لست واحدا من الذين صبوا لعناتهم على دونالد ترامب المرشح الجمهوري المحتمل لرئاسة الولاياتالمتحدة حين دعا إلي حظر دخول المسلمين الأراضي الأميركية.. ولكنني رأيته يعبر عما ينبض به قلبه من حقد وغل وغباء سياسي، بوضوح تام. وعنصرية ترامب لم تدهشنى أيضا.. فالعنصرية موجودة فى كل العصور ولها رجال أكثر شراً من ترامب، وأعمق حقداً وغلاً.. وأسالوا دماء أكثر وأغزر.. ولنا أمثلة فيما فعله الانجليز فى بلادنا وضد الفلسطينين، والفرنسيون في الجزائر والمغرب، والأمريكان فى الزنوج والهنود الحمر وفى اليابان حينما ضربوها بالقنبلة النووية. والمعنى أن العنصرية موجودة مع وجود الانسان المحب للدماء المبرر دائما للأفعال الشيطانية فى كل مكان وزمان.. والعنصرية وصلت إلى ملاعب كرة القدم.. ونراها بأنفسنا كل فترة ضد اللاعبين أصحاب البشرة السمراء. ما أدهشنى هو أن كلماته خرجت من فم رجل من المفروض أنه سياسي أو هكذا يقول عن نفسه ولذلك فهو غير واقعي ويستحق اللوم والتأنيب ومقاطعة شركاته، وسيفشل فى الحصول على الترشيح من الحزب الجمهورى، كعادته فى كل دورة انتخابية.. فالسياسي يجب أن يكون مغموسا بالدهاء والكذب، وممرمغا فى مياه اللباقة وسرعة البديهة، ومدهونا بطبقة من الذكاء والبرود وعدم استعداء الغير.. لكن ترامب دهن نفسه بالتصريحات الجوفاء اللامعة التي تبقيه تحت الضوء أكثر وقت ممكن. وما قاله ترامب وطالب به ليس جديدا فقد طالبت به من قبل جماهير نيوكاسل فى انجلترا بأن يرحل اللاعب المصري أحمد حسام ميدو عندما كان لاعبا فى صفوف ميدلسبره ولعب ضد فريقها، يرحل ميدو ومعه كل المسلمين من أوروبا، فأساءت جماهير نيوكاسل إليه على أساس ديني وعرقي وعنصرى. جماهير نيوكاسل بقت كما هى وانتقل ميدو إلى ناد آخر، وترامب هو الأخر باق فى مكانه، باق فى قوقعته السياسية وأفكاره العنصرية.. لن يعرف أن ينقل حُلمه ليكون رئيسا لأى بلد آخر غير الولاياتالمتحدة حتى ولو وصلت ثروته إلى مئات المليارات.. سيفشل ككل مرة خاض فيها التجربة أو هكذا أتمنى.. وإن كان ظهورة هذه المرة أكثر وضوحاً وأكثر صخباً. ترامب هو مثال متكرر لآفة "أدمغة السياسيين الجهلة والفارغة".. هذه الآفة ظهرت من قبل فى الحكومات الأمريكية.. فقد كان دان كويل مُرشِحا لنفسه على منصب رئيس أمريكا وكان عضواً في مجلس الشيوخ ثم نائباً لبوش الأب، كل ذلك لم يُعلمه كيف يكتب كلمة «بطاطس» باللغة الإنجليزية. أما بوش الإبن فلم يكن يعرف كيف ينطق كلمة «يونانيون» بالإنجليزية.. فى فضيحة تناقلتها الجرائد الأمريكية.. أما سارة بيلين والتي ترشحت لمنصب نائب الرئيس في عام 2008، فلم تتورع خجلا عن أن تهاجم العرب ككل وبالجملة. قد يعتقد ترامب بأمريكا أنه يدافع عن أقرانه الأمريكيين، ويدافع عن الخوف الذى زرعوه فى صدورهم ضد المهاجرين خاصة المسلمين والسوريين، ولكن يبقى الاندهاش الحقيقى هنا من "الترامبيين" المصريين والعرب، الذين يسيئون إلي الإسلام في كل كلامهم ومعظم أفعالهم.. فهنا أصوات تجاهر بالخوف من الإسلام وكذلك بالخوف من كل ما هو عربي. وهُنا من يطالب بالتخلى عن السُنةِ وعن كل ما كتب البخارى ومسلم.. وهنا من يُحلل الحرام كالخمر والميسر والزنا والقتل.. وهنا من يتحدث كأنه الإسلام.. أو كأن الإسلام نزل له وحده.. وهُنا من يَسب باسم الإسلام ويَقتل باسمه، ويخرج على الفضائيات باسمه.. عندنا ألوف من ترامب كأبو بكر البغدادى الداعشي لكنهم أشد خطرا وأقل وضوحا وأكثر عنصرية من ترامب الأمريكى. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد سعيد طنطاوى