الصحفيين والإعلام الدولي، وكذلك الحملات المشتركة مع منظمى الرحلات الأجانب الكبار، وعلينا أن نثق فى أن هذه الشركات الكبرى التى يتخطى حجم اعمالها المليارات لن تطمع فى بضعة آلاف مصرية من الحملات المشتركة، وأن المصلحة فى النهاية مشتركة.. وإلى جانب ذلك علينا رفع جميع القيود على الطيران الشارتر. 3 تبقى نقطة أخيرة وهى أن على وزير السياحة وهو بالطبع من الفاهمين فى الترويج والتسويق أن يشكل لجنة صغيرة جدا من كبار رجال السياحة فى مصر لا تتعدى 5 أو 6 أشخاص معهم 2 أو 3 من الخبراء فى الإعلام والتسويق والحملات ويجب ألا تزيد هذه اللجنة عن ذلك أبدا. للاستعانة برؤيتهم التى يرون ضرورة تنفيذها فى المرحلة المقبلة.. عند هذا الحد انتهت هذه الرؤية الجريئة لأسوأ أزمة فى تاريخ السياحة المصرية.. ويبقى الأمل فى عدم طول مدتها قائما بفضل من الله وكرمه. لمزيد من مقالات مصطفى النجار