تركه والده ورحل عن الدنيا وهو فى الثامنة من عمره، تركه وفى رقبته أم و7 من الأخوات، قلبته أمواج الحياة القاسية فى كل اتجاه، ولكنه قرر أن يتحدى الجميع، الظروف القاسية، وضيق ذات اليد، وكف البصر، كل ذلك خلق منه طفلاً صلبًا قرر أن يتفوق دراسيًا، وكان الأول على مدرسته فى الشهادتين الابتدائية والإعدادية، والرابع فى الشهادة القانوية، وأكمل دراسته الجامعية، ليس ذلك فقط، بل حصل أيضًا على درجتى الماجستير والدكتوراه .. إنه الدكتور عبدالمنعم نبيه خير الله صاحب قصة التحدى هذا الأسبوع. يقول الدكتور عبدالمنعم: ولدت بقرية البهوتي مركز بسيون محافظة الغربية، ونشأت في أسرة بسيطة، مات والدى - رحمه الله - عائلها الوحيد، وأنا فى الثامنة من عمرى، تاركا خلفه زوجة وسبعة أبناء من الذكور وخمسة من الإناث، ورغم هذه الظروف القاسية التي مرت بها الأسرة من ضيق ذات اليد وظروفى الشخصية التى كنت أعانيها منذ الصغر، فإننى تحديت الصعاب منذ التحاقى بمعهد النور للمكفوفين بطنطا عام 1977م، الذى حصلت منه على الشهادة الابتدائية، وكان ترتيبى الأول بفضل الله تعالى، ثم التحقت بمدرسة طه حسين للمكفوفين بالقاهرة، وحصلت منها علي الشهادة الإعدادية، وكان ترتيبى الأول كذلك أيضًا، ثم حصلت منها على الشهادة الثانوية، وكان ترتيبى الرابع. مرحلة الجامعة ويضيف: ثم التحقت بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة طنطا، وقد حصلت منها على الليسانس بتقدير جيد، وهو التقدير الذى يعطيه أستاذ الجامعة للطالب الكفيف على أنه منحة منه اعتقادا أن هذا التقدير يرضى طموح الطالب الكفيف المتفوق، ثم تقدمت للحصول على درجة الماجستير وقد قاسيت وعانيت الكثير والكثير فى أثناء البحث والاطلاع، إما بسبب عدم وجود القارئ المناسب، وإما بسبب عدم وجود الرفيق الذي يصحبني هنا وهناك بين المكتبات المختلفة فى مختلف المحافظات، حتي أتم الله عز وجل عليَّ نعمته بالحصول علي درجة الماجستير في التاسع من شهر ديسمبر عام 1998م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولي، وكان موضوع الرسالة ( لفظ الجلالة فى القرآن الكريم .. دراسة لغوية)، ثم سافرت إلى ليبيا للبحث عن فرصة عمل مناسبة فى إحدى الجامعات الليبية، ولكن لم يحالفنى الحظ بسبب سفرى فى أجازة منتصف العام، حيث استوفت كل الجامعات احتياجاتها في بداية العام. انتظار الفرصة ويكمل: ثم تقدمت للحصول علي درجة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور محمود سليمان ياقوت، الذى فتح لى مكتبه ومكتبته، ولم يبخل بشيء عليَّ، وقد حصلت بفضل الله عز وجل على درجة الدكتوراه بتقدير مرتبة الشرف الأولى عام 2007م وموضوع الرسالة (المصطلحات النحوية فى شروح ألفية بن مالك مفهومها وتطورها)، ومنذ هذا التاريخ وأنا أنتظر الفرصة لتعيينى ضمن هيئة التدريس فى إحدى الجامعات المصرية، أو بإيجاد فرصة عمل مناسبة بإحدي الدول العربية، ولكن هيهات هيهات، فقد نسيت أن الدول العربية لها رؤية تقول « الإنسان الكفيف فى لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم وزادوا على ذلك ولا يعى شيئا في تخصصه). وكأن الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي ليس واحدا منا، وعلى هذا الأساس أغلقت جميع الدول العربية أبوابها في وجه الإنسان المصري الكفيف الحاصل على أعلى الدرجات العلمية متفوقا فى أحيان كثيرة على أقرانه العرب فى تخصصه. صرخات مكتومة وبنبره حزينة يملؤها الآسي يقول: أبعث بهذه الصرخات المكتومة إلي المسئولين فى مصر، أولا: إن يتم تعيين جميع المكفوفون الحاصلين علي درجة الدكتوراة كل فى جامعته وفى مجال تخصصه، ثانيا: إن كان هذا الأمر أو الطلب صعب المنال أرجو أن يتم معاملة المكفوفين أصحاب الماجستير أو الدكتوراه معاملة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية تقديرا لنا علي مكابدة الصعاب، وهذا أقل ما تقدمه مصر لأبنائها فى عهد قائد حريص كل الحرص أن يأخذ كل ذى حق حقه، وإن كان هذا الرجاء بعيدا عن الواقع أرجو من وزارة القوى العاملة والهجرة أن تقوم بتحسين صورة المكفوفين المصريين الحاصلين على الدرجات العلمية، أملا فى توفير فرص عمل مناسبة لنا فى الدول العربية، هذا فيما يخص الجانب العلمى، ولا يفوتني أن أذكر إنى أحفظ القرآن الكريم حفظا جيدا، وقد حصلت على الاجازة في التجويد عام 2014م، وكان ترتيبى الأول على مستوي الجمهورية. مواهب متعددة يختتم الدكتور عبدالمنعم حديثه قائلا: فيما يخص الجانب الرياضى والثقافى، فقد حصلت على العديد من الميداليات الذهبية فى رياضة العدو على مستوى الجمهورية، إضافة إلى ذلك فأنا أجيد كتابة الشعر، وقد حصلت على المركز الأول مرات عديدة على مستوي الجمهورية، كما حصلت على العديد من دورات الحاسب الآلي تحت إشراف القوات المسلحة المصرية .. وفى النهاية أرجو أن يكون لقصتى هذه صدى عند المسئولين، والجهات المختصة.