«مصر للطيران» تبدأ إطلاق رحلاتها إلى مطار العلمين في شهر يوليو    القصير يوجه الفريق البحثي لنبات الكسافا بمزيد من التجارب التطبيقية    حزب الجيل الديمقراطي يرحب بقرار إدراج إسرائيل في القائمة السوداء    مصطفى شلبي: أفضّل عودة بن شرقي للزمالك عن رمضان صبحي ونجم الأهلي    زيدان: مبابي سيصنع التاريخ وسيتخطى جميع لاعبي ريال مدريد    محافظ الغربية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة 83.77 %    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    الفنانة شيرين رضا تعلن أعتزالها الفن    «الصفعة» ليست الأولى .. 4 مواقف أغضبت الجمهور من عمرو دياب    العشرة الأوائل من ذي الحجة .. هل هي الليال العشر ؟    وزير الصحة يتفقد مستشفى الحمام المركزي بمحافظة مطروح    «صحة المنيا» توقع الكشف على 1237 حالة بقافلة طبية في بني مزار    هيئة الأرصاد تكشف ل«المصري اليوم» توقعات الطقس خلال صيف 2024    تأجيل محاكمة 111 متهمًا بقضية "خلية حسم الإرهابية" ل11 أغسطس    وزير الصحة يحيل المتغيبين عن العمل للتحقيق بمستشفى مارينا    وليد الركراكي يُعلق على غضب حكيم زياش ويوسف النصيري أمام زامبيا    ثقافة اسوان يناقش تأثير السيوشال ميديا "فى عرض مسرحى للطفل    قصور الثقافة تطلق بعثة ميدانية لتوثيق مسار العائلة المقدسة بالمنيا    ب«750 ألف يورو».. الأهلي يحصل على توقيع زين الدين بلعيد لمدة 4 سنوات    مصر تواصل جهود تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    بالصور- ننشر أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بجنوب سيناء    تنظيم 6 ورش عمل على هامش مؤتمر الأوقاف الأول عن السنة النبوية (صور)    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أبرز 7 غيابات عن منتخب إنجلترا فى يورو 2024    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «علم».. وفلسطين حاضرة بقوة (صور وتفاصيل)    سما الأولى على الشهادة الإعدادية بالجيزة: نفسى أكون دكتورة مخ وأعصاب    لماذا الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؟.. مركز الأزهر العالمي يُجيب    السكة الحديد تعلن جداول قطارات خط «القاهرة - طنطا - المنصورة – دمياط»    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    خبير: برنامج تنمية الصعيد في مصر سيكون مثالا يحتذى به في كل دول القارة الإفريقية    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    تضم هذه التخصصات.. موعد مسابقة المعلمين الجديدة 2024    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    الفوج الثاني من حجاج «المهندسين» يغادر إلى الأراضي المقدسة    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    في اليوم العالمي لأورام المخ - احذر الأعراض والأسباب    العمل: تشريع لحماية العمالة المنزلية.. ودورات تدريبية للتعريف بمبادئ «الحريات النقابية»    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    ب300 مجزر.. «الزراعة» ترفع درجة الاستعداد القصوى استعدادًا لعيد الأضحى    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القاهرة 2315!
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 12 - 2015

نحن نعيش الآن معا حكاية لها العجب فى «فانتازيا صحفية» لم تتكرر من قبل وربما لن تتكرر من بعد.. ونحن نعيش احتفالات الأهرام بمرور 140 عاما على تأسيسه!
احبسوا أنفاسكم فنحن نركب معا الآن قطارا اسمه «الطلقة».. ينطلق بنا من تحت الأرض فى محطة مصر.. إلى ما فوق الأرض بعد أن تعبر حدود القاهرة إلى مدن وقرى الدلتا فى طريقنا إلى السنبلاوين بلد صاحبنا الذى خرج إلى النور لتظلله لأول مرة أشجار الطريق بعد أن أمضى خلف الجدران نحو مائتى عام كانت فى عنقه وفى حسابه لجرائم ارتكبها فى حياته.. وقد أوفى سنى عقوبته.. لا تسألونى كيف؟.. وقد خرج اليوم لتوه إلى نور الحرية.. وهو الآن وأنا معه فى طريقنا إلى بلدته التى اسمها السنبلاوين والتى مازالت تحمل نفس الاسم بعد مرور قرنين من الزمان!
تسألون: ازاى وكيف وليه ولماذا؟
وجوابي: لقد انتهى زمان السؤال فنحن كما قلت مرارا وتكرارا نعيش معا.. صاحبنا صاحب السجل الطويل وأنا وأنتم هذه «الفانتازيا الصحفية».. إلى آخر المشوار.. لنرى ماذا يخبئه لنا القدر.. وماذا تخفيه لنا الأيام؟
وحتى لا تتوه بنا الخطي.. وحتى لا ندور فى حلقة مفرغة بلا حواجز وبلا قواعد وبلا محاذير وبلا حتى أبواب ندخل منها ونخرج.. وحتى نعرف ماذا جرى بمصر وللقاهرة وللناس وكتاب الحضارة الذيِ ورثناه من الأجداد العظام.. وهل أضفنا له عبر مائتى عام صفحات جديدة ناصعة.. أم نزعنا ما بقى فيه من صفحات نواصع مشرقات عبر الزمان والمكان؟
أم يا ترى قبعنا كعادتنا فى آخر النفق الحضاري.. فى انتظار من يفتح لنا طاقة نور أو يخرج بنا إلى الدنيا الواسعة.. إلى النور لتظللنا شمس الحضارة من جديد.. كما ظللتنا قرونا عددا؟
أردت أن أتأكد من أن رموز الحضارة فى بلدنا طاقات النور والإبداع فى حياتنا بعد مرور قرنين من الزمان.. مازالت باقية حية ترزق.. أم أننا كعادتنا نسيناها.. وغمرناها بتراب الجهل وستائر النسيان؟
ذهبت إلى دار الأوبرا بيت الحضارة فى زماننا.. فوجدتها على حالها شامخة أبية.. لم يحدث لها ما حدث لأوبرا الخديو إسماعيل باشا.. التى أحرقناها بإهمالنا أو بأيد آثمة صهيونية حاقدة كما يقولون؟
كوبرى قصر النيل مازال على حاله وعلى جماله ومازالت تحرسه أسود قصر النيل الأربعة..
الهرم مازال على حاله فى موقعه منذ أربعين قرنا. شامخا أبيا.. وأبوالهول كذلك مازال رابضا فى مكانه شاهدا على تاريخ مصر من أول يوم حضارة قبل نحو خمسة آلاف عام وحتى الساعة..
قلت لصاحبي: تعالى نشوف جرى إيه للأهرام الصباحى الذى يطل على المصريين كل صباح من خلال صحيفته اليومية التى عمرها الآن: 134 + 200 عام زيادة بحسب حسابات الفانتازيا الصحفية التى نحن فيها الآن يعنى يبقى عمره الآن 334 عاما اللهم زيد.. اللهم بارك
ذهبنا إلى الأهرام وجدناه كما هو وكما كان فى موقعه فى شارع الجلاء.. نفس المبني.. لكن الوجوه ليست هى الوجوه التى نعرفها وتعرفنا.. عندما دخلنا من الباب الزجاجى سألونا:
أنتم مين؟ ورايحين فين؟
تطوعت أنا بالكلام وقلت:
أنا اسمى عزت السعدني.. أنا محرر قديم قديم جدا هنا،.
قالوا لنا: ما نعرفشى حد دلوقتى اسمه عزت السعدني!..
يتطوع موظف عجوز بسؤال: هو حضرتك كنت زميل سليم تقلا وبشارة تقلا اللى عملوا الأهرام.. واللا كنت زميل أنطون الجميل واللا عبدالله بركات وللا بشارة الخوري؟
قلت له: لا بعد كده بشويه.. أنا كنت هنا من أيام محمد حسنين هيكل.. الأستاذ!
قال: نسمع عنه.. لكن ما سمعناش عن حضرتك!
قلت لصاحبي: بقولك إيه.. احنا هنا يا عزيزى فى الزمان الغلط.. يا للا نمشى أحسن نروح فى سين وجيم!
وتركنا مبنى الأهرام الذى مازال بعد قرنين من الزمان شامخا قائما واقفا على قدميه يرسل ومضات مضيئة من أنوار صاحبة الجلالة حتى ولو بلغ من العمر عتيا ما شاء الله 340 عاما.. اللهم يزيد.. اللهم يبارك..
لم نزعل ولم نغضب حتى ولو لم يعرفونا ولم يتذكرونا ونحن نمضى لحالنا أنا ورفيق رحلة هذه الفانتازيا الصحفية فى طريقنا إلى محطة مصر..
يرمقنى صاحبى فى الطريق بنظرة شماتة وهو يقول:
يعنى حضرتك عمال تقوللى أنا كنت فى الأهرام «الواد اللى هوا».. وأهو ما حدش عرفك بالمرة!
....................
...................
احبسوا أنفاسكم..
الشاشة التليفزيونية أمامنا فى القطار المكيف تقول اننا فى يوم الأحد الموافق 16 يونيو من عام 2235 ميلادية طبعا يعنى بعد 220 سنة من الآن لا تندهشوا.. دعنى أذكركم.. نحن نعيش معا أحداث فانتازيا صحفية لها العجب..
نسيت أن أقول لكم إن محطة مصر لم تتغير كثيرا.. وإن ازدان بهوها الداخلى بتماثيل فرعونية جميلة.. وبآيات قرآنية محفورة على الحوائط الرخامية.. وبنافورات جميلة تنثر الرذاذ.. تلطف الجو.. والأرض تحت أقدامنا تلمع وتبرق.. ولا ورقة واحدة على الأرض.. وإن كان صوت الشيالين وهم يقودون عربات كهربائية مازال يرن فى آذاننا: شيال يا بيه.. شيال يا هانم..
ولكن بوفيه محطة مصر..مازال كما هو فى مكانه التقليدي..
ومازال باعة السجاير والحاجة الساقعة يطوفون بالركاب الجالسين فى البهو الكبير ولكن كل واحد منهم يرتدى زيا مميزا كأنهم بحارة فى أسطول.. وبينهم بنات قمامير فوق رؤوسهن برانيط زرق وبنطلونات بيضاء آخر دلع يحملن حاملات البسكويت والسجاير والشيكولاتة.. ولا معاكسات ولا ألفاظ نابية.. والكل فى حاله والكل يعمل والكل راض.. والكل سعيد.. والكل مبتسم.. أو على الأقل اختفت التكشيرة التقليدية التى تعودنا عليها عقودا من فوق الوجوه..
المذيع الداخلى يعلن كل دقيقة.. وربما أقل قليلا عن قيام قطار إلى بلد معين..
هذا إلى طنطا وذلك إلى المنصورة وثالث إلى الاسكندرية وهى قطارات عواصم المحافظات.. وكلها تجرى فى أنفاق تحت الأرض.. أما قطارات الأرياف والضواحي.. فهى كما علمت مازالت تجرى فوق الأرض.. وسط المزارع.. كما كانت منذ نحو مائتى عام.. مثل قطارنا الذى نركبه الآن والمسافر إلى السنبلاوين بلد صاحبنا الهمام..
............
.............
بللنا ريقنا بكوبين من عصير البرتقال.. اتبعناه بفنجانين من القهوة المضبوطة.. من بوفيه العربة الأخيرة فى القطار.. وهو بوفيه على الواقف.. تأخذ أنت بنفسك ما تريد وتذهب لتتناوله فى مقعدك الوثير.. وهو لا يقدم إلا مشروبات خفيفة + سندوتشات سريعة..
سألت الكمسارى الظريف الذى يشبه عمنا «أبو الدبل» رياض القصبجى فى أفلام الأبيض والأسود على أيامى أنا.. وربما كان حفيدا له أو حفيد حفيده: هوا قطارات الأنفاق المسافرة إلى الاسكندرية أو بورسعيد أو العريش.. أو الأقصر وأسوان البوفيه بتاعها شكله ايه؟
قال الكمسارى حفيد أبو الدبل برفع الدال ونصب الباء وسكون اللام: العربات اللى فيها عربة أكل فاخرة تقدم فيها أشهى المأكولات وأطيب المشروبات وتديرها شركة فنادق كبري.. ولدينا قطارات نوم كاملة.. يركبها المسافر إلى الأقصر وأسوان!
قلت فى سري: عقبالنا يا رب لما نرجع نسافر بعربات النوم دى زى زمان كده أيام الشقاوة الصحفية أيام العزيز عبدالوهاب مطاوع والعزيز محمد زايد وأنا..
الشاشة الكبيرة أمامنا مع شاشات صغيرة فى وسط العربة تعرض فيلما ظريفا خفيفا من أفلام شارلى شابلن زمان.. حسب طلبنا..!
قلت لرفيقى فى الهم وفى السفر إياه: هما لسه فاكرين شارلى شابلن بعد مائتين سنة.. ويا ترى فاكرين كمان أفلام نجيب الريحانى وإسماعيل يس وشكوكو وعمك على الكسار.. واللا أفلام عادل امام وفؤاد المهندس ورشدى أباظة واستيفان روستي؟
يقاطعنا عمنا الكمسارى حفيد أبو الدبل الذى كان يسمع حوارنا: كل حاجة موجودة فى ذاكرة الأفلام.. بس حضرتك تكتب اسم الفيلم عالزراير اللى قدامك.. على طول يطلع لك الفيلم اللى أنت عاوزه.. ولو حتى من القرون الوسطي!
قلت فى سرى دون صوت: ياه آدى احنا بقينا من القرون الوسطى!..
...........
............
أعلن المذيع الداخلى داخل القطار بكلمات عربية سليمة: هذه هى محطة السنبلاوين.. ثم صوت حريمى ناعم تعلن نفس العبارة ولكن باللغة الانجليزية.. وأخرى بالفرنسية.. يا سلام سلم!
قلت فى نفسي: ايه ده كله هو احنا فى محطة واشنطن دى سى للقطارات واللا ايه.. دنيا.. لكن كده أحسن.. كما فين وبقينا فين؟
وصلنا السنبلاوين بلد العزيز الغالى «اللى مدوخنى معاه السبع دوخات» كما تقول بنات بولاق والحسينية ودرب المغربلين لننزل معا.. هو فى حالة سرحان غريبة.. نظر إلى وقال وهو فى حالة توهان فوق رصيف المحطة: لا بابا دى موش هى السنبلاوين دى محطة ماشفتهاش قبل كده.. فين الهيصة والزحمة والزمبليطة..؟ فين الشيالين؟ فين الولاد العفاريت اللى بيبيعوا الحاجات الساقعة والبسكويت والحرنكش والبلح الأمهات؟ فين دكاكين الحمص واللب والسودانى اللى كانت أول حاجة تشوفها وأنت نازل المحطة؟ فين شلة النسوان اللى لابسين أسود فى أسود وقاعدين قدام المحطة يوماتى وليلاتى وقدامهم ترابيزة الترمس والفول والحلبة.. القرطاس بشلن؟ فين الحفر.. فين حلة الغسيل والطبيخ اللى الستات بتدلقها من البلكونات للشارع.. تقع تغرق الأرض تحمى حد ماشى لا بيه ولا عيله موش مهم؟
قلت له: بقولك ايه سيبك من الكلام اللى لا يودى ولا يجيب ده موش وقته.. بيتكم فين.. ومكانه فين.. فاكره واللا ناسي؟
قال: فاكر كويس قوي.. كان على الزراعية جنب شريط السكة الحديد.. بيت كبير.. دوار عمدة الكفر كله بحق وحقيق!
مشيناها خطي.. وخطى مشيناها.. طولا وعرضا شمالا وجنوبا.. ندخل شارعا ونخرج من شارع آخر.. نحاول أن نعثر على أى أثر لدوار العمدة هذا.. دون جدوي!
فجأة صاح صاحبنا من خلفى وهو يشير إلى جامع عتيق عمره من عمر الزمن: وهو ده الجامع اللى كنا بنصلى فيه.. وراه بكام بيت كده كان بيتنا على اليمين..
جرى هو مسرعا وأنا خلفه ألهث.. وغاب بين البيوت والتى أصبحت الآيلة للسقوط فى أى لحظة.. والحارة كلها متهالكة المباني.. ليس فيها بيت واحد يصلب طوله.. ليضع صاحبنا يده فجأة على باب بيت مهدم قول خرابة أحسن.. ويصيح: يا متولى هو ده بيتنا وأيمانات المعبود بيتنا!
وكما فى فيلم أنور وجدى ومديحة يسرى وسراج منير وكمال الشناوى وفريد شوقى الذى اسمه: أمير الانتقام.. وهو واحد من أحسن 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية كلها كما قلت فى كتابى 100 سنة سينما ظهر لنا من بين.. أطلال البيوت المهدمة والمبانى الخربة التى أصبحت سكنى للفئران ومأوى للبوم والخفافيش والعناكب.. عجوز هرم انحنى منه الظهر لا يكاد يقوى على السير أو حتى الوقوف يسنده غلام فى نحو العاشرة قوى البنية.. سأله صاحبنا: ما تعرفش يا بنى حد من عيلة الطرطوشى عايش.. دول كانوا ساكنين هنا؟
ما كاد صاحبنا يكمل عبارته.. حتى انتفض الشيخ الهرم.. كأنه خارج لتوه من قبره وصاح فينا: أنا من عيلة الطرطوش أنا آخر واحد فى عيلة الطرطوش. ينتفض صاحبنا ويحتضنه وهو يقول له.. وأنا كمان..
بحسبة بسيطة حسبتها.. العجوز أمامى هو الحفيد وصاحبنا هو الجد.. يا سبحان الله.. الحفيد هو الأكبر والجد هو الأصغر.. يا سبحان الله أضرب كفا بكف.. ولكن الجد القعيد ينتبه فجأة ويصيح فينا: ايه العبط ده.. أنتم جيتوا منين اتفضلوا بره.. لحسن أطلب لكم البوليس.. يا لله يا بشندى ينادى الغلام الذى يتوكأ عليه اقفل يا بنى الباب بالترباس.. وتعالى شوفلى حاجة أكلها لحسن أنا هفتان!
............
............
خرجنا من الدار المهدمة غير مصدقين أعيننا.. ولكن ماذا تفعل؟ وإلى أين نذهب؟
وكأننا نبحث عن ورقة ضائعة وسط كومة من الأوراق فى أرشيف الكتبخانة فى القلعة؟
ويا لها من فانتازيا صحفية لا تحدث فى العمر إلا مرة واحدة وربما لا يحدث أبدا!
ملحوظة: هذه حلقة من حلقات كتاب أكتبه الآن اسمه «50 سنة أهرام»!{
لمزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.