وصف علماء الدين وخبراء الاجتماع زواج الفتيات المصريات صغيرات السن بأجانب وعرب يكبرونهن بأكثر من خمسة وعشرين عاما، بأنه أقرب للنخاسة منه للزواج الشرعي،مشيرين إلى أن معظم حالات هذا الصنف من الزواج تبتعد عن الأهداف الأساسية التى أقرها الإسلام من الزواج. واعتبر العلماء أن زواج البنات المصريات الصغيرات بأجنبى يكبرهن سنا ظاهرة تستدعى الحل الجذري، وأكدوا أن الجهل والفقر هما السببان الرئيسان وراء هذه الظاهرة. وأوضح الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، أن الإسلام شرع عقد الزواج واستهدف منه عدة أهداف منها الاستقرار والمودة والرحمة، ومن ثم فقد وضع المشرع، ضوابط وشروطا لضمان سلامة هذا العقد منها الكفاءة بين الزوجين، والكفاءة فى الغالب تكون من جانب الرجل، بمقتضى أن له القوامة، ثم دور المرأة فى إحداث التبادل الناجح لمزج هذه العلاقة بما يؤدى لاستقرارها. وحيث إن الأبحاث الطبية والاجتماعية وهى لها دور كبير فى التأثير فى الرأى الفقهى لحسم هذه المسائل التى يحدث فيها الاجتهاد تشير إلى أن الرجل الأكبر سنا قد لا يتمكن من الاستمرار فى الحياة الزوجية على نحو صحيح، فيؤدى إلى هدم الأسر، إما بفقد العائل (وفاته)، أو استخفاف الزوجة بهذا الرجل، وبذلك تعود المرأة إلى فقد حصانتها من ناحية العفة وغيرها، وتكون عرضة للفتنة، ومن ثم فإن التكافؤ يعد مطلبا ضروريا فى الزواج. وأضاف: أن معظم الفتيات ضحية هذا الزواج يكون لديهن نقص فى أهليتهن، وعدم رجاحة للعقل والإدراك فى فهم طبيعة هذا الأمر، فتفرح الفتاة بالهدايا والثياب الملونة والذهب المقدم لها وسعادة والديها، وتنسى تماما أنها تذهب إلى مستقبل مجهول، حيث إن الرجل الأجنبى الذى يقدم على هذا الزواج من بناتنا غالبا ما يكون له عدد من الزوجات والأولاد ، فإذا ما ذهب بها إلى بلده تتحول تلك المسكينة إلى شبه خادمة ليس لها إرادة، فتواجهها المشكلات وتصطدم بهذا الواقع المأساوى فقد تفكر فى الهروب من هذا الزوج للنجاة بنفسها وهنا يلتقطها نخاسون فإما أن تخضع لهم وتقع فى الفاحشة أو تفلح فى العودة إلى بلدها فى صورة حطام امرأة بعد أن هدمت عذريتها، وخاب أملها وتحول حلمها إلى سراب. كل ذلك بسبب تهاون الآباء وعدم حرصهم على بناتهم. باطل شرعا! وقال عوضين: إذا تم الزواج على هذا النحو، وكان مبنيا على المنفعة والإغراء المادى لأهل الفتاة وتضليل الفتاة نفسها بحقيقة أمرها، واستغلال جهلها بهذه الأمور، ففى هذه الحالة يكون الزواج باطلا من الناحية الشرعية وإن كان مكتملا من الناحية القانونية، ذلك أنه غالبا ما يقوم على التدليس والغش والاستغلال وعدم توافر النية من قبل الزوج فى الاستمرار، فضلا عن خداع الأسر البسيطة والتغرير ببناتهن. وللحد من هذه الظاهرة يطالب عوضين بمحاصرة أطرافها المشاركين فيها، ومحاسبتهم قانونا، بدءا بالأب الذى يبيع ابنته والمأذونين والسماسرة والمحامين الذين يوهمون بصحة العقد وضمان الحقوق، فإذا أًحكمت الجزاءات القانونية على هؤلاء أمكنا السيطرة على هذا العدد الكبير من الزيجات. أما زيادة قيمة المبلغ المودع فى حساب الزوجة إلى 50 ألف جنيه فيرى عوضين أن ذلك ليس حلا، ولكنه اعتراف بوجود المشكلة، كما أن الضمان بالأموال يشوه سمعة المرأة المصرية ويحولها إلى سلعة، وهذا المبلغ فى أعراف المجتمعات الأجنبية أمر ميسور جدا، وهو يقارب 5آلاف دولار، تنفقه بعض الأسر الخليجية فى يوم أو يومين. ودعا عوضين إلى الاستئناس بما فعلته بعض البلدان العربية فى حماية بناتها والحول دون تعرضهن للعنوسة، بأن منعت بعض الدول الذكور من الزواج بغير بنات الدولة، وحينما قابل ذلك تذمر الشباب صدر قانون آخر بحرمان الشاب الذى يتزوج بغير نساء بلده من كافة التيسيرات والتسهيلات التى تقدمها الدولة لمساعدة الشباب للحد من هذا الاتجاه. وليس معنى هذا أن الشرع يحظر الزواج بغير بنت الدولة، لكن بالضوابط التى تعين كل طرف على القيام بواجبه وتحفظ له حقه. لجان متخصصة ودعا عوضين إلى تشكيل لجان متخصصة لبحث الظاهرة وإيجاد حلول لها.بالإضافة إلى نشر حملات توعية إلزامية، وأن يدرج ضمن عقود هذا النوع من الزواج النص على اشتراط عرض الفتاة وأسرتها أولا على لجنة متخصصة للتوعية بآثار وحقيقة وتبعات هذا الزواج، وما قد يعترضه من مشكلات، وحقوق الفتاة وسبل الحصول عليها حال الخلاف، وأن يسند هذا الأمر إلى جهة سلطوية كجهاز الشرطة مثلا منعا للتلاعب وتحويله إلى إجراء شكلى لا قيمة له. من جانبه تساءل الدكتور ناصر محمود وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس: كيف ننتظر التوافق من زواج ينتمى أحد طرفيه إلى جيل والآخر إلى جيل مغاير عنه تماما تفصل بينهما نحو ثلاثة عقود، فضلا عن اختلاف الثقافة والأعراف والاغتراب النفسى والاجتماعي..فذلك أدعى لفشل هذا الزواج بصرف النظر عن مقومات فشله، الظاهرة الأخري.. وكأن الفتاة ارتضت أن تبيع نفسها أو بالأحرى باعها أهلها مقابل حفنة من الأموال لا تغنى ولا تسمن من جوع. ومن ثم يعد هذا الزواج هو قمة الامتهان للمرأة والاستغلال لظروف أسرتها، ولعل ما يؤكد هذا انتشار هذا الزواج بين المناطق الفقيرة والأسر المعدمة اجتماعيا!! الأمر الذى يعود بنا إلى سوق النخاسة وتحويل المرأة إلى سلعة تباع وتشترى لمن ملك المال مهما كانت سنه أو ظروفه! تجريم زواج القاصرات فى السياق نفسه قال الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إنه يجب على الدولة أن تحمى بناتها من خلال تشريعات تجرم زواج القاصرات، وأن تحمى فتياتها من خداع المخادعين وشهوات الأثرياء من غير المصريين. ويرى السمالوطى أن القضية ليست فى مبلغ مالى كبير أو صغير، لكن القضية فى وجود زواج يفتقد واحدا من أهم مقوماته وهو الرغبة المشتركة فى الديمومة والاستمرارية، وهو زواج أقرب بالزواج السياحى أو الصيفى أو زواج المتعة، إذ الزواج الشرعى كما هو معلوم لابد فيه من توافر نية التأبيد بين طرفيه، وليس مجرد إيجاب وقبول وشاهدين، يستمر أسابيع أو أشهر، وسرعان ما يغادر الزوج إلى بلده، بلا رجعة تاركا لضحيته خيبة الأمل، فلا هى زوجة ولا هى مطلقة، وقد تكون حاملا، واحيانا يصطحبها الزوج معه فى بلده لتعمل خادمة لزوجاته بالبلد الذى يعيش فيه، لأنه غالبا يكون متزوجا وبأكثر من امرأة.. إنها حقا مآس كبيرة تعيشها الفتاة التى ترضى لنفسها هذا الطريق دون النظر فى عواقبه الوخيمة.. ناهيك عن مسألة التكافؤ بين الطرفين، فالتكافؤ يعنى ضمن ما يعنى التقارب فى السن والفكر والمستوى الاجتماعى والثقافي، والعادات والتقاليد ونحو ذلك، وكلما كان التكافؤ متوافرا بين الزوجين كانت الزيجة موفقة وكتب لها الاستمرارية والنجاح.