توفيت امرأةٌ عن قطعة أرض، ولها ثلاث بنات خارج البلاد لم يعلمن بإرثهن من أمهن، فقام بعض الناس بالاستيلاء على قطعة الأرض وزَوَّروا مستندات ملكيتها لصالحهم، فاكتَشَفْتُ ذلك، واستطعت أن أَحصُل على مستندات تُفيد ملكية الأرض لأصحابها الأصليين، فلما علم غاصبو الأرض بذلك عَرَضوا عَلَيَّ قطعة أرض نظير سكوتي وإعطائهم ما معي من مستندات تُجَرِّمهم، فامتنعت، ثم توصلت للوارثات بعد جهد جهيد، وأعلمتهن بحقوقهن وأن معي المستندات التي تثبتها، فهل يحق لي شرعًا أن أحصل على مقابل من الوارثات نظير ما فعلته، وما مقداره إن كان؟ وهل ما يقال مِن أن مَن وَجَد شيئًا فله 10% من قيمته صحيح؟ وهل يَسري هنا في هذه الحالة؟ أجابت دار الإفتاء المصرية، قائلة: الغَصب هو: الاستيلاء على مال الغير ظلمًا، وهو من كبائر الذنوب التي جاء فيها الوعيد الشديد، قال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، [النساء: 29]، وروى أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم-، أنه قال: لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وكما أن الغصب مُحَرَّم فإن الإعانة عليه والتستر على فاعله أيضًا مثله في الحرمة، وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: مَن أعانَ ظَالِمًا بِبَاطِلٍ لِيَدحَضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذِمَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ. وكذلك فإنّ السَّعي في مصالح المسلمين، والاجتهاد في إيصال الحقوق الضائعة إلى أصحابها، وتنبيه الغافل منهم على مستحقاته السليبة؛ عَمَلٌ مَشكورٌ مُثابٌ عليه صاحبه؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهُ في عَونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَونِ أَخيه. وإذا جعل أصحاب الحق الضائع أو المستحقات السليبة جُعلا معينًا لمن يأتيهم بما يثبت ما لهم؛ جاز لهم ذلك، وجاز قبوله لمن يحقق مأربهم، ولا عبرة بالعمل الواقع قبل إعلان الجُعل، فهو محض تبرع، وإذا وجد إنسان ما يثبت هذا الحق فيجب عليه أداؤه لأصحابه بلا شرط. وما قام به السائل من امتناعه عن قبول الرشوة نظير السكوت عن الحق والتكتم على الباطل هو فعل واجب عليه، وله ثواب عظيم عند الله سبحانه لا يساويه شيء من حطام الدنيا وزخرفها. وأما جهوده في تحقيق صحة ملكية الأرض والسعي وراء تحصيل مستنداتها التي تُثبِت حَقَّ أصحاب الأرض وتُعِينُهم على رَفع يد الغاصبين فهي مَحض تَبَرُّعٍ منه، فيجب على أصحاب الأرض الحقيقيين لا يعطوه أي مكافأة، إذ لم يتم أي اتفاق بينه وبينهم على مقابل لما فَعَل، ومن ثَمَّ فإنه يجب عليه تسليم المستندات إلى أصحاب الحق حتى تبرأ ذمته أمام الله تعالى، ولا يجوز له الامتناع عن تسليمها حتى يعطوه شيئًا، وإلا كان مُعينًا على استمرار الظلم والغصب وإضاعة الحق. ولو طلب من أصحاب الحق أن يتبرعوا له بشيء دون أن يشترط ذلك عليهم فلا حرج عليه من أخذه حينئذ، وكذلك لو بذلوا هم شيئًا له على سبيل المكافأة دون طلب منه جاز بالأَولى، وتقدير المكافأة في الحالين موكول لهم؛ لأنه تبرع منهم لا واجب عليهم. ومع ذلك فإذا كان قد صرف مبالغ مالية محددة يعرفها ويحفظ قدرها للحصول على المستندات فله أن يطالب بما دفع وغَرِمَ في سبيل الحفاظ على حق الورثة المذكورين. وأما ما ورد في القانون المصري مِن أن مَن التقط شيئًا فله عُشر ثَمَنِهِ بعد بيع الإدارة له، فلا يسري في الواقعة المسئول عنها، لأن موضوعها ليس لُقَطَة، ولو فرضناه لُقَطَة فإن القانون قد وضع شروطا وقيودًا لأخذ العُشر، وكلها غير متحققة في واقعة السؤال.