حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    الخارجية الروسية: أوكرانيا ستحاسب على أعمالها الإرهابية    نتنياهو: لن يكون لدينا صديق أقرب من الرئيس ترامب    نتائج لقاء ترامب ونتنياهو، البنتاجون يعلن عن صفقة ضخمة لتسليم مقاتلات "إف-15" لإسرائيل    جون إدوارد يكشف تفاصيل سقوط الزمالك في بيان رسمي    منها خطف طفل كفر الشيخ وأزمة سيدة الدقهلية، الداخلية تكشف ملابسات 4 فيديوهات أثارت الجدل في مصر    تفاصيل مثيرة في واقعة محاولة سيدة التخلص من حياتها بالدقهلية    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    حسام حسن يمنح لاعبى المنتخب راحة من التدريبات اليوم    بينهم 4 دول عربية، تعرف على المنتخبات المتأهلة لدور ال 16 في كأس أمم إفريقيا    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    أزمة القيد تفتح باب عودة حسام أشرف للزمالك فى يناير    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة ببطن الهوى لصالح المستعمرين    الرئاسة الإسرائيلية تنفي ادعاء ترامب بشأن العفو عن نتنياهو    النيابة تأمر بسرعة ضبط المتهمين بقتل مالك مقهى عين شمس    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    فرح كروان مشاكل على حفيدة شعبولا يتحول إلى تحرش وإغماء وعويل والأمن يتدخل (فيديو وصور)    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    أحمد موسى: خطة تدمير سوريا نُفذت كما يقول الكتاب    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    أحمد موسى: 2026 سنة المواطن.. ونصف ديون مصر الخارجية مش على الحكومة علشان محدش يضحك عليك    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    فوضى السوشيال ميديا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدراما التليفزيونية تجسد سجل المرارة والألم
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 12 - 2015

على قدر ما أفردت السينما للقضية المركزية في الذاكرة العربية، مسلطة أضواء كاشفة لعمق الجرح، فإن الدراما كانت الأنضح والأذكى، والأكثر تأثيرا في نفوس الفلسطينين والعرب، ولعلها كانت السبب وأشعلت الشرارة الأولى للانتفاضتين الأولى والثانية،
بداية من التجربة الدرامية الأولى التي أفردت للموضوع الفلسطينيين، مسلسل "عز الدين القسام -1981) من تأليف أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي، والذي صور الملحمة الكفاحية للقسام المجاهد السوري الأصل، وقد أدّى دوره الفنان أسعد فضة، ثم تلاه عام 1994 مسلسل "نهارات الدفلى" الذي كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل فواز عيد، وأخرجه أحمد زاهر سليمان، وعلى رغم خصوصية موضوعه، إلا أنه لم يلفت العمل الأنظار إليه في حينه.
ويعد مسلسل "صلاح الدين الأيوبي" من تأليف يد.وليد سيف، و من إخراج حاتم على بطولة (جمال سليمان - غسان مسعود - سوزان نجم الدين - باسم ياخور -حسن عويتي - نجاح سفكوني - وائل رمضان - محمد مفتاح - باسل خياط - قيس الشيخ نجيب - تيم حسن - عبد الرحمن آل رشي - جلال شموط - رفيق سبيعي - رفيق علي أحمد - خالد تاجا ) واحدا من أهم الأعمال التي رسخت ملامح القضية، حول القدس تحديدا، حيث يتناول سيرة البطل والقائد صلاح الدين الأيوبى الذى حرر القدس بعد أن وحد العالم العربى والإسلامى، خاصة أنه كان قائدا فذا، وشخصية رمزية على مدار التاريخ البطولي العربي والإسلامي، وفوق ذلك كان إنسانا جديرا بالتقدير والإعجاب، فهو لا ينسى في غمرة جهاده أن للفرسان أخلاق وللصراع أوجه حضارية أخرى، فعلى الرغم من أن صلاح الدين كان خصماً للأوروبيين، إلا أنهم يعتبرونه مثالاً للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية، كما قال «توماس أرنولد» في كتابه «الدعوة إلى الإسلام»: يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين.
وهو ما أكده «جوستاف لوبون» في كتابه المهم «حضارة العرب» :لم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم؛ فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعا سلب شيء منهم.
وربما بدت القدس كمدينة رمزية أكثر حضورا بعد مسلسل «صلاح الدين الأيوبي» مع باسل الخطيب في مسلسله "أنا القدس عام 2010 " وهو إنتاج مشترك سوري مصري، من تأليفه وشقيقه تليد الخطيب وإخراج أيضا، وبطولة نخبة من ممثلي سوريا ولبنان ومصر والأردن والعراق منهم (عابد فهد - كاريس بشار صبا مبارك - فاروق الفيشاوي - نضال نجم ، منذر رياحنة - عمرو محمود ياسين - عبير صبري - صباح جزائري - سعيد صالح - تاج حيدر - مازن الناطور - نجلاء الخمري (وغيرهم ، ويتحدث عن مدينة القدس في تلك الفترة بكل ما يتعلق بجوانبها النضالية والأدبية والسياسية والاجتماعية من خلال خط درامي يواكب ظهور شخصيات بارزة في تاريخ فلسطين الحديث، كما يتناول تاريخ المدينة خلال فترة حرجة تمتد 50 عاما بدءا من سنة 1917 حين وضعت فلسطين التاريخية تحت الانتداب البريطاني وصدر وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين التي كان يغلب العرب على سكانها آنذاك، وتنتهي أحداث المسلسل بحلول عام 1967 حين سقطت مدينة القدس كلها في يد إسرائيل التي كانت تسيطر على الجزء الغربي من المدينة منذ عام 1948.

مسلسلات الشتات الفلسطيني
خمسة مسلسلات عربية تعد هى الأجدر في تجسيد حالات الشتات الفسطيني في أبرز تجلبان المرعبة، وأولها : "الشتات" سوري تأليف الدكتور فتح الله عمر و إخراج نذير عواد، و بطولة (عبد الرحمن أبو القاسم - عباس النوري - هاني الروماني - أمانة والي - رندة مرعشلي - تيسير إدريس - زيناتي قدسية ) ويسلّط هذا العمل الضوء على آلية تكوين إسرائيل والأساليب التي اتبعتها الصهيونية للوصول إلى هذا الكيان، ويفضح ادعاءات اليهود حول الإبادة والمجازر التي تعرضوا لها عبر القرون, ويبين بجلاء أن كل ما تعرض له اليهود كان بتدبير من الصهاينة أنفسهم، وهنا التاريخ يعيد نفسه الآن، وها هي إسرائيل تسعى دائمًا إلى تزييف الحقائق أمام الناشئة العرب، وتسعى من خلال محاور كثيرة إلى تحسين صورتها أمام العالم من خلال أطروحاتها تجاه التطبيع، وقد استغرق العمل وقتًا وجهدًا كبيرين بالاعتماد على 2500 مرجع يهودي ويقع في 30 حلقة، لكن لم يتم عرض إلا 18 حلقة بعدما تم منع إكمال بث المسلسل بضغوط إسرائيلية أمريكية أوروبية .
ثانيهما : وعلى الرغم من إخفاق مسلسل «الشتات» إلا أن باسل الخطيب يعاود الكرة وبصورة أكثر نضوجا مستعينا برواية "غسان كنفاني" للدخول مباشرة في عمق الشتات الفلسطيني بإنجاز مسلسه الرائع جدا "عائد إلى حيفا - 2004"، بطولة "نورمان أسعد وصباح الجزائرى و سلوم حداد و سامر المصري"، وقد وجه عين الكاميرا هنا بذكاء في تحويل النص الأدبي الروائي إلى النص الإنساني، فقدم تجربة عاشها غسان كنفاني وعاشها كل فلسطيني، تجربة جرح وطن، وعذاب إنسان عانى قهراً وظلماً وحرماناً وتشرداً، إلا أنه دائماً وأبداً يحمل أمل العودة إلى ذاك الوطن الساكن في الوجدان، إنها حقا ملحمة وطنية مؤثرة، شخصياتها آسرة بما تحمله من نبل وعنفوان وقدرة على المواجهة، وعلى درب الجودة الدرامية هنالك تجربة مسلسل"عياش" الذي يحكي قصة المهندس يحيى عياش أحد قادة المقاومة في قطاع غزة، من تأليف ديانا جبور وبطولة سامر المصري.
ثالثهما : "حدث في دمشق" سوري من تأليف عدنان عودة ، وإخراج باسل الخطيب ، وبطولة سولاف فواخرجي- مصطفى الخاني - وائل رمضان - ديمة قندلفت - ميسون أبو أسعد - وضاح حلوم - لينا دياب - محمود نصر - محمد الأحمد - مأمون الفرخ - رنا العضم - جابر جوخدار) ، ويعد استكمالا لمسلسل الشتات، وتدور أحداث المسلسل خلال فترتين زمنيتين بسوريا الأولى عام 1947 حيث يتم رصد التحولات الجذرية التي طرأت على فلسطين والمرحلة الثانية مع دخول القرن العشرين حيث استعراض مصير الكثير من الشخصيات وتطورها مع تطور الأحداث السياسية.
رابعهما : «سليمة باشا» من تأليف فلاح شاكر، وحشَّد المخرج باسم القهار فيه نخبة من الممثلينَ الذين ينغمرونَ وسط مناكفات أبناء الطائفة اليهوديَّة وخلافاتهم حول تفضيل الهجرة وقطع أواصرهم بأبناء وطنهم الأصلي أو إيثار بقائهم فيه ويخضعونَ له مثل باقى العراقيين منذ صيف عام 1948م، يوم صُفيِّت مكاسب الوثبة الوطنية بإعلان الأحكام العرفية، باسم حماية مؤخرة الجيش المقاتل في الديار المقدَّسة بزعم تحريرها وطرد الصهاينة الطارئينَ منها، وأتى المسلسل على شخصية يهوديَّة معروفة وقتذاك في الوسط الثقافي العراقي هي أنور شاؤول والمحامي الأديب والصحفي والقاص والشاعر ومن المتولدين في مدينة الحلة العراقية.
كما يعيد المسلسل لأفهامنا ذكريات الأحداث السياسية التي وقعَتْ في غضون عام 1950م، وشُرِّع بموجبها قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود العراقيين وتسفيرهم إلى إسرائيل إلى آخر التفاصيل التي أدت الى تحقيق حلم الدولة الصهيونية والتي بالضرورة أدت إلى تعميق الشتات الفلسطيني.
خامسهما: "حارة اليهود" تأليف مدحت العدل، وإخراج محمد جمال العدل ، بطولة منة شلبي، إياد نصار، ريهام عبدالغفور وأحمد حاتم، والذي ينتمي إلى النوع التاريخي في إطار اجتماعي، و تدور أحداث المسلسل بدايةً من عام 1948 أثناء حرب فلسطين وتستمر حتى العدوان الثلاثي، وكيف كان شكل الحياة في حارة اليهود وسكانها وقتئذ والأنشطة التي كانوا يمارسونها، وتأثرهم بالأوضاع السياسية في البلاد، وإنعكاس ذلك على حياتهم اليومية، كما يستعرض في ذات الإطار مؤامرات رجال المال اليهود الذين رأوا في الهجرة إلى إسرائيل نوعا من الأمان المبني على أسس عقائدية ترمي إلى تحقيق الحلم الصهيوني في بناء دولة على حساب الشتات الفلسطيني الذي وقع بصورة أعنف في أعقاب قرار التقسيم 1948 وقيام الدولة بشكل عنصري على أنقاض أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين الذين أصبح مصيرهم التشريد واللجوء للمخيمات بعد أن غادروا دورهم وأراضيهم مجبورين.
دراما الانتفاضة
يأتي في مقدمة دراما الانتفاضة من حيث الجودة، مسلسل "الاجتياح" من إخراج المبدع التونسي شوقي الماجري، سيناريو وحوار رياض سيف ، وبطولة «عباس النوري وصبا مبارك ومنذر رياحنة ونادرة عمران وحسين نخله وانطوانيت نجيب وإياد نصار» فضلا عن غيرهم من السوريين والفلسطينيين والأردنيين ,وقد صور المسلسل معاناة الشعب الفلسطيني خلال اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين سنة 2002 ، تدور أحداث العمل في فترة الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رام الله وحصار كنيسة المهد في بيت لحم ومدينة جنين ومخيمها، ويتجاوز العمل التناول النمطي والشعاراتي الصارخ والمستهلك ليقدم عملا زاخرا بالحياة والعاطفة، عبر تجسيد درامي للحياة اليومية للمواطن الفلسطيني.
ومن بعده يأتي "سفر الحجارة - 2009" من تأليف هاني السعدي وإخراج يوسف رزق ، ويروي حال الفلسطينيين منذ 2001 حتى أحداث غزة 2009، ويتخذ المسلسل عائلة أبو محمود محوراً للقصة، حيث تتكون هذه العائلة من أم محمود زوجة الشهيد وأم لأربعة رجال، استشهد ابنها الأكبر وابنتها برصاص المحتل الإسرائيلي. فهي تمثل رمزاً للعزة والصمود والشموخ. والقصص التي تحدث مع أولادها و أبرزها قصة "خلدون" الذي يتم استغلاله لخدمة الموساد من دون أن يدري، والأخ الأكبر الذي يشكل جزءا مهما من حركة المقاومة الفلسطينية في القدس.

أيقونة الدراما الفلسطينية
ربما لم ينل مسلسلا "عائد إلى حيفا" ونظيره «عياش» فرصا جيدة في العرض، ولم يشفع لهما الموضوع والإخراج والأداء الجيد لفريق عمليهما، رغم إعادتهما أكثر من مرة على عدد محدود من الفضائيات، لكن جاءت «التغريبة الفلسطينية – عام 2004» للمخرج حاتم علي، والمؤلف "وليد سيف" بمثابة "أيقونة الدراما الفلسطينية" بلا منازع، وعلى الرغم من أن المؤلف ذاته كان قد سبق له أن قدّم عملاً مشابهاً مع المخرج الأردني صلاح أبو هنود بعنوان "الدرب الطويل" ولم يحقّق نجاحاً يذكر، إلا أن "التغريبة" امتلكت خصوصية في عرضها الشيق لتجربة النكبة، وتجربة الاقتلاع واللجوء، فضلا عن كونه قد رسم صورة شاملة وبواقعية للنضال الفسلطيني المنسى، تبدأ من أعمال المقاومة المبكرة في فلسطين وينتهي إلى المصائر التي آل إليها الفلسطينيون في الشتات.
وتبدو دهشة "التغريبة" الإبداعية في قدرته على نقل حياة الفلسطينيين في بيئاتهم المختلفة بأمانة، وبعمل جَسور على أدق التفاصيل، إلى جانب ذكاء خطاب المؤلف والمخرج بلغة امتلكت القدرة على أنسنة الفلسطيني، وفي نقديته لمشكلات هذا المجتمع الذي ظل يقدم بصورة ذهنية ومعمّقة على الشاشة، ولنتأمل مليا المشاهد الأولى لحاتم على في «التغريبة»، فبعزف شجي حزين على إيقاع «القانون»، وفي شموخ يرقد الجسد المسجى بعد طوال عذاب، إنه "أحمد أبو صالح الشيخ يونس" والذي يجسد دوره الفنان الكبير "جمال سليمان" في ارتجال مذهل، وبعد أن سلم الروح لبارئها، يدخل الأخ الأصغر "على" وقام بدوره "تيم حسن" في واحدة من أعماله الدرامية الناضجة – على صغر سنه آنذاك - ، كان حضر لتوه من عمان التي استقر بها بعد ان حقق الحلم الكبير للعائلة بحصوله على الدكتوراه من أمريكا، يدخل في مشهد يعد ال "ماستر سين" للمسلسل، ليجتر الذكريات التي عاشها في كنف «أبو صالح» الذي كان يمثل العمود الفقري للعائلة الريفية الفلسطينية الفقيرة، فقد ارتاح المناضل الأسطوري لتوه بعد أن ذاق مرارات الغربة والتهجير كل سني عمره ، وعايش الانكسارات والهزائم الكبرى التي سبقت النكبة وما بعدها دون وصول إلى أفق قريب للعودة.
لقد عمد المخرج ومن اللحظة الأولى إلى تثبيت مشاهد الريف الضائع في الذاكرة التي لم تغادرها حتى الآن، وقد نجح بالفعل في إماطة اللثام عن تلك السير الحية من البطولات المنسية، والتي روت بدمائها الطاهرة الذكية أرض فلسطين في بواكير الزحف الصهيوني، في أعقاب "وعد بلفور" اللعين وهبوب الرياح العدائية ل "الهجاناة" بأفعالهم المشينة التي استهدفت الأرض والناس حتى وقوع النكبة التي انفرط العقد الفلسطيني على أثرها بهزيمة وتراجع الجيوش العربية.
يقف الأخ الأصغر «على» أمام جثمان «أبو صالح» بشاربه الأبيض الكث والشال الأبيض الذي يعكس نورانية تلك اللحظة، وفي تلخيص غير مخل يسرد جوانب المأساة محدثا نفسه بمرارة: "أبو صالح، يا خوي أبو صالح .. أنا على.. أخوك .. أخوك وإبنك ، هسه بدي أقولك إشي: أنا لولاك ما صرت إشي، ياحبيبي يابو صالح، ياحبيبي ياخوي"، ثم يستعرض بصوته تاريخ الأب الروحي للنضال الفلاحي الفسلطيني، وبأسلوب الراوي يقول في آسى موجع : "رحل الرجل الكبير، وتركني وراءه أتساءل عن معنى البطولة، أخي أحمد، أبو صالح، لم تعلن خبر وفاته الصحف والإذاعات، ولم يتسابق الكتاب إلى استدعاء سيرته وذكر مآثره، وقريبا يموت آخر الشهود المجهولين، آخر الرواة، أولئك الذي عرفوه أيام شبابه جوادا بريا لم يسرج بغير الريح، فمن يحمل عبء الذاكرة ؟، ومن يكتب سيرة من لاسير لهم في بطون الكتب، أولئك الذين قسموا جسومهم في جسوم الناس، وخلفوا آثارا عميقة تدل على غيرهم، ولكنها لاتدل عليهم.
وللحقيقة فإن كاميرا «حاتم على» مخرج العمل حلقت ببراعته المعهودة لتغوص بليونة خاطفة تحت جلد القضية، وفي عمق هذا الجرح الغائر يفور الدم الفسطيني فواحا برائحة المسك والعنبر، مخلوطا بطعم المجد والخلود الأبدي لأولئك الذي فنوا في سبيل القضية التي لاتزال تشكل وصمة عار على جبين العرب والعالم إلى يومنا الحالي، وكأنها تعيد من عام إلى عام ووصولا للانتفاضة الثالثة التي تدق أبواب التاريخ الآن "أسطورة سيزيف" ليعاود الكرة من جديد دون جدوى الصعود الهبوط.
ارتعاشات الرعب ومرارة اللحظات المأساوية التي اعترت مجمل القضية تجلت في أداء بارع لكل من «باسل خياط » حسن، خالد تاجا «أبو أحمد»، جوليت عواد «أم أحمد» يارا صبري «فتحية»، نادين سلامة «خضرة»، قيس الشيخ نجيب «صلاح» مكسيم خليل «أكرم السويدي»، سليم صبري «أبو اكرم السويدي»، حسن عويتي أبو عايد، ، فضلا عن أداء استثنائي لحورية الدراما العربية نسرين طافش بدور"جميلة" والتي عبرت فيه بصوت شجي عن تلك الأنثى المسكونة بالعفة والعفاف، على رقة حالها وغلبتها على أمرها، مقهورة بتخلف عشيرتها، وبمزاج من عفوية وتلقائية الموهبة التي تفوق سنها وخبرتها - آنذاك - كممثلة شابة استطاعت في ثلاث حلقات فقط أن تبكينا بكاء حارا يدمي القلوب على تلك الفتاة، رمز فلسطين سليبة الإرادة، ضائعة الهوى والهوية، ناهيك عن عذوبة أداء حاتم على نفسه في دور "رشدي".

النصيب الأكبر لسوريا
وللإنصاف فإن الدراما السورية كان لها النصيب الأكبر في التعبير بصدق وواقعية للرواية المعقّدة للألم الفلسطيني، ربما بحكم أنه كان هناك ما يقرب من 600 ألف لاجئ فلسطيني، وعلى رغم توزّيعهم على عدد من المخيمات في المحافظات السورية، فإنهم قد حققوا قدراً كبيراً من الاندماج في المجتمع السوري من دون أن يتخلّوا عن هويتهم الوطنية، لذا أسهم هؤلاء فيه منذ وقت مبكر، ابتداءً من ممثلين روّاد كالراحل "يعقوب أبو غزالة ولينا باتع"، مروراً بالراحليَن "يوسف حنا وصبحي سليمان"، إضافةً إلى "بسام لطفي وتيسير إدريس ونزار أبو حجر" وصولاً إلى جيل الشباب، ومنهم نجوم أكفاء مثل "عبد المنعم عمايري، جومانة مراد، نسرين طافش، نادين سلامة، إياس أبو غزالة، أناهيد فياض، ديمة بياعة"، وفي الإخراج برع كل من "المخرج والممثل الكبير حسن عويتي، باسل الخطيب، بسام سعد، المثنى صبح" إضافة إلى أن المخرج المتميز "حاتم علي" المنحدر من الجولان حيث نشأ في مخيم للاجئين، لذلك لم تكن حساسيته غريبة عن التراجيديا الفلسطينية.
وعلى مستوى الكتابة الدرامية هناك وفرة في الأسماء الفلسطينية اللامعة، مثل " أمل حنا وريم حنا، حسن سامي يوسف، هاني السعدي رائد دراما الفنتازيا، وأكرم شريم" والأخير كتب أول الأعمال التي صورت البيئة الدمشقية "أيام شامية- 1992"مع المخرج بسام الملا، وصولا إلى "عبد المجيد حيدر" الذي قدم عدداً من الأعمال المهمة، وهو يعكف حاليا على تحضير عمل درامي عن ياسر عرفات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.