تعليقات كثيرة وصلتني عقب حلقة الأسبوع الماضي التي كان بطلها الشيخ سيد النقشبندي, هناك من كان يضيف إلي سيرة الشيخ مثل الدكتور علاء لطفي الذي قال في رسالته: جد الشيخ سيد هو بهاء الدين نقشبند هذا الشيخ الذي قدم مع أوائل القرن قبل الماضي من ولاية أذربيجان كي يلتحق بجامعة الأزهر,والذي كون جماعة من محبيه تذكر الله بالطريقة النقشبندية,وهي تقوم علي الالتزام بالصمت في حلقاتها, ويتم الذكر بالقلب فقط دون اللسان, حيث يكون الفم مغلقا تماما واللسان في سقف الحلق, و كلمة نقشبند تعني النقش علي القلوب. وهناك رسالة من الأستاذ منصور يونس يقول فيها أنه لا يرتاح لرواية أن النقشبندي و بليغ لم يعملا معا قبل أن يأمر السادات بذلك. لكن هذا حقيقي,و هناك حكاية عن أن التعاون بينهما تأخر بسبب واقعة شهيرة تقول إنه في أحد الأيام جلس الشيخ سيد النقشبندي وبليغ حمدي والشاعر عبد الرحيم منصور في جلسة تعارف مبدئي و عمل في الوقت نفسه, وكان منصور قد أعد قصيدة ليغنيها النقشبندي, لكن الكلام لم يعجبه, يبدو أن بليغ شعر بإهانة فنية, فأخذ الكلام ولحنه وسجله بصوته ليثبت للنقشبندي أن اختياره لم يكن خاطئا, وعندما أعجب الشيخ سيد باللحن طلب أن يغنيه, لكن بليغ رفض تماما. المهندس جمال فرغل يقول أن الحديث عن دولة المنشدين والمداحين لا يستقيم بدون ذكر الشيخ( نصر الدين طوبار), قائلا أن شعبية النقشبندي ظلمت حضور الشيخ طوبار فهو أحد أهم صنايعية الإنشاد في مصر, و أن تفضيل القيادة السياسية للشيخ سيد و احتضانها لموهبته هو الذي جعله أكثر صيتا و بزوغا وفي هذا ظلم للشيخ نصر الدين طوبار. في اعتقادي الشخصي أن هذا الظلم غير موجود, فقد حظي طوبار بمكانة رفيعة في قلوب المصريين, ولا مجال للمقارنة بين تجربته و تجربة النقشبندي لأن كل واحد منهما إنفرد بتقديم لون معين يختلف عن اللون الذي يقدمه الآخر, أو كما يقول الكاتب( هيثم أبو زيد) في تحقيقه البديع عن الشيخ طوبار المنشور علي بوابة الأهرام للحضارات: عرف الشيخ طوبار طريق النجاح, يوم أن عرف إمكاناته الصوتية, وما يمكن أن يرضي به الجماهير, فتوقف عن محاولات الالتحاق بالإذاعة كقارئ للقرآن الكريم, بعد أن حدث نفسه بأن الساحة تمتلئ بأعلام يصعب معهم ظهور نجم جديد, فالجيل كله جيل عمالقة, ولن يجد الشيخ موطئ قدم في ظل عمالقة كبار, لذا قرر طوبار أن يطرح نفسه علي المستمعين كمنشد يحاول تقديم لون جديد. لكن دولة الإنشاد لم تزل قوية, وتزدحم ساحتها بعدد من العمالقة أيضا, ولكي يتميز طوبار وسط هؤلاء, فقد قرر أن يهتم كثيرا( بالابتهالات), والأداء الفردي الضارع الخاشع, أكثر من اهتمامه بالتواشيح والأداء مع بطانة, رغم إجادته التامة لهذا اللون. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن نصر الدين طوبار هو مؤسس( فن الابتهال), ومقعد قواعده, ورافع رايته من بين المنشدين جميعا, فقد اتكأ الشيخ في أدائه علي الضراعة الخاشعة, والمناجاة الباكية, ودخل صوته إلي قلوب الجماهير, التي تلهفت للاستماع إلي كلمات طوبار المختارة بعناية, وإلي أدائه الممتلئ بالشجن والحزن. الأستاذ محمد الحسني من مريدي( الشيخ طه الفشني) وأكد في رسالته علي مكانة الشيخ سيد لكنه قال أن العصر الحديث في دولة الإنشاد قام علي يد الشيخ طه الفشني, قائلا ان الفشني تسلم راية الإنشاد من يد العملاق الشيخ علي محمود حيث عمل في بطانته لفترة طويلة, ثم حدث أن مرض الشيخ علي محمود وكانت هناك مناسبة دينية وطلبت الإذاعة من الفشني أن يحل محل شيخه علي محمود ولكنه رفض احتراما لشيخه, طلب منه الشيخ علي أن يوافق قائلا: أنت خليفتي, لينطلق الفشني مع بداية الأربعينيات مؤسسا مدرسة تخرج منها كل من تلاه من المنشدين. الكتابة عن الشيخ سيد النقشبندي أثارت غيرة كثيرين علي المنشدين الذين يحبونهم وارتبطوا بأصواتهم, وليس في الكتابة عن الشيخ سيد واعتباره أحد مؤسسي دولة الإنشاد إنتقاصا لدور كثيرين نفخر بهم و أصحاب حضور عميق في وجدان مصر مثل نصر الدين طوبار و طه الفشني, ومثل الشيخ( محمد الطوخي) الذي قال عنه الأستاذ أحمد أبوزيد في رسالته أنه لا توجد أغنية دينية مصرية تنافس أغنية( مولاي) للشيخ سيد النقشبندي إلا اغنية( ماشي في نور الله) للمأذون, أما المأذون فهو الشيخ الطوخي الذي لم أكن أعرف من قبل أنه كان يعمل مأذونا شرعيا في حي بولاق, الأستاذ أحمد قال يحزنه أن الناس لا تعرف إلا النقشبندي لدرجة أن أغنية(ماشي في نور الله) موجودة علي مواقع كثيرة وعلي يوتيوب باسم الشيخ سيد باعتباره هو المنشد وهناك من يصدق ولا يدقق. وهو خطأ شائع بالفعل, يجب تصحيحه, وأحب أن أضيف أن الشيخ الطوخي قدم في هذه الأغنية درسا فنيا عظيما, عندما قرر أن يكون هو(البطانة) للمجموعة التي تغني, تنازل عن البطولة و قبل أن يكون(سنيدا) للمجموعة فزادها بريقا وتاثيرا فبدت و كأنها أغنية للناس وليست للشيخ الطوخي. أعترف أنني قد وقعت في غرام تلك( الخناقة) الروحانية, في حوار مع( ألتراس) كل منشد مصري عظيم علي حدة, وهي دليل علي عظيم أثر هؤلاء المشايخ في نفوس المصريين علي اختلاف أذواقهم, ودليل علي أن الكنز عريض وواسع النفحات و هذا من حسن حظنا جميعا.