يٌشار دائما إلى مصر والمغرب باعتبارهما نموذجا لما يٌعرف بالدولة - الأمة، التى لها عمق تاريخى وثقافى وإنسانى، وهو ما يجعل هناك رابطة «روحية» عميقة بين الشعبين تتجلى فى الإبداع الثقافى، والتراث الدينى، والتواصل الإنسانى، والعلاقات التجارية التى لم تنقطع على مدى قرون، لم يهزمها البٌعد الجغرافى النسبى. وهناك شواهد مهمة تجسد هذا التواصل من «حارة المغاربة» بحى باب الشعرية، الذى يحتفظ بالعديد من الأولياء والأضرحة التى تنتسب إلى المغرب، إلى رواق «المغاربة» فى الأزهر، الذى كان يشعر المهاجرون المغاربة إلى مصر بدفء السكن إلى جواره، إلى جامع «المرسى أبوالعباس»، الذى نشأ فى «مرسيه» بالأندلس قبل أن يفد إلى مصر، ويحفل المسجد بطراز معمارى أندلسى بديع، جميعها شواهد على تواصل حضارى لم ينقطع. شهد الأسبوع الماضى زيارتين متقاطعتين لوفد ثقافى مغربى إلى القاهرة، وآخر مصرى نظمته مكتبة الإسكندرية إلى الرباط، سعى كلاهما إلى اكتشاف مساحة إبداعية متجددة للعلاقات بينهم. يُشعرك الحوار مع المثقفين المغاربة بالمصطلح الذى نكرره دائما «القوة الناعمة» التى تمتلكها مصر فى صورة منتجات ثقافية، يعيها جيدا المجتمع المغربي، ويتفاعل معها سواء فى صورة أعمال أدبية أو فنية، إذ تسمع فى المقاهي، والمطاعم، والأفراح المغربية الأغانى المصرية الكلاسيكية الشهيرة لكل من «أم كلثوم» و«عبد الوهاب»، وغيرهما، فى حين لا نجد إدراكا مماثلا للثقافة المغربية فى المجتمع المصري. هناك ثلاثة أبعاد يمكن أن تتعمق من خلالها العلاقات المصرية المغربية، تشكل امتدادا لخبرة التواصل بين الشعبين فى مجالات الثقافة، والدين، والتجارة. هناك رصيد ثرى من التواصل الثقافي، يحتاج إلى تجديد عراه. الزيارتان الأخيرتان لمثقفين من الجانبين تشكل بداية مهمة، وهناك جهود فى الأفق لعقد أسبوع ثقافى مغربى فى مصر فى إبريل المقبل، واتفاق بين كل من مكتبة الإسكندرية من ناحية والمكتبة الوطنية المغربية والرابطة المحمدية للعلماء كٌل على حدة من ناحية أخرى. ويقوم السفير المصرى النشط الدكتور إيهاب جمال الدين بجهود لتنشيط السياحة المغربية لمصر، إلى جانب نشاطه فى مجالات أخرى، من خلال اجتماعات مع كبرى الشركات السياحية، وتنظيم رحلات لها فى مصر، بهدف بحث المنتج السياحى الذى يجرى ترويجه فى المغرب، وإطلاق رحلات «الشارتر»، ومن المتوقع أن يكون البعد الثقافى حاضرا فى جهود جذب السياحة المغربية، وتنظم المغرب سنويا عشرات الفعاليات الثقافية، التى لا ينبغى أن تغيب عنها مصر، وكذلك يتعين مشاركة المثقفين المغاربة فى الفعاليات الثقافية المصرية. من الناحية الدينية، فإن التواصل بين المغرب بجامعة «القرويين» ومصر بأزهرها الشريف لم ينقطع، بل ظل حيا على مدى قرون، وهو ما يرشح الجانبين لتعاون أعمق فى مواجهة التطرف، ونشر الوسطية فى الفكر، ونبذ الغلو والتشدد. ويشمل التراث الدينى المغربى أبعادا ثلاثاً: الملكية (إمارة المؤمنين)، ذات الشرعية الواسعة، والمذهب المالكى الذى يُعد الأكثر ارتباطا بمصالح الناس المتغيرة، والأشعرية التى تعبر عن التوسط فى علم الكلام الإسلامي، الذى يرفض كل الاتجاهات المغالية مذهبيا أو فلسفيا، ويرى الدكتور محمد كمال الدين إمام أن الأشعرية هى قوام السلفية المغربية التى تقترب من سلفية الأزهر، التى ترفض الغلو والتطرف، وهو ما يضع على كاهل الجانبين، بما يمتلكان من تراث فقهى عميق، أن يتلاقيا فى معركة تحرير العالم العربى من التطرف، والممارسات اللا إنسانية التى تتدثر بأردية دينية زورا وادعاء. وقد شهدت الندوة التى عقدتها الأسبوع الماضى الرابطة المحمدية للعلماء ومكتبة الاسكندرية على مدار يومين تحت عنوان «فى نقض أسس التطرف ومقولاته: مقاربات وتجارب» مناقشات جادة شارك فيها باحثون من الجانبين تصدت إلى المفاهيم الملتبسة التى تشجع على التطرف مثل الحاكمية، والفرقة الناجية، والولاء والبراء، وتشيع فى الخطابات المتطرفة أيا كانت الجماعة أو الفرقة التى تتبناها. ومن الناحية الاقتصادية، هناك دلائل ومؤشرات على إمكانية تحقيق تعاون اقتصادى يجعل الاقتصادين المصرى والمغربى رقمين محوريين فى أفريقيا، فالمغرب هى ثانى أكبر مستثمر أفريقى فى أفريقيا، وأول مستثمر أفريقى فى غرب أفريقيا، وتٌعد مصر مدخلا مهما للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا»، وتمتلك كلاهما سوقا ماليا نشطا، وهناك إمكانيات للتعاون الصناعي، وهو ما يتطلب تشجيع رجال الأعمال من الجانبين، وسرعة عقد اللجنة المشتركة بين الدولتين، التى عقدت عام 2006م، أى منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وهو أمر لا يستقيم مع جهود تشجيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ويشهد الاقتصاد المغربى تقدما فى مجالات عديدة، خاصة منذ مطلع الألفية الجديدة فى إنشاء مشروعات للبنية الأساسية، وتخصيص ثلث الناتج المحلى الاجمالى للاستثمارات ومواجهة الفقر والتهميش، وزيادة الصادرات لما يصل إلى ستة وعشرين مليار دولار، يتوقع أن تزيد ثلاثة مليارات دولار أخرى العام المقبل، وتكاد تخالج المغرب ذات الهموم التى تشغل الاقتصاد المصرى من حيث زيادة الصادرات، وتقليل العجز والدين الخارجي، وتشجيع الاستثمار، والولوج إلى مجال الطاقة المتجددة، مما يجعل هناك مساحة من التعاون الاقتصادى بين الجانبين. بالتأكيد هناك مجالات عديدة للتعاون نحتاج إليها فى مصر، التى باتت أكثر انغماسا - لأسباب معقدة - فى مشكلات المشرق العربى، وحان الوقت لمزيد من التفاعل مع دول المغرب العربى. لمزيد من مقالات د. سامح فوزى