تحت رعاية الأستاذ حلمى النمنم وزير الثقافة، والدكتورة أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وبالتعاون مع مركز الأهرام للنشر، وبحضور الأستاذ أحمد النجار رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والأستاذ السيد يسين والدكتور رفعت السعيد, أُقيمت فى السادسة من مساء الأربعاء الماضى ندوة لمناقشة كتاب «عن الثقافة والحرية» للدكتور جابر عصفور (الصادر عن المركز)، والذى يتناول الروابط المشتركة بين الثقافة كمكون مجتمعى والسلطة بمعناها السياسي، وضرورة إحياء الأفكار الليبرالية والمدنية لمواجهة الأفكار التقليدية الجامدة. بدأت الندوةُ بكلمة للأستاذ محمد الشاذلى مدير مركز الأهرام للنشر - والذى أدار اللقاء - أكد فيها احتفاء الأهرام بنشر كتاب «عن الثقافة والحرية» لعصفور, لأنه يُلخص حياة عصفور الثقافية والفكرية والمهنية، ويسرد معركته من أجل الحرية والتنوير، التى خرج بسببها من منصبه، وعادى كثيرا من مُؤسسات الدولة التى تحارب حرية الفكر والإبداع. وفى كلمتها رحبت د. أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بالحضور، ثم عبرت عن «عجز لسانها عن النطق، وكلماتها عن التعبير»، وهى بصدد الحديث عن الأستاذ الدكتور جابر عصفور، مُكتفية بقراءة عبارة له قالها وقت عمله أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة تقول: «كنتُ أعتبرُ العمل فى المجلس الأعلى للثقافة نوعا من أنواع الإعارة، ولكنى تورطتُ فى العديد من الأنشطة الثقافية، التى عملتُ على تطويرها ومن بينها مشروع المركز القومى للترجمة، الذى تحول إلى مركز كبير له دورٌ فعالٌ فى الثقافة المصرية.” وأضافت د. الصبان: وكان عصفور يرى أن من أسباب فشل التنمية فى مصر أنها لا تبدأ بالثقافة. ومن جانبه أكد الأستاذ أحمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام حِرص المؤسسة على نشر رسائل د. جابر عصفور التنويرية فى مركز الأهرام للنشر, وذلك باعتباره «قيمة وقامة رفيعة المستوى ورائدا من رواد التنوير، اتسم بشجاعة مُنقطعة النظير فى معركة التنوير، ومواجهة قوى ظلامية متمترسة آثر الكثيرون الصمت والتقوقع حيالها، خشية مواجهتها، أما هو فرفض ذلك وواجهها بكل تحدٍ» . وأضاف النجار: ويُخطئ من يظن الثقافة ترفا, بل هى ضرورةٌ تنموية لا يمكن لمُجتمع ينشد التقدم الاستغناء عنها، فهى حتميةٌ للتطور الاجتماعى والاقتصادي، ومطلبٌ أساسى فى تغيير السلوك الإنسانى نحو الأفضل. وقال النجار: والمؤكد أن د. عصفور هو واحدٌ ضمن العظام الذين شكلوا هوية مصر عبر عصورها المختلفة وأكسبوها خصوصية وتفردا، وانتصروا لحرية الإنسان وحقوقه. وفى ختام كلمته، وتقديرا لعطائه الثقافى الممتد لعشرات السنين منح النجار د. عصفور «درع الأهرام» وسط هتاف الحضور وتصفيقهم، بعدما تمنى «أن تُخرج تلك المدرسة الثقافية المُسماة جابر عصفور آلاف الخريجين الذين ينتصرون لهويتنا الثقافية». واستهل د. رفعت السعيد كلمته بقوله «إن هذا الفتى المُشاغب - يقصد عصفور- قادنا جميعا إلى قفص الدفاع، ودعانا إلى أن نُشاركه فى زنزانة الدفاع عن التنوير، بعدما وضعنا فى مأزق؛ لأننا فى زمن يصعب فيه أن يضيء الإنسانُ عود كبريت، بينما هو وبكل جسارة، وهب نفسه للدفاع عن قضية التنوير، وهو ما جلب وسيجلب له الكثير من المتاعب”. وصرح الأستاذ السيد يسين فى كلمته بالندوة بأنه «لم يأت ليشيد بجابر عصفور لأنه بالفعل فى طليعة النُقاد العرب، ولديه قدرةٌ فذة فى تحليل النصوص ونقدها نقدا اجتماعيا مسئولا يضفى على النصوص إبداعا إلى إبداعها»، إنما جاء ليؤكد أن الكتاب موضوع الندوة «يتضمنُ العديد من المزايا منها: أنه يكشف عن سلبيات المجتمع بجرأة وشجاعة، ويُقدم الحلول للأزمات، ويطرح الفكر الصحيح الذى ينمُ عن بصيرة صاحبه». ومن ناحيته أكد د. جابر عصفور أنه ليس فى مقدوره الكلام فما أراد قوله قاله فى كتابه، وأضاف إليه المتحدثون، إلا أنه صرح بأنه يُؤرقه ككل المثقفين أن «الثقافة لم تعد شُغل الحكومة الشاغل، فليس هناك تعليمٌ مُتميز، ولا حرية ولا إبداع؛ مما يهدد بتآكل وموت القوى الناعمة». وناقش د. عصفور عبارة أن مصر لا تزال «ولاّدة» كبديهية مسلم بها، مؤكدا أن «هذه الكلمة صارت غامضة, لأنه لا توجد لدينا مؤسساتُ تعليمية تُنتج لنا نجيب محفوظ وفتحى غانم وآخرين». وختم د. عصفور حديثه: وإذا اعتبرنا أن هذه أزمة -وهى بالفعل كذلك- فلابد من تجدد المؤسسات التى تُفرز القوى الناعمة، عن طريق استراتيجية تتبناها الدولة، بالإضافة إلى ضرورة نشر الخطاب الدينى السمح، ونبذ ثقافة التمييز الديني، ومحاربة تهميش المرأة، و إطلاق العنان للحرية والإبداع.