الدور التشريعى لمواجهة تعدد الأنظمة التعليمية فى مصر كان أحد محاور رسالتى للحصول على درجة الدكتوراة «2003» وقد أثبتت الدراسات أنه يوجد قصور فى النظام التشريعى و عدم فاعلية مجالس النواب فى صنع السياسات التعليمية فى مصر، وأن هذه القوانين كلها كانت مشروعات قوانين مقدمة من الحكومة، واعتمادا لما للحكومة من أغلبية، تأخذ خطواتها السريعة داخل المجلس حتى تنتهى فى النهاية بالإصدار حتى لو كانت المشروعات بقوانين ما زالت تثير الجدل داخل المجلس أو فى الشارع المصرى.. وهكذا كانت مشاركة أعضاء مجلس الشعب محدودة فى التشريع للتعليم مما عظم دور الحكومة وقلص من دور اعضاء المجلس، فكان لايتعدى الموافقة، كما استطاع صانع القرار (أعضاء الحزب الحاكم) فى العهود السابقة أن يحيد المؤسسات التربوية بل ويحصد الموافقات التى يحتاجها لدعم وتعزيز مركزه وصورته أمام الرأى العام سواء داخل قطاع التعليم الحكومى أو فى المجتمع المدنى. ومع أن هذه الصورة الذهنية السلبية عن دور مجلس الشعب فى رفض أو تعديل أى من المشروعات المقدمة من الحكومة فى جميع المجالات ومنها السياسة التعليمية، إلا إننى يحدونى الأمل فى أن القادم أفضل أو على الأقل ليس أسوأ، ولذلك أردت فقط أن أرسل رسائل قصيرة ومهمة إلى مجلس النواب ولجانه خاصة لجنة التعليم وهى: من المهم أن تتشكل لجنة التعليم بعيدا عن رجال الأعمال الذين يتخذون من التعليم مجالا لاستثمار أموالهم مهما كان مستواهم العلمى أو نزاهتهم، فكيف لمن يعتبر التعليم تجارة مربحة أن يسهم فى وضع سياسة تعليمية لصالح البلاد؟ قبل مناقشة سياسة التعليم والخطط المقدمة على لجنة التعليم أن تتبنى أولاً فلسفة واضحة المعالم للسياسة التعليمية فى مصر،من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة . ما هو الهدف الأساسى للتعليم؟ هل هو هدف فردى بمعنى تزويد الفرد بالمهارات العلمية والتكنولوجية لفائدته فى سوق العمل وبالثقافة العامة التى ينتفع بها فى الحياة؟أم الهدف من التعليم هو هدف قومى فى أساسه يستفيد منه الفرد بطبيعة الحال، ويكون القصد الأول منه فائدة الأمة، وذلك من خلال إعداد مواطنين قادرين على الحفاظ على وحدة وهوية الأمة. والفرق كبير بين أن يكون الهدف لفائدة الأمة ؛فالتعليم هنا قضية أمن قومى؟ أما إذا كان هدفا فرديا يتحول التعليم إلى مشكلة مجتمعية تسعى كل فئة إلى التغلب عليها بطريقتها ، البعض يلحق أبناءه بتعليم أجنبى والبعض الآخر لجأ إلى التعليم الدينى والثالث التعليم خاص ومن لا يستطيع فعليه بالتعليم الحكومى. وايجاد مسارات تعليمية بديلة. هل يوضع فى الاعتبار فقه الأولويات عند وضع السياسة التعليمية والخطط الاستراتيجية؟ وحتى الآن لا أجد تحديداً للأولويات التى تتحرك مصر على أساسها. فى دولة تفتقد إلى الموارد المادية وتصل نسبة الأمية فيها إلى 30% ولم تحقق نسبة الالتحاق بالتعليم 80%. (وتعد مصر من البلدان التى لم تحقّق أهداف التعليم للجميع، والتى وضعت عام 2000، فى نسبة الأمية ونسب الالتحاق بالتعليم الابتدائي). هل من المنطقى أن تسعى إلى إنشاء 4 مدارس تقوم بتدريس المناهج الأجنبية (على غرار المدارس الدولية الخاصة) تكلفة المدرسة الواحدة 50 مليونا ليلتحق بها أبناء الطبقة المتوسطة الطامحين للتعليم الأجنبي، هل يجوز إنشاء مجمعات تعليمية للفائقين تكلفة المجمع تتعدي ال 10 ملايين حتى يلتحق به أعداد محدودة من الحاصلين على الدرجات النهائية فى الشهادة الإعدادية والتى لا تتعدى المئات؟ فى حين أنه يمكن توفير برامج تعليمية بجميع المدارس خاصة بالفائقين والمبدعين «راجع جميع التلاميذ المبتكرين والمخترعين معظمهم من مدارس حكومية». هل الأجدر التوسع فى إنشاء المدارس الحكومية المجانية وتزويدها بالوسائل التعليمية الحديثة وتدريب المعلمين وإعدادهم الاعداد المناسب فى الأقاليم وصعيد مصر (المناطق الأكثر فقرا واحتياجا) للوصول إلى نسبة استيعاب جميع الأطفال فى مرحلة التمدرس أم التوسع فى المدارس التجريبية فى المدن ؟ هل من المنطق فى بلاد تعانى مشكلات تعليمية كثيرة أن تقدم وزارة فيها على كثير من الخطوات الجديدة المتداخلة غير المجدية للعملية التعليمية مثل مشروع التابلت؟ وإهدار أموال المنح وإهدار الجهود والموارد فى جزئيات متشعبة وعلى تدريبات لا طائل من ورائها وتوزيع الأموال للقائمين على التدريب والمتدربين؟ على من تقع مسئولية تحديد الأولويات فى التحرك، هل تقع على عاتق الحكومة فى المقام الأول؟ أم يجب إعطاء الأولوية للعلماء والخبراء وأهل الرأى الغيورين على لغتهم ووطنيتهم وحضارتهم، الذين يضعون الرؤية التربوية وثقافة المواطنة فى المقام الأول؟ إذا رأى أعضاء مجلس النواب أن الهدف من التعليم ،أصبح فرديا وهو تنمية مهارة الأفراد لسوق العمل ، هذا يعنى أن كل طبقة اجتماعية توجد نوع التعليم الذى يتماشى مع مصالحها .وإذا رأى أعضاء المجلس أن القرار فى العملية التعليمية يعتبر عملية فنية أكاديمية فحسب تتولاها الحكومة ووزارة التربية والتعليم والتى يقع على عاتقها تحديد الأولويات وتوزيع الموارد وفق الخطة التنفيذية، فليتم الموافقة على السياسة التعليمية وليتم إقرار قانون التعليم والخطة الاستراتيجية دون مناقشة فهذا هو واقع التعليم فى مصر. أما إذا اعتبر مجلس النواب أن التعليم مازال قضية أمن قومى، وهو المسئول الأول عن التنمية وإنه يجب على الدولة أن تتعامل مع التعليم من منطلق سياسة استثمار مجتمعى لتحقيق الاستقرار السياسى والاستقرار الاقتصادى وتوحيد أبناء الأمة فى بوتقة الوطنية، وأن تحديد الأولويات يجب أن يكون من منطلق تحقيق العدالة والمساواة لصالح تلبية احتياجات أشد الفئات حرماناً كى لا يبقى أى طفل محروما من التعليم، ورفع كفاءة المدارس للوصول إلى مستوى مناسب من حيث الجودة. فأنا على يقين أنها سوف تكون بداية لنهاية عقود من الفشل والتخبط و تضارب القرارات والتعجل فى إصدارها ثم البحث عن حلول لتدارك السلبيات وتفادى الاخطاء وتراكماتها الخطيرة. والجدير بالذكر إنه تم استبعاد الدور التشريعى نهائيا من دراستى لعجزه عن القيام بأى دور إصلاحى بعيدا عن توجهات الحكومة. فهل يمكن إعادته إلى مكانته الحقيقية على أيديكم ؟. لمزيد من مقالات د. بثية عبد الرؤوف