برغم أن عقلى يعيب على أن أتحدث عن السعادة وبلادنا العربية غارقة فى الدماء ويتم تشويه معتقداتنا وقيمنا بصورة غير مسبوقة، فإن إحساسا إنسانيا يدفعنى للبحث عن طاقة نور، لعلها تخفف من حدة الكآبة التى سببها الدمار الهائل، والدماء، البريئة، والأرواح المزهقة، ولكن النور الذى يجب ألا يغيب عن أرواحنا قبل عقولنا، أن هناك نقطة ثابتة هى أن الحياة لا تتوقف! ومادامت الحياة مستمرة فإن عزاء الفلسفة يجدى لتجاوز الأحزان والآلام مهما، عظمت، ومن المحتمل أن تحول الحكمة الفلسفية من عذاب (سيزيف) الذى حكم عليه أن يحمل الصخر من سفح الجبل لقمته إلى ما لا نهاية، إلى أمل جديد فى بداية جديدة بطرق معيشة أفضل وتفكير أعمق وإحساس أرهف وسعادة حقيقية! عادة يتخذ الإنسان مناسبات معينة ليقف مع نفسه، ويعيد التفكير فى مجرى حياته، ويتأمل مسيرته وما تحتاجه من تطوير، وبداية سنة جديدة من بين هذه المناسبات التى يتوقف أمامها الإنسان ليسأل عن وصوله إلى معشوقته الأبدية فى الحياة أم إخفاقه، عن السعادة، ولعل ارتباط (بابا نويل) برأس السنة فكرة تذكرنا بأن السعادة بسيطة، وربما أقرب إلينا مما نتصور إن أحسنا الإدراك، فهو مرتبط بالأطفال قادر على إسعادهم بأشيائه البسيطة فأقل الأشياء كفيلة بتوليد السعادة لو كللت بدفء الحب.. القيمة الحقيقية من تجربة الحياة، كلماازداد من تحب ومن يحبونك، ضمنت حقك من السعادة، فلا يستحقها إلا المحبون ولا يظفر بها إلا هم! القدرة على الحب ترتبط بنوعية الطفولة التى نعيشها، فالطفولة السعيدة تضمن أشخاصا إيجابيين يعرفون طريق السعادة بقدرتهم على الحب، فالعطاء، وهذا الاتجاه الحيوى يقلل من المشاعر العدائية والغضب والحقد وكل الأحاسيس السلبية تجاه الآخرين، فالعلم من خلال دراسة مرحلة الطفولة، قادر على التنبؤ بالحالة الصحية للأفراد المعرضين لمخاطر أمراض الدماغ بسبب الطفولة القلقة التعيسة، بينما الطفولة المتفائلة وهؤلاء يتمتعون (بالكاريزما) التى تستطيع تمييزها بسهولة وسط أى مجموعة، نجد هناك شخصا ما يتمتع بالشخصية الإيجابية، القادرة على الاستيعاب والمساعدة، والقدرة على الحب أساس أى موهبة اجتماعية، فلولا الحب ما حدث تفاعل ونشأت علاقات اجتماعية، فالمحبون مواهب جميلة لطفولة سعيدة! هؤلاء المحبون السعداء لا يطالبون الآخرين، باشتراطات معينة، بل الأفذاذ منهم يعفون الناس من أى شروط لحبهم، فهم يستمتعون بإعطاء الحب، قبل تلقيه، وما يتمنون أن يجدونه فى غيرهم يوجدوه هم فى أنفسهم، ويكونون هم ما يتمنونه فى الناس، فيكتسبون قداسة إلهية تظلل على الآخرين، بلا مقاومة فالفيلسوف البريطانى (برتراند راسل) كان يقول إنه عندما يتحدث لأصدقائه الفلاسفة يعتقد أن فكرة السعادة مستحيلة، بينما عندما يتحدث للبستانى فى حديقته ويجده يحب ويعرف عمله ويسعد بإنجازه، يعرف أن اعتقاده السابق مضلل، فكل منا يستطيع أن يكون من هؤلاء المحبين السعداء، فالفضيلة منحة إلهية بلا مقابل، ولا يلزمها إلا الوعى والإرادة! رغم أننى أستحى من تقديم عزاء الفلسفة لأهالى الشهداء فى الجيش والشرطة، ولأشقائنا فى المخيمات، ليبحثوا عن السعادة فى الظروف الحالكة التى أوقعهم فيها الخونة والعملاء، لكننا فى مصر نشعر بقدر من الطمأنينة يؤهلنا لاكتساب مزيد من الوعى لمعرفة أهمية قيام الدولة لتوفير السعادة للأفراد فلعلنا نضرب مثلا واقعيا يكون ملهما للآخرين، للقيام من كبوتهم، والحفاظ على توازنهم النفسى والعقلي، ليبدأوا من جديد بتوسيع أفق الحياة بعزاء الفلسفة، أى الحكمة، فيجدون الحكمة فى الفلسفة الرواقية أو الأبيقورية! حدد الفيلسوف اليونانى أبيقور السعادة فى مذهب اللذة والألم الماديين، وذهب إلى أن السعادة تتحقق بتحقق اللذة وغياب الألم، ورغم أنه مذهب حسي، فإنه حوله إلى فلسفة فى الزهد، والسيطرة على الشهوات، والتغلب على الآلام، على أساس إنه إذا لم يكفك القليل فلن يكفيك أى شيء! فأساس السعادة الطمأنينة والتخلص من الخوف، فعلينا ونحن نمر بهذه الظروف الصعبة التى تتطلب التغيير الجذرى بشجاعة، بث الطمأنينة وهزيمة الخوف فى النفوس، لخلق حالة ذهنية وعقلية، متزنة تضفى صفاتها على الأحداث، لتتمسك بالأمل، وهى حالة لا تتطلب إمكانات مادية، بقدر السيطرة على النفس والإيمان بجدوى أفكارنا وأفعالنا العقلية، فحسب الفلسفة الرواقية اللاحقة للأبيقورية، إن السعادة تكمن فى قدراتنا على كبت انفعالاتنا العاطفية وإخضاعها للعقل، وتوفيق حياتنا حول قوانين الطبيعة التى لا تتغير! السعادة فى النهاية طريق حياتنا كله، من صنع أيدينا وعقولنا، وهبنا الله الحرية لتعبيده، والحرية قرينة الحكمة، وإلا أصبحت بلا معني، ومن الحكمة أن ننهل من أصحاب العقول القوية، فى الفلسفة والفن والدين، ممن يعرفون وجه الله الحق والخير والجمال، على طريق الحب،وكل إنجاز فى هذا الطريق، هو السعادة بعينها ، فطريق السعادة معبد بالحب، بالفاعلية الاجتماعية، وحصار خطاب الكراهية، وضيق الأفق، والإنجاز على هذا الطريق يبدأ من أريحية(بابا نويل) بزرع بسمة على وجه طفل ببساطة، إلى إنجاز أولى العزم من أمثال الرئيس (عبد الفتاح السيسي) بفتح أبواب الأمل والعمل وتحقيق السلم والأمن الدوليين. لمزيد من مقالات وفاء محمود