أدت ثورة 25 يناير إلى إحداث العديد من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على موضوع مكافحة الإرهاب فى مصر حيث كانت بمثابة الظاهرة الكاشفة للعديد من الجوانب المرتبطة بهذه القضية الهامة وأتاحت للدولة أن تزيد من اهتماماتها وتراجع سياساتها وتحدد إستراتيجيتها لمواجهة هذه المخاطر خاصة أن ثورات الربيع العربى تزامنت مع تصاعد حدة الإرهاب على المستويين الإقليمى والدولى وبالطبع كان لهذا التصاعد انعكاس واضح على مجمل الأوضاع فى مصر . لا يمكن لأي متابع أن ينكر أن المنظومة الأمنية المصرية قد إهتزت بشكل واضح عقب ثورة يناير، ومن المؤكد أن الجماعات الإرهابية قد وجدت مناخاً مواتياً لها ليس فقط نظراً لحالة السيولة التى عانت منها البلاد عقب أحداث ثورة يناير وإنما كان لتدهور الأوضاع فى كل من ليبيا وقطاع غزة تأثير مهم على دعم وضعية الجماعات الإرهابية فى مصر حيث تم استغلال عدم السيطرة المحكمة على الحدود المصرية فى هاتين المنطقتين فى تهريب كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتفجرات والعناصر الإرهابية المدربة إلى داخل البلاد وبالتالى توافرت لديها كافة الإمكانيات لتنفيذ مخططاتها وعملياتها الإرهابية دون أن تواجه فى هذا التوقيت بإجراءات احترازية من جانب الدولة. ويمكن تقسيم طبيعة العمليات الإرهابية التى مرت بها البلاد منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن والإجراءات التى اتخذتها الدولة فى المقابل إلى المراحل الرئيسية الأربع التالية :- المرحلة الأولى وهى المرحلة التى أعقبت ثورة 25 يناير والتى عانت خلالها البلاد من خلل أصاب المنظومة الأمنية حيث نشطت الجماعات الإرهابية وقامت بتنفيذ العديد من العمليات كان أهمها تفجير خط الغاز فى منطقة العريش أربعين مرة وتصاعدت هذه المرحلة بتنفيذ عملية رفح التى راح ضحيتها عدد 16 جنديا فى الخامس من أغسطس 2012 , ونشير إلى أن الجيش المصرى قام بأول عملية لمواجهة هذه الجماعات (العملية نسر) فى أغسطس 2011 أى بعد بدء التعافى نسبياً من حالة السيولة التى كانت تمر بها البلاد حينئذ . المرحلة الثانية وهى تلك المرحلة التى أعقبت ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بحكم الإخوان حيث تزايد معدل العمليات الإرهابية فى سيناء وتوسع نشاطها ليشمل بعض المواقع الحيوية فى بعض المحافظات (تفجير مديرية أمن الدقهلية فى 24 ديسمبر 2013) وقد وسع الجيش المصرى من نشاطاته وطرق المواجهة مع هذه الجماعات وبدأ ما يسمى بعاصفة الصحراء لينطلق فى حرب ضروس مع إرهاب استخدم إسلوب حرب العصابات والضربات السريعة الخاطفة ونجح الجيش مع قوات الشرطة فى الحد من نشاط هذه الجماعات فى معظم محافظات مصر مما دفع الإرهابيين إلى تركيز عملياتهم فى منطقة سيناء . المرحلة الثالثة والتى بدأت بعد عملية كرم القواديس فى 24 أكتوبر 2014 والتى راح ضحيتها حوالى 30 جندياً مصرياً مما أدى بالدولة إلى إعلان حالة الطوارئ فى شمال سيناء خاصة فى أعقاب إعلان جماعة أنصار بيت المقدس تغيير اسمها إلى ولاية سيناء ومبايعة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش). وقد تميزت هذه المرحلة بقيام القوات المسلحة المصرية بتنفيذ عمليات واسعة النطاق ضد كافة مواقع تمركز الإرهابيين فى سيناء تدعمها الطائرات المقاتلة كما تم تشكيل قيادة عسكرية موحدة لمواجهة الإرهاب لمنطقة شرق القناة فى 31 يناير 2015 وتم بالفعل تحقيق نجاحات ملحوظة فى هذا الشأن مما دفع هذه الجماعات إلى محاولة تنفيذ عمليات نوعية تثبت بها استمرارية قدراتها فقامت باغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات فى 29 يونيو 2015 ومهاجمة بعض الكمائن ونقاط التفتيش فى سيناء فى عملية واحدة أدت إلى مقتل 17 جندياً ثم تفجير القنصلية الإيطالية قى وسط القاهرة وتلى ذلك إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر 2015 وإعلان داعش مسئوليتها عن هذا الحادث وبالتالى أصبحت الحرب بين الدولة والإرهاب مفتوحة وشديدة الضراوة بشكل غير مسبوق . المرحلة الرابعة وهى تلك المرحلة التى بدأت بعملية الجيش المصرى التى أطلق عليها اسم حق الشهيد وانطلقت فى 7 سبتمبر 2015، ومازالت قائمة حتى الآن بمشاركة القوات البرية والجوية والبحرية وقوات مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة والتى تجلت فيها إرادة الدولة لحسم المعركة لصالحها مهما كان الثمن لحماية الأمن القومى المصرى وقد سعت الجماعات الإرهابية إلى تنفيذ بعض عمليات إثبات الوجود كان أهمها محاولة تفجير فندق بالعريش يقطنه القضاة المكلفون بالإشراف على الانتحابات فى 24 نوفمبر 2015 وقد أسفرت العمليات التى نفذتها القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة إلى اعتقال وقتل أعداد كبيرة من الإرهابيين واكتشاف مخازن متعددة للأسلحة والمتفجرات التى يستخدمونها وتفجير العديد من وسائل تحركهم بالإضافة إلى النجاح فى مهاجمة كافة مواقع تمركزهم التى كانت حكراً عليهم خاصة فى مناطق العريش والشيخ زويد ورفح . فى نفس الوقت لا يمكن لنا أن نتجاهل الدور السلبى الذى قامت به بعض الأطراف الخارجية التى تسعى إلى إستهداف مصر والتأثير على استقرارها فى دعم هذه الجماعات الإرهابية لتكون بمثابة رأس الحربة لتنفيذ مخططاتها خاصة مع وضوح ارتباط هذه الجماعات بالتنظيمات والقوى الخارجية وفى هذا المجال لابد أن نشير الى أن سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وانعكاساته. لاشك أن ثورة 30 يونيو أحدثت متغيراً هاماً فى معادلة مواجهة الإرهاب الذى تزايد فى مصر بعد ثورة 25 يناير وفى ظل الأحداث والتطورات التى أعقبتها حيث استعاد الجيش المصرى زمام المبادرة فى سيناء, ثم جاء مشروع تنمية محور قناة السويس ليتم بذلك تكامل المحورين الأمنى والاقتصادى من أجل تحقيق أفضل مواجهة ممكنة للقضاء على الإرهاب الذى لا نزال نحاربه فى معركة طويلة سننتصر فيها بإذن الله.