«الشتائيون».. عشاق البرد والمطر، والسماء المتدثرة بالغيوم الرمادية الداكنة، والليالى الطويلة العميقة، ذات النجوم القليلة المتناثرة، فى وحدة آسرة، ينظرون إلى الشتاء، ليس باعتباره أحد فصول السنة الأربعة، وإنما يعتبرونه «فصلا خاصا» بهم، اتخذوا منه «فاصلا زمنيا» يلتقطون فيه أنفاسهم، ويجددون إحساسهم الصدئ، ويستردون آدميتهم المفقودة، فى هجير أيام الصيف الطويلة. ليل الشتاء الطويل، يمنح الروح فرصة «نادرة» للتأمل، واستدعاء الذكريات، واشتعال الأشواق، والاستماع إلى الأصوات البعيدة، التى فارقتنا فى الحياة، وأيضا يحرضنا على طرح الأسئلة «الجوانية»، «الغائصة» فى ذواتنا، ولا يتركنا بلا إجابات، فالهدوء والصمت والصفاء وأوقات الدفء الخاصة، أسباب مواتية تلهمنا الإجابات «الغائبة» فى حياتنا، أو «الهاربة» فى زحام الأيام العادية، التى لا تسمح لنا حتى بالتقاط الأنفاس. أعشق الشتاء بلا حدود، وبلا شروط، حتى لو كان وحلا وبركا ومستنقعات، ودمارا وموتا، كما هو فى بلادي، وليس نظافة واغتسالا للحياة والطبيعة، كما هو فى العالم من حولنا، والشتاء عندى فى ذروة إبداعه، تجسده «رباعية» للشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين، وقصيدة بعنوان «أغنية للشتاء» للشاعر الكبير أيضا الراحل صلاح عبدالصبور. «الرباعية» لن تتركك، بصدقها وعمقها، دون أن تحاول أن تعرف ماهى تلك الأشياء التى ترفض الموت فى ليل الشتاء، تقول كلمات الرباعية: «دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت/ وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت/ وحاجات كتير بتموت فى ليل الشتا/ لكن حاجات أكثر بترفض تموت/ وعجبي». أما القصيدة ففيها نبوءة لم تتحقق ، فقد مات الشاعر فى الصيف، ولكنها شأن كل نبوءات الشعراء، ليست من أجلهم، ولكن من أجلنا نحن، تقول بعض أبيات القصيدة: «ينبئنى شتاء هذا العام أننى أموت وحدي/ ذات شتاء مثله ذات شتاء/ ينبئنى هذا المساء أننى أموت وحدي/ ذات مساء مثله ذات مساء/ وأن أعوامى التى مضت كانت هباء/ وأننى أقيم فى العراء». بين الرباعية والقصيدة أعشق الشتاء، وأعيش أقاوم موت المشاعر والعواطف الإنسانية، كما أننى أنتظر النبوءة أن تتحقق، ذات شتاء مثله، ذات شتاء! فى الختام.. يقول الشاعر إبراهيم عبدالفتاح: «لكنى باحتاجلك ساعات/ لما الشتا يدق البيبان». لمزيد من مقالات محمد حسين