يضطر رب الأسرة فى كثير من الأحيان أمام ضغط الاحتياجات المادية التى تعانيها معظم الأسر الى الاغتراب بحثاً عن مصدر رزق أوسع ولكن المؤلم أن يغيب الأب لفترات طويلة دون زيارة لزوجته وأولاده ويكون كل همه جمع المال لتوفير الرعاية المادية لهم دون النظر الى خطورة غيابه عنهم سواء من الناحية الاجتماعية أو التربوية أو النفسية, ويتجاهل تأثير الفراغ السلبى الذى يتركه بغيابه على الأبناء وعدم وجود راع لسلوكهم أو مراقب لتصرفاتهم, ويتجاهل حال الأم التى بالكاد تستطيع القيام بواجبها مع وجوده فكيف يكون حالها فى ظل غيابه وتحملها مسئولياته إضافة الى ما تحمل من أعباء. وتقول رشا عبد الحميد «موظفة» أنا متزوجة منذ 10 أعوام ومنذ ذلك الوقت وزوجى فى سفر دائم لا أراه سوى شهر فى كل سنة, ونظراً لغيابه أشعر بأن المسئولية أكبر من طاقتى ولابد أن نتحملها سويا, كما أن غيابه يؤثرعلى مشاعرى فعندما أحتاج إليه لا أجده بجوارى, وبالنسبة للأولاد أصبحوا يشعرون بحاجتهم إليه وأصبحوا يقارنون بين حياتهم وحياة زملائهم فى المدرسة فوالد صديقه يحضره الى المدرسة يوميا أما هو فيذهب ويعود بنفسه هذا الشعور السلبى مؤلم جدا بالنسبة للأولاد و لى. يقول د. محمد سمير عبد الفتاح أستاذ الطب النفسى نظرا لغياب الزوج نجد صوراً عديدة للتفكك, ولكن كيف يمكن للأسرة أن تبقى على تماسكها وحبها إذا أرغمت ظروف الحياة رب الأسرة على أن يسافر للعمل, إن أخطر مشاكل هذه التجربة يكمن فى الجانب النفسى لأن الزوج يشعر فجأة بغربة كبيرة فإحساس كهذا كاف لشل جميع طاقاته خاصة الفكرية ونجد أن بعضهم لم ينجح فى تكوين علاقة صداقة واحدة والسبب أن نفسيته تكون بين مد وجزر فجسده يتحرك فى الغربة وعقله وقلبه هناك عند زوجته وأبنائه فى بلده هذا من جانب الزوج, أما الزوجة فمسئولياتها تزداد لأنها أصبحت أماً وأباً لأبنائها وعليها تنظيم شئون المنزل كلها حتى تلك التى كان يقوم بها الزوج فتعيش تحت ضغط نفسى كبير خشية الفشل أو التقصير, ولكن يبقى السؤال الأهم هل هذا البعد سيكون سببا فى تقليل مشاعر المودة والارتباط التى كانت بينهم قبل السفر.لا شك أن الحل الأمثل هو أن تعمل الأسرة جاهدة على أن تبقى مجتمعة حتى لو تطلب الأمر بعض التضحيات, فالاستقرار النفسى الكامل لا يتحقق إلا بوجود أفراد الأسرة معا، ولكن إذا كان الوضع لا يسمح بذلك يكون البديل فى استخدام وسائل الاتصالات المتعددة والحديثة, فالهاتف أهم هذه الوسائل ولكن تخطئ الزوجة عندما تتصل فى وجود الأبناء لأنه فى هذه الأثناء يكون الاتصال روتينيا ولا مجال لتبادل المشاعر, ولذا لابد من أن يكون هناك اتصال فردي كل فترة ليتمكنا من تبادل التعبير عن مشاعرهما, وعلى الزوج أن يرسم لزوجته صورة واضحة عن حياته اليومية وكيف تسير أمور حياته, وعلى الزوجة أن تبعث برسالة مماثلة وأن تستشيره فى تفاصيل حياتهم وتستمع الى رأيه فيشعر الزوج بأنه لا يزال صاحب مكانة رغم الفراق. وهناك التراسل الالكترونى فيجب على الزوجين معرفة كيفية استخدامه قبل السفر لأنه يحدث تقارباً حقيقياً رغم البعد ويؤثر على الاستقرار النفسى لهم, كما أنه من المهم ألا ينسى كل من الزوجين التواريخ المهمة فى حياتهما الزوجية حيث إن تذكرها يشعر الطرف الآخر بأهميته.وتقول نهى إسماعيل استشارى علم النفس رغم أن الكثيرين يأخذون مقولة «البعيد عن العين بعيد عن القلب» على أنها حقيقة, لكن ليس كل بعد ينتج عنه جفاء أو نسيانا, ولنأخذ الزوجين مثلا فقد يقرران بعد حياة زوجية مستقرة أن يبتعد كل منهما عن الآخر فيما يشبه الأجازة القصيرة كنوع من التجديد للعلاقة بينهما وحتى يعودا وقد أصبح كل منهما فى اشتياق للآخر, ولن يحدث ذلك إلا إذا كانت العلاقة بينهما قوية قائمة على التفاهم لأنه إذا لم تكن العلاقة كذلك فقد يصبح البعاد ذا أثر سلبى مما يسهم فى ضعف العلاقة الزوجية وربما تفككها. وقد يكون البعد، مما يكون له آثار سلبية ليس على مستوى العلاقة بين الزوجين فقط ولكن على الأبناء أيضا وما ينتج عن هذا الوضع الأسرى غير المستقر من انعكاسات سلبية على المجتمع ككل. لذلك هناك عدة نصائح تقدمها د. نهى للزوجين لكى يتفادى كلاهما فقدان الآخر معنويا, وحتى لا تصل العلاقة بينهما إلى جفاء: الحرص على عدم الافتراق, وليكن السفر بالأسرة مجتمعة, وإن كان هذا غير ممكن, فليكن الغياب لفترة أقصر من المعتاد حتى لو كان ذلك يتكلف تكاليف مالية زائدة, حتى لا يكون غياب الرجل عن أسرته أمرا واقعا ومسلما به ومقبولا لجمع المال, كما إنه لابد من الاتصال اليومى بينهم خاصة فى ظل التقنيات الحديثة, ولابد أن يدبر الزوج وقتا كافيا ليتحدث فيه مع زوجته وأبنائه بصورة شبه يومية لكى يكون على صلة بهم لا تنقطع ولكى لا يشعرون بغيابه عنهم ولا يعتادونه.