من مجالس الطرب الرصين في عصر الصالونات, مرور برهبة واهتزاز خشبات المسارح علي ايقاع صوت أم كلثوم ونجاة ووردة وفايزة, إلي زمن الاسطوانة علي جناح عصر الديجتال, تبقي مصر نبعا صافيا للمواهب الغنائية من جنس النساء اللاتي مازالت مواهبهن الشجية الندية تخاطب الوجدان وتبعث الشجن المحبب في القلوب المفعمة التواقة لسحر الكلمة وعذب الموسيقي وبهاء الصوت الحنون. و المحروسة في اللحظة الراهنة تمتلك عدة أصوات نسائية قادمة من ذلك النبع الصافي الذي يمكنها من استعادة عرش الأغنية النسائية- لو أحسنا استغلالها بقدر ولو بسيط من الاهتمام من جانب وسائل الإعلام وشركات الانتاج وإرادة المطربة ذاتها. نقصد بذلك: وسائل إعلام وطنية تعلي من قيمة الفن باعتباره باعثا علي النهضة ومحفزا كبيرا للشعور الوطني والوجداني, وشركات انتاج حقيقية لا تبحث عن وسائل تجارية للكسب السريع علي حساب القيمة والمعني, والمطربة ذاتها لو أحسنت الاختيار علي مستوي الكلمة واللحن وبعدت تماما عن أضواء شهرة مزيفة سرعان ماتحترق بنيرانها في ميدان الخلاعة. الحديث عن هذا المثلث يأتي في مناسبة امتلاك مصر- حاليا- ولأول مرة منذ سنوات طويلة عشرة أصوات نسائية أكثر من رائعة( أنغام- شيرين- آمال ماهر- نسمة محجوب- كارمن سليمان- ريهام عبد الحكيم- مي فاروق- غادة رجب- ياسمين نيازي- أمنية سليمان), هذه الكتيبة من الموهوبات يمكنها أن تهز عرش الغناء واستعادة الزمن الجميل ووضع مصر علي طريق المجد- الذي كان- في مواجهة زحف التغريب وغناء التهتك والطنطة الذي أفسد الذائقة السليمة وجعل الساحة بورا تنعق فيه الغربان في خضم العري كليب وقنوات الكسب السريع علي جناح تفجير طوفان الغرائز بدلا من تأجيج المشاعر الوطنية والرومانسية التي كانت سمة مصر المحروسة في عصور الفتوة الفنية والسياسة الاجتماعية, من هنا كان هذا التحقيق الذي يدق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان وقبل أن تغيب إشراقة جديدة لشمس الأغنية المصرية فإلي التفاصيل... في البداية يؤكد الموسيقار الكبير محمد علي سليمان أن هذه الأصوات لكي تتصدر المشهد الغنائي ويصبحن نجمات شهيرات لابد من مساندة وسائل الإعلام لهن, فهن في أمس الحاجة إليه, خاصة إنهن مواهب حقيقية جيدة جدا, ويتمتعن بأصوات مميزة, بعيدا عن مغنيات الإثارة والبرنو كليب, ومغنيات الأغاني الخيبة اللاتي قدمن الأغاني اليهودية أو ما أطلق عليه الأغاني الشبابية, التي تبنتها وأعتنقتها وسائل الاعلام في السنوات الماضية, وأفقدت الشعب المصري كنيته الحقيقية, وساهمت في مسخ الأغنية المصرية, وما يستفزني الآن أو حتي في الماضي أن وسائل الأعلام المختلفة مازالت تعتبر الأغنية المصرية من وسائل الترفيه, وبالتالي إنتشرت مغنيات لا يصلحن للغناء وتبوأن مكانة مميزة وهن لا يصلحن كورس لبعض المطربات الحقيقيات, وهذا كسر نفس هؤلاء المطربات. وطالب سليمان أن تتدخل الدولة من خلال الإذاعة والتليفزيون وشركة صوت القاهرة لدعم هذه الأصوات ومساندتهن لإنهن جديرات بهذه المساندة ويمكن أن يتبناهن علي إنهن مشروع غنائي, لأن بصراحة الاعلام المصري أولي بأولاده. استثمار النجاح والاختيار ويتفق الملحن الكبير حلمي بكر مع سليمان ويضيف: للاعلام بكل أشكاله دور كبير في شهرة المطرب لأنه دائرة الضوء التي تشير إليه بحجم نجاحه, لكن علي المطرب ثلاث مسئوليات ليحقق النجومية والشهرة والإستمرار, الأولي الاختيار الجيد لكل ما يقوم بغنائه, ثانيا متي وأين وكيف يغني؟! ثالثا إستثمار النجاح بمعني إلا يقع أسير لون غنائي واحد, أو إستيل مكرر, أي يغني المطرب أغنية واحدة ويستمر عليها ويقدم مئات التوائم منها إلي أن تقضي عليه, وفي نفس السياق مطرب آخر نجحت له أغنية فيسعي لتقديم غيرها ولا يلتفت إلي ما قدمه, والفرق بينهم كبير. وأشار إلي أن مجال التنافس الطبيعي هو الذي يخلق النجوم والشهرة, وكلما إزداد عدد المتنافسين الجيدين, كلما إرتفع مستوي الأغنية. وأكد بكر أن الأصوات العشرة الموجودة حاليا والتي ذكرتها من أحلي الأصوات في عصرنا الحالي, ومسئولية شركات الإنتاج أن تقدم هؤلاء المطربات في حفلات حية ليستمتع بهن الجمهور, ونحقق من ورائهن بعض المردود المادي الذي انفقوه لهن بالنسبة للالبومات, وهؤلاء المطربات تحتجن فقط إلي ناس تحب البلد وتتمني أن تحقق لها الريادة التي انسحبت منها في السنوات القليلة الماضية. الشخصية الفنية وللموسيقار محمد سلطان وجهة نظر مختلفة عن بكر وسليمان حيث يري أن الأعلام لا يخلق نجم, ولو حدث فيكون لفترة محددة بعدها ينطفأ نوره,فالنجم يخلق من تلقاء نفسه لو كان لديه الكاريزما والمؤهلات الفنية التي تصنع منه نجما من أهم هذه المؤهلات الصوت الحلو والشخصية المميزة التي تميزه عن كل الأصوات الموجودة علي الساحة, وفي نفس الوقت لا تعتبر صورة لأي أصل قديم,لأن الأصل هو الباقي والصورة زائلة, فأي مطربة تركن لنجاح مطربة قديمة يكون نجاحها مؤقتا,والتصفيق الذي تناله من نصيب المطربة القديمة, أي إنها تستلف نجاح الآخريات, ولهذا السبب لم تنجح مطربات الأوبرا عندما قدمن أعمالهن الخاصة, لأن الجمهور أعتاد علي الإستماع إليهن وهن يغنين لأم كلثوم وورده ونجاة وفايزة أحمد وغيرهن, لهذا علي كل مطربة من المطربات العشرة الموجودات خاصة الجدد منهن أن يبحثن عن ملحن لديه خبرة ويفهم جيدا في تفصيل الألحان لخلق شخصية جديدة لهن مختلفة كل الإختلاف عن كل الموجودات, وهذه مهمة صعبة لأن الملحنيين الذين لديهم هذه الخبرة يعدوا علي أصابع اليد الواحدة, فليس كل ملحن يستطيع أن يعرف المناطق الحلوة في كل صوت ويشتغل عليها.