إذا كانت روزا اليوسف هى «الرحم» الذى خرج منه إحسان عبدالقدوس إلى عالم الصحافة والابداع والفن والأدب، فمما لا شك فيه هو أن الأهرام كانت بالنسبة له هى قمة الهرم الصحفى التى تربع فوقها بلا منازع فى فترة من أهم فترات تاريخها و تاريخ مصر كلها على الاطلاق. ففى عام 1975 عين احسان عبدالقدوس رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأعرق فى مصر و الشرق الأوسط، واستمر فى هذا المنصب لمدة عام تقريبا. لكنه ظل حتى آخر أيام عمره كاتبا متفرغا فيها ومستشارا لها. وبسؤال الأستاذ محمد عبد القدوس عن علاقة والده بالأهرام وماذا كنت تمثل المؤسسة العريقة فى حياة أسرتهم ككل ... قال: إن الأهرام كانت هى الجريدة الأولى بالنسبة لإحسان عبدالقدوس. ونحن فى منزلنا تربينا على رؤيتها أمامنا كل صباح. أما علاقة والده و أسرته كلها بها فيمتد تاريخها إلى ما قبل ثورة يوليو 1952. وعن العام الذى قضاه والده فى رئاسة مجلس ادارة المؤسسة يقول: إنه بعد حرب أكتوبر 1973، و بعد خروج الكاتب الصحفى الأستاذ مصطفى أمين من المعتقل ، أبلغ عبد القدوس الرئيس السادات أن مصطفى أمين أولى منه برئاسة مجلس ادارة بيته الأول وهو أخبار اليوم. فوافق الرئيس السادات، وقرر فى هذا الحين تعيين إحسان عبد القدوس رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام. ويقول: هناك كان إحسان عبدالقدوس على موعد مع أصدقاء عمره من فطاحل أصحاب الأقلام فى الفكر والفن والسياسة والأدب فى الدور السادس بالأهرام والذى ضم صفوة مبدعى مصر. وجدير بالذكر هنا أن كافة اصدارات الأهرام فتحت أبوابها على مصراعيها لقلم الأستاذ احسان عبد القدوس، فيجد المطالع له فى أرشيف الأهرام كتابات فى الأهرام اليومى (مقال سياسى)، وقصة فى مجلة نصف الدنيا وغيرهما الكثير من الإصدارات. هذا كله فضلا عن التغطيات الإخبارية التى حرصت الأهرام على تقديمها باستمرار فى مختلف إصداراتها لكل الفعاليات التى شارك فيها الأستاذ أو دارت فى صالونه الثقافى حتى الآن. وإذا كان هذا العام الذى قضاه صاحب القلم الجريء رئيسا لمجلس إدارة الأهرام ينظر إليه الجميع اليوم على أنه مرحلة مهمة فى تاريخه ، فمن الإنصاف هنا أن نشير إلى أن الكاتب الكبير احسان عبدالقدوس كان بلا أدنى شك قيمة مضافة لقيمة الأهرام الكبيرة أصلاً، أعطاها الكثير من رصيد فنه وإبداعه وجعل منها شريكة له فى كتابة فصل من فصول تاريخ مصر السياسى والثقافى والاجتماعي. ومن يتأمل حصاد الإنتاج الفكرى والإبداعى للأستاذ الكبير فى الأهرام، يرصد كيف كانت الأهرام شريكة له فى مراحل إبداعه، وكأنها المرآة التى كانت تعكس إبداعه و أهم محطات حياته لحظة بلحظة. و فى اللقطات التى اطلعنا عليها من أرشيف الأهرام نقرأ بتاريخ الثانى عشر من مارس لعام 1975 فى صدر الصفحة الأولى خبر تعيين احسان عبدالقدوس رئيسا لمجلس ادارة الأهرام، و تعيين الأستاذ على حمدى الجمال رئيسا لتحريرها. وجاء فى الخبر أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات هو من أصدر القرار بوصفه رئيسا للاتحاد الاشتراكى العربي. وفى نفس الصفحة نشرت الأهرام خبر تشكيل المجلس الأعلى للصحافة على أن تكون 49% من ملكية الصحف للعاملين. ومن ضمن تشكيلة المجلس تجد أنه يضم ثلاثة من رؤساء المؤسسات الصحفية القومية وبالطبع كانت الأهرام على رأس القائمة ومعها إحسان عبدالقدوس. وظل قلم احسان عبد القدوس يبدع فى كتابة جميع ألوان الفنون الصحفية وعلى رأسها المقال والقصة القصيرة. ويشهد أرشيفه بأنه كتب فى السياسة ببراعة لم تقل أبدا عن تلك التى عهده بها قراؤه فى الأدب. ولم يكن الأديب الكبير مجرد صحفى تم تكليفه برئاسة مجلس إدارة أكبر مؤسسة صحفية فى مصر، فبالتالى عليه أن يكتب مقالا سياسيا فحسب، بل كان مراقبا بشدة لتطورات الأوضاع على المشهد السياسى العربى ويجيد تحليل الأمور ببساطة أمام القاريء لينير له المناطق المظلمة فى العلاقات الدولية وكأنه شريك فيها. فكان يستعرض فى مقاله كل ما يحصل عليه من معلومات أتيحت له من واقع شهرته ودائرة معارفه الدولية. أما عن الابداع الأدبى الذى تألق فيه عبدالقدوس، فحدث ولا حرج عن قصة الأحد التى كان ينتظرها القراء فى العالم العربى كله.. ومن بين هذه النماذج قصة الحب والفن التى نشرتها الأهرام بتاريخ 7 يناير 1990 وكانت هى آخر انتاج أدبى ينشره الأهرام للكاتب الكبير الذى وافته المنية بعدها بأيام قليلة، وتحديدا فى الحادى عشر من الشهر نفسه.. لتكون الأهرام بذلك رفيقة الدرب التى لم تتركه حتى النهاية. وجدير بالذكر أن إحسان ذيل القصة بوعد منه لقرائه بأن ينتظروه إلى الأحد القادم ليكونوا على موعد مع قصته الجديدة التى اختار لها عنوان «أيام المظاهرات...». وفى الثانى عشر من يناير كان الخبر الحزين أضفى بالكآبة على جميع الأوساط السياسية و الأدبية فى مصر والعالم العربي، حيث رحل إحسان عبدالقدوس تاركا خلفه تاريخا يمتد لعشرات السنوات من الابداع والأعمال السينمائية والروايات والمقالات. أفردت الأهرام صفحات طويلة عن إحسان عبدالقدوس وحياته وأعماله وفتحت الباب للأقلام التى سعت لرثائه والتعبير عن مصابها الجلل فى فقده.