لاشك أن حدثا فنيا سينمائيا كبيرا, قد وقع في مصر بعد اختيار لجنة مشاهدة مهرجان كان السينمائي الدولي الذي يعد واحدا من كبريات المهرجانات في العالم فيلم بعد الموقعة للمخرج يسري نصرالله ,في مسابقته الرسمية بدورته ال65 والتي تنطلق في ال16 من مايو الجاري وهو الأمر الذي يدعو للفخر لاسيما بعد فترة غياب استمرت لأكثر من15 عاما عن المسابقة الرسمية للمهرجان, بعد آخر مشاركة لفيلم مصري في المسابقة الرسمية وهو المصير للمبدع الراحل يوسف شاهين عام1997, ولكن يبقي السؤال المهم وهو: لماذا طال غياب مصر عن المشاركة رغم أنها الدولة الأعرق والأقدم في صناعة السينما في الشرق الأوسط ؟, ولماذا دول حديثة العهد بصناعة السينما مثل لبنان والجزائر وفلسطين وإيران وحتي إسرائيل كان لها نصيب كبير من المشاركة في كان وغيره من المهرجانات الكبيرة مثل فينسيا وبرلين؟ فنون الجمعة تحاول من خلال هذا التحقيق الإجابة علي هذه الأسئلة. كان فيلم دنياللمخرج محمد كريم هو أول حضور مصري إلي كان في عام1946 بطولة راقية ابراهيم وفاتن حمامة وتوالت بعد ذلك المشاركات بالمهرجان, ففي عام1949 عرض فيلم البيت الكبير سيناريو وإخراج احمد كمال مرسي وحوار سليمان نجيب وعبد الوارث عسر, من بطولة تحية كاريوكا وعماد حمدي وفاخر فاخر وسعيد أبو بكر وعبد الغني السيد وسليمان نجيب; كما عرض مغامرات عنتر وعبلة للمخرج صلاح أبو سيف, بطولة كوكا وفريد شوقي ونجمة إبراهيم وسراج منير وزكي طليمات واستيفان روستي, ليحظي بعدها أبوسيف بفرصة أخري ويعرض فيلمه الوحش في كان ايضا, والفيلم من تأليف نجيب محفوظ و بطولة سامية جمال ومحمود المليجي كما شارك فيلم حياة أو موت للمخرج كمال الشيخ, بطولة عماد حمدي ومديحة يسري ويوسف وهبي, والليلة الأخيرة إخراج كمال الشيخ وبطولة احمد مظهر وفاتن حمامة ومحمود مرسي عام1964. وانقطعت بعد ذلك الأفلام المصرية عن كان لفترات حتي عادت سنة1985 من خلال يوسف شاهين الذي عرض له عدد من الأفلام منها وداعا بونابرت و اليوم السادس عام1987 بطولة داليدا ومحسن محيي الدين وشويكار وصلاح السعدني وسناء يونس مثل فيه أيضا يوسف شاهين, وكان هذا آخر أفلام داليدا قبل وفاتها منتحرة في العام نفسه. وكان من الطبيعي أن نشاهد صورا للنجوم المصريين علي السجادة الحمراء في كان بدوراته المختلفة يقفون جنبا إلي جنب مع كبار النجوم. تراجع.. وغياب المؤسف أن حجم هذه المشاركات أخذ يتراجع عاما بعد الآخر, ويبدو أن ذلك يعود لتراجع السينما المصرية ومرورها بلحظات من الخفوت والكساد بعد عصرها الذهبي في الخمسينيات والستينيات وحتي السبعينيات وهي الفترة التي كانت تشهد فيها مصر نهضة ثقافية حقيقية انعكست بشكل كبير علي حجم المشاركات المصرية, وسنجد مثلا أن فنان بحجم يوسف وهبي كان احد النجوم المصريين الذين شاركوا في عضوية تحكيم كان في أوائل دوراته, وهو الحدث الذي لم يتكرر بعدها مطلقا. المخرج يسري نصرالله والذي عبر عن سعادته بمشاركة فيلمه بالمسابقة الرسمية لكان قال للأهرام أنه يعتبر نفسه محظوظا لأنه هو الذي عاد بمصر إلي كان بعد غياب طويل أرجع أسبابه إلي سيطرة السينما التجارية علي النمط الإنتاجي للسينما المصرية لفترات طويلة ناهيك عن العيوب التقنية التي كانت بالأفلام المصرية, وانهيار الصناعة في فترات سيطرة الموزع الخليجي والذي كان يفرض شروطا بعينها علي المنتج والفنان المصري, والأهم هو عدم وجود المنتج الواعي حقا بأهمية السينما. من نفس المنطلق شخص المخرج محمد كامل القليوبي أسباب انحسار السينما المصرية علي المستوي الدولي, في الأزمات التي شاهدتها السينما المصرية في مسارها الإنتاجي, وتركيز المنتجين علي تقديم أفلام تحت مسميات السينما النظيفة وغيرها وهي أفلام معلبة للاستهلاك, إضافة إلي تراجع الدولة عن دعم صناعة السينما وتركها بدون مسئولية محددة, فهي أحيانا تتبع وزارة السياحة وأحيانا أخري وزارة الإسكان كل ذلك انعكس بشكل أو بآخر علي صناعة السينما وشكل المنتج وكان من الطبيعي أن تمر علينا فترات لا نجد فيها فيلما يمثلنا في أي مهرجان حتي لو كان مهرجانا عربيا, فما بالك بالمهرجانات الكبري مثل كان وغيرها والتي تتطلب شروطا صعبة تتعلق بطبيعة الموضوعات والجودة التقنية, ونذكر هنا أن افلاما مهمة في تاريخ السينما المصرية حرمت من المشاركة بسبب رداءة شريط الصوت مثلا. الموقعة..نافذة الأمل ويبدو أن الزخم الثوري المصري فضلا عن انه حمس المخرج المبدع يسري نصر الله علي انجاز فيلمه الذي تدور احداثه حول موقعة الجمل الشهيرة, كان أيضا عاملا مهما في اختيار الفيلم ضمن20 فيلما فقط داخل المسابقة الرسمية لكان التي يتم تصفيتها من بين3000 فيلم ويشارك فيلم الموقعة في مسابقة قوية تضم أفلاما لكبار المخرجين في العالم ومنها الفيلم الأمريكي( فتي الصحف-ThePaperboy) بطولة زاك إيفرون ونيكول كيدمان وماتيو ماكونوهي وجون كيوزاك وإخراج لي دانييلز. وفيلم( طين-Mud). وفيلما( بلا قانون) و(قتلهم بنعومة)الذي يلعب بطولته نجم هوليود براد بيت. وتضم قائمة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية فيلم( طعم المال-TheTasteofMoney) للمخرج إم سانج-سو كما يعود المخرج الروماني بفيلمه( خلف التلال-BeyondtheHills). كما يعود المخرج الإيراني الكبير عباس كياروستامي, الفائز بالسعفة الذهبية عام1997, إلي مهرجان كان بفيلمه الجديد( كمن يعيش حالة حب-LikeSomeoneinLove) وهو عمل رومانسي تدور أحداثه في اليابان. وتتناول أحداث فيلم الموقعة ما بعد الثورة المصرية و يروي قصة ناشطة سياسية تعمل في شركة إعلانات, وتواجه العديد من المشكلات في عملها , و يتضمن الفيلم مشاهد حقيقية من موقعة الجمل والتي يظهر فيها أهالي نزلة السمان علي الجمال والأحصنة يضربون المتظاهرين في ميدان التحرير حيث صرح نصر الله بأن الذي حمسه لتصوير العمل هو شعوره بأن أهالي نزلة السمان تعرضوا لظلم كبير و كانوا كبش الفداء وتحملوا وحدهم مسئولية ما حدث ذلك اليوم, وصورهم البعض علي أنهم يحملون أسلحة ويقتلون المتظاهرين وهو في الفيلم لا يدافع عنهم لكنه يرفض أن يكونوا وحدهم المسئولين عن موقعة الجمل, ويظهر الكثير من سكان نزلة السمان الذين وقع اختيار نصر الله عليهم كممثلين ضمن أحداث الفيلم. يذكر أن نصر الله يعود اليوم الرابع من مايو الجاري من باريس بعد أن قام بطباعة النسخ النهائية للفيلم استعدادا للعرض في كان, علي أن يعاود السفر إلي المهرجان مع أسرة الفيلم منة شلبي وباسم سمرة وباقي نجوم العمل. ليفتح بتلك العودة طاقة أمل جديدة للسينما المصرية خاصة أنها تشهد حاليا تنوعا في الأنماط الإنتاجية و تجارب شابة ناضجة ومختلفة, لمخرجين يشكلون تيارا للسينما المستقلة في مصر وهي الأفلام التي تأخذ علي عاتقها تمثيل مصر في المهرجانات.