نواصل اليوم الحوار حول الأزمة الأكبر فى تاريخ السياحة المصرية التى دخلت فيها منذ بداية الشهر الحالى عقب حادث سقوط الطائرة الروسية فى سيناء وما تلاه من دخول انجلترا على الخط. وكنا قد كتبنا على هذه الصفحة الأربعاء الماضى مقالا عن حالة الذعر التى انتابت بعض كبار رجال الأعمال فى القطاع السياحى الذين طالبوا بإسناد إدارة تأمين المطارات فى المدن السياحية لشركات أجنبية.. وكان مقالنا تحت عنوان «الرئيس والمذعورون والمطارات». وما نريد أن نوضحه اليوم بعد أن استمر البعض يردد هذا الرأى محدثا خلطا كبيرا بين الإدارة والتأمين فى المطارات.. أن هناك فرقا كبيرا بين الحالتين، فلا مانع أبدا من وجهة نظرنا الاستعانة ببعض الخبراء فى مجال الإدارة.. ولكن الآن ونظرا للظروف الحالية التى تمر بها مصر يمكن أن يضاف إليهم بعض خبراء الأمن من شركات أو أجهزة دولية يشكلون جميعا بالتنسيق مع أجهزة الأمن المصرية والقوات المسلحة المصرية لجنة عليا لإدارة وتأمين جميع المطارات بإشراف دقيق.. أما فكرة تسليم الإدارة والتأمين كاملين لشركات أجنبية فهى مرفوضة تماما من كل مصرى غيور على وطنه، وليس هذا كلام شعارات كما ردد بعض المذعورين أو الذين هرعوا يقدمون عروضا من شركات أمن أجنبية خاصة وكأن مطارات مصر شركة يمتلكونها وليست رمزا للسيادة الوطنية وعنوانا للدولة المصرية. وانظروا إلى ما يحدث حولكم فى كل العالم الآن من اختراقات أمنية وإرهاب لأعتى أجهزة الأمن فى العالم لتتأكدوا أنه لا أحد جرى وسلم مطاراته وحدوده لشركات.. ولكنهم يواجهون ذلك بمزيد من الإجراءات والجدية فى العمل وعدم الخضوع للإرهاب بكل صوره.. فهذا مرفوض مرفوض. وأعتقد أن الدولة قادرة على حسم هذا اللغط.. فقط علينا أن نثق فى قدرات المصريين وأن نتخلص من استهتار البعض وعدم إحساسهم بالمسئولية ونطبق القانون والإجراءات على الجميع، ونعاقب المخطئين وأن تقوم الحكومة بواجبها فى دعم وتأمين المطارات بأحدث الأجهزة.. أنتقل من الحديث عن المطارات إلى أزمة السياحة.. فقد بات الوضع فى شرم الشيخ محزنا جدا رغم محاولات الحكومة تنشيط السياحة الداخلية إلا أن نسبة الأشغال هناك تراجعت إلى نحو 10% بل وأغلق أكثر من 150 فندقا أبوابه، ومن السهل أن ترى العاملين وهم يعودون إلى محافظاتهم بعد أن منحهم أصحاب الفنادق إجازات ولا يدرون متى يعودون؟ ورغم محاولات إضاءة الأنوار فى الشوارع فإن الأزمة أكبر من الجميع وليس أدل على قسوتها من ذلك المستثمر صاحب أحد الفنادق الذى وقف أمام الوزراء يقسم بأغلظ الأيمان أنه «استلف» 100 ألف جنيه للوقوف على قدميه ويسدد مرتبات العاملين. إن أكثر من 62 ألف غرفة فندقية فى شرم الشيخ من بين نحو 240 ألف غرفة فى مصر كلها يكاد الحزن ينطق من بين جدرانها على حال هذه المدينة درة التاج فى مدن مصر السياحية، رغم أن المدينة كانت تستبشر بموسم شتاء جيد وتستعد للكريسماس وحجوزات رأس السنة بل أضاءت بالفعل أنوار الكريسماس فى منطقة سوهو سكوير.. وكانت تستعد لافتتاح فنادق جديدة على رأسها الفندق العالمى «سى جيت» الذىن يقولون إنه سيكون أضخم فنادق مصر، حيث يضم 1200 غرفة بأعلى المستويات العالمية الفاخرة وتكلف أكثر من مليار جنيه وكان مقررا افتتاحه هذا الأسبوع إلا أن مالكه ناصر عبداللطيف أجل كل شيء رغم خسائره الفادحة.. بل أبدى استعداده لاستضافة جميع أسر الطائرة الروسية على نفقته فى شرم الشيخ مشاركة للروس فى أحزانهم.. وعلى الطرف الأخر فى جنوبسيناء أبلغنى سميح ساويرس أن الموقف فى طابا أسوأ بكثير فقد أغلق كل فنادقه تقريبا بعد أن وصلت خسائره إلى أكثر من 150 مليون جنيه ولم يعد يستطيع أن يتحمل.. وما الموقف بالأقصر وأسوان والفنادق العائمة بأحسن حالا فنسب الأشغال فى حدود 5% فقط والخسائر منذ سنوات ليس لها مثيل.. وربما تكون الغردقة التى تضم 75 ألف غرفة أحسن حالا لكنها فى النهاية تأثرت كثيرا بغياب السياحة الروسية. وقد أحسنت الحكومة صنعا عندما اجتمعت الأسبوع الماضى فى شرم الشيخ وعندما جلس المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، مع المستثمرين وسمع منهم الكثير عن مشاكلهم وكلف نحو 12 وزيرا حضروا مؤتمر أخبار اليوم بمواجهة الموقف، حيث تم الاتفاق على عشرة توصيات محددة للعرض على الحكومة لدراستها خاصة فيما يتعلق بالتأمينات وضريبة المبيعات والكهرباء والمياه والبنوك والتأشيرات وبالفعل ذهب رؤساء البنوك إلى شرم الشيخ واجتمعوا مع المستثمرين وقرروا تقديم تسهيلات فيما يتعلق بتأجيل سداد القروض وفوائدها لمدة عام ودراسة كل حالة على حدة وتأجيل سداد فوائد القروض على مرتبات العاملين لمدة 6 أشهر .. كما قرر اللواء خالد فودة محافظ جنوبسيناء تأجيل جميع الرسوم وخاصة رسوم الشواطيء لمدة 6 أشهر.. . وفى إطار خطة مواجهة الأزمة تبدو أهمية الإشارة إلى رؤية هشام زعزوع وزير السياحة.. فهو يساند بالطبع المستثمرين فى حل كل المشاكل السابقة لكنه على مستوى مواجهة الأزمة ومحاولة إعادة السياحة إلى مصر فرغم أن الموقف من وجهة نظرنا نحن يعتمد بشكل كبير على تغير الموقف السياسى فى روسياوانجلترا فيما يتعلق برحلات الطيران إلا أن زعزوع يرى أنه مستمر فى تنفيذ حملة للعلاقات العامة فقط فى أسواق محددة وأن التسويق الإعلانى المباشر لا يصلح للمرحلة الحالية وأن الأولوية لتصحيح الصورة الذهنية خاصة فى أوروبا، أما السوق العربية فلها حسابات أخرى وأننا سنتحرك بينها بشكل مختلف لأنهم قريبون منا ويعرفون مصر جيدا ومن الممكن أن يشكلوا مع السياحة الداخلية وبعض أسواق أوروبا الشرقية التى سنتحرك فيها جبهة إنقاذ للسياحة المصرية. ومع كل هذه الجهود والأفكار لمواجهة الأزمة.. تبقى أهمية الحديث عن الفكرة التى طرحها الوزير النابه أشرف سالمان وزير الاستثمار فى لقائه مع مستثمرى شرم الشيخ عقب اجتماع مجلس الوزراء، وذلك لحل مشكلة التمويل والقروض خاصة ما يتعلق بالفنادق وليس كل المشروعات السياحية باعتبار أن الفنادق تمثل أصولا ثابتة.. فقد قال الوزير إنه يفكر فى طرح فكرة على الحكومة والبنوك للمناقشة وهى التعامل مع قروض تمويل الفنادق سواء للبناء أو التجديد والإصلاح بنظام قروض صندوق التمويل العقارى الذى يعطى الفوائد على 15 عاما، بينما قروض الفنادق تسدد على 5 أو 7 سنوات فقط وأنه يقترح أن يكون تسديد قروض الفنادق على 10 سنوات بنسبة فوائد مقبولة مثل التمويل العقارى ولا تصل إلى 14% أو 15%.. وقد رحب المستثمرون كثيرا بهذه الفكرة وإن كان بعض رجال البنوك قد أكدوا فيما بعد صعوبة ذلك.. لكن فى كل الأحوال فإن الفكرة أثارت جدلا وقابلة للدراسة ،خاصة أنها ستطبق إذا تمت الموافقة عليها على المستثمرين الجادين وحالة بحالة. فى النهاية كلها رؤى وأفكار الهدف منها الخروج من الأزمة ومساندة القطاع السياحى ودعم السياحة التى تشكل أكثر من 11% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر.. لكن يظل الأمل الأكبر فى تغير الموقفين الإنجليزى والروسى.. فهذا هو حجر الزاوية لعودة الانطلاق للسياحة المصرية من جديد. لمزيد من مقالات مصطفى النجار